“طوفان الأقصى”..هل كان عملا محسوباً وواعياً فعلاً؟
21 أغسطس 2024آخر تحديث :
“طوفان الأقصى”..هل كان عملا محسوباً وواعياً فعلاً؟
– الكاتب: باسم برهوم – ونحن نقترب من الشهر الحادي عشر من حرب الإبادة، وبعد كل ما لحق بقطاع غزة من دمار وإبادة راح ضحيتها اكثر من 200 الف انسان فلسطيني بيت شهيد وجريح ومعاق، إلى جانب اكثر من 20 الف أسير، بعد كل ذاك، البعض لا يزال يتجاهل السؤال الأساسي هل من خطط ليوم السابع من تشرين اول/ أكتوبر الماضي كان يريد كل ما جرى؟ ثم السؤال الثاني، والذي معه يمكن ان نغمض أعيننا عن حجم الخسائر المرعب، ونسأل هل حقق “طوفان الأقصى” شيئا من اهدافه على الصعيد الوطني؟ هل توقفت الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى؟ هل تم تبييض معتقلات الاحتلال من أسرانا؟ والاهم هل توقف المشروع الصهيوني عن التوسع والاستيطان والتهويد ام انه اكثر توحشا في التوسع والتهويد، نرى الضفة خلال “الطوفان”، يزداد تمزيقها والاستيلاء على عشرات آلاف ان لم يكن مئات الآلاف من الدونمات واليوم نتفاوض كي تنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة؟
صحيح ان الحرب لم تنته وبالتالي ليس من السليم ان نخرج باستنتاجات نهائية. بالرغم ان الواقع يتحدث عن نفسه، ولكن ان تصر بعض النخب على ما لا تصر عليه، حتى حماس نفسها لا تصر عليه للتبرع والقول ان “الطوفان” كان ردة فعل واعية ومدروسة ومحسوبة، فهذا نوع من التضليل المريع بل المدمر، لا يمكن ان يكون قولا بريئا وإنما مدفوع الأجر. وهو دليل على مدى الخراب الذي اصاب نخبنا وجزء غير قليل من طبقتنا السياسية. وربما هذا يعيدنا الى تاريخ طويل من إرتهان بعض النخب الفلسطينية، وحتى بعض الفصائل، اما للممولين او لأنظمة، وفي كل الأحوال فإن انعكاس ذلك كان سلبيا جدا على الوعي الوطني الفلسطيني، وعلى القضية الفلسطينية التي تمت المتاجرة بها حتى اصبحت كالثوب من الصعب رتقه.
قد يقول هؤلاء إن غالبية الجمهور الفلسطيني يرى الامور كذلك، ولكن من قال ان غالبية الجمهور دائما على حق، خصوصا ان حجم العبث في الوعي الفسطيني كان وعلى امتداد عقود كبيرا ومركزا. هل كانت غالبية الجمهور الفلسطيني على حق عندما اعتقد ان الاحزاب والانظمة القومية العربية ستحرر له فلسطين، وخاصة عندما اندفع جمال عبد الناصر نحو حرب حزيران / يونيو 1967؟ والامثلة كثيرة على ذلك.
الشعب الفلسطيني يبحث عن أي فعل قد يمنحه املا، وهذا يمكن فهمه، لكنه بحد ذاته تحول إلى مادة للاستخدام، لطالما قامت أطراف بعمل كان مردوده غاية في السلبية على القضية الفلسطينية، ولكن عند وقوعه كان الكثيرون منا يعتقدون انه عمل سيقربنا اكثر من الحرية، وما ان ينتهي نكتشف ان إعتقادنا كان خاطئا وان قضيتنا اصبحت في واقع أصعب.
اقرأي أيضاً| هل باتت إزاحة حماس سياسيا عن المشهد ضرورة وطنية عليا
المشكلة في كل ذلك ان المضللين والمطبلين كانوا دائما يفلتون من المحاسبة، وهم واثقون انهم سيفلتون هذه المرة ايضا، فلماذا اذًا لا نركب الموجة مرة تلو الاخرى ونعتمد على ان ذاكرة الجمهور قصيرة. والمشكلة الاكثر استعصاءا، ان كل الواقع امام أعيننا ومع ذلك ننجذب اكثر للمضللين والعابثين بوعينا ومواقفنا، لأننا نبحث عن اوهام، والبشر بطبيعتهم يرغبون بالوهم لانه افضل طريقة للهروب من الواقع.
نحن نتحدث عن تجار محترفين خبرتهم تمتد لعقود طويلة، وهكذا الأمر بالنسبة إلى من يمولهم، فهو ايضا يعرف بالضبط دوره في تخريب الوعي الوطني الفلسطيني، وهناك مقاولون، هم حلقة الوصل بين التجار الصغار المحترفين، وبين الدول والجهات الممولة، والحلقة التي قد لا يلمسها المواطن العادي، لأنهم بارعون في بيع الشعارات والمزايدات والاوهام. انهم في نهاية الأمر من يخدمون فعلا، أي من هو خلف الممول، قد تبدو معركتنا صعبة مع هؤلاء التجار والمقاولين والممولين، فهم بلا شك شبكة قوية ومترامية الاطراف ولديها المال الكثير وقوة التأثير، ولكن اذا ادركنا إلى اين تمد جذور هؤلاء واين المنبع الأساسي لهم جميعا يصبح الأمر أسهل للفهم أهدافهم الحقيقية ومواجهتها.
في أوروبا، خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كانت أجهزة المخابرات الغربية تدعم قوى يسارية متطرفة وقوى “ثورية ” متطرفة تمارس المزايدات بحدها الأقصى، كل ذلك كي يتم افشال فوز القوى اليسارية الحقيقية في الانتخابات. وحتى في تجارب الكثير من حركات التحرر. كانت هناك فصائل اكثر تطرفا، ممارساتها كانت في الغالب يتم استغلالها لتبرير تدمير مقدرات الثورات والشعوب، والثورة الفلسطينية من ضمنها، فكثيرا ما كان يتم استغلال عمليات المتطرفين في الساحة الفلسطينية لإلصاق تهمة الارهاب بالشعب الفلسطيني. ليسهل الانقضاض عليه وتبرير تدمير مقدراته.
ربما هذا المقال لن يلقى تأييدا من قطاعات كبيرة، لكنه محاولة غير مألوفة لتنشيط العقل الوطني والتميز بين ما يصب في المصلحة الوطنية او ما يصب بمصلحة الجهات الإقليمية والدولية الاخرى. والمقال يستهدف ظاهرة لا أشخاصا بعينهم. بالرغم ان المقولات ينطقها أشخاص قد نعرفهم عن قرب.