الغارة الإسرائيلية التي هزّت الدوحة بالأمس وهو (التاسع من سبتمبر 2025) لم تكن مجرد محاولة فاشلة لاغتيال قيادات من حركة حماس. فالعملية، التي أودت بحياة عدد من الأشخاص، بينما نجا المستهدفون الرئيسيون، أعادت فتح نقاش واسع حول جدوى ما يُسمى في الأدبيات الأمنية والسياسية بالاغتيالات المستهدفة.

منذ سنوات يتجادل الباحثون حول فعالية ما يُعرف بقطع الرأس القيادي. بعض الدراسات الأمنية المرتبطة بمكافحة الإرهاب، تؤكد أن استهداف القادة يمكن أن يضعف الجماعات المسلحة إذا كانت ذات قيادة مركزية وبدائل محدودة. بينما دراسات أمنية نقدية، خلصت إلى أن التنظيمات الكبيرة واللامركزية غالبًا ما تتجاوز مثل هذه الضربات بسرعة، بل قد تزداد صلابة لأنها تستثمر رمزية الشهادة لتعزيز التجنيد والتماسك. 

في قراءات المدارس الفكرية في العلاقات الدولية، بينما يتبنى الواقعيون هذه العمليات كأداة ردعية لإظهار الحزم، يحذر الليبراليون والبنائيون من تداعياتها العكسية التي تقود إلى تقويض الشرعية وتغذية رمزية النصر لدى التنظيمات. أما منظور ما بعد الاستعمار فتعتبرها شكلًا من العنف غير المتكافئ يعكس اختلالات النظام الدولي.

من هنا، لا تبدو محاولة الدوحة مجرد عملية عسكرية فاشلة، بل فعلًا سياسيًا رمزيًا متعدد الأبعاد. فاستهداف وفد تفاوضي يناقش الهدنة يوحي بأن الهدف قد لا يكون التصفية بقدر ما هو إرباك مسار التهدئة. وإحراج قطر كوسيط محوري قد يدفعها لتشديد شروطها أو تقليص دورها. أما على المستوى الداخلي، فقد تُسوّق الحكومة الإسرائيلية العملية كدليل على قدرتها على ملاحقة قادة حماس حتى في الخارج. وعلى المستوى الإقليمي، فإن اختيار الدوحة يوصل رسالة واضحة إلى خصوم إسرائيل بأن يدها طويلة ولا تعرف خطوطًا حمراء وهو ما يشير إليه دوماً نتنياهو.

الأدبيات الخاصة بالحروب النفسية، تذكّرنا بأن مجرد إظهار القدرة قد يكفي أحيانًا لتحقيق الردع. فحتى الفشل إذا قُدِّم كـمحاولة جريئة يمكن أن يعزز صورة المبادرة ويزرع الخوف واليقين بعدم الأمان لدى الخصم. لكن الوجه الآخر للفشل بدا حاضرًا بوضوح: نجاة قادة حماس عززت صورة حماس كحركة صامدة، فيما وُجهت انتقادات دولية للعملية بوصفها خرقًا للقانون الدولي، وتحول المستهدفون إلى رموز نجاة بدلًا من خسارة شرعيتهم، بينما باتت قناة الوساطة أكثر هشاشة.

وهنا يطفو تساؤل آخر لا يقل أهمية: واشنطن نفسها كانت على علم مسبق بالعملية. فهل اكتفت بمراقبتها عن بعد، أم أنها تواطأت ضمنيًا بترك الفشل يحدث؟ بل هل ذهبت أبعد من ذلك، فسربت إشارات للدوحة لتفادي نجاح الضربة حفاظًا على دورها كوسيط أساسي في مفاوضات غزة؟ وإذا صح هذا الاحتمال، فهل كان فشل العملية انعكاسًا لصراع أعمق بين حسابات تل أبيب وحسابات واشنطن في إدارة الحرب ومسارات التهدئة؟ سؤال يبقى مفتوحًا أمام مزيد من التدقيق والتحليل.

تداعيات هذه العملية تنعكس مباشرة على غزة. فمن منظور واقعي قد تسعى إسرائيل إلى تصعيد عسكري لتعويض الفشل وإعادة تثبيت الردع. لكن من منظور نقدي، فإن الفشل ذاته قد يمنح حماس مزيدًا من الشرعية، ويجعل الحرب أكثر طولًا وكلفة. والنتيجة الأرجح أن المعركة ستستمر بحدة متوسطة ووتيرة أطول، حيث يتصلّب كل طرف أكثر بدلًا من أن يقترب من التسوية، وهو ما يثير تساؤلاتجدية حول الهدف الحقيقي من عملية الدوحة.

إن ما جرى في الدوحة ليس حادثًا عابرًا، بل لحظة تكثّف فيها التلاقي بين السلاح والرمزية والسياسة. والقراءة الاستشرافية تشير إلى أن هذا الفشل لن يكون النهاية، بل قد يصبح بداية مرحلة أكثر تعقيدًا في الحرب على غزة، حيث تتحول كل ضربة أو محاولة اغتيال إلى أداة تفاوض بقدر ما هي أداة قتال، وحيث يصبح معنى الرسالة أهم أحيانًا من دقة الإصابة.

شاركها.