أظهر تسجيل مصوّر من مدينة غزة لحظة مأساوية لفتاة صغيرة تحاول الفرار من ألسنة اللهب التي التهمت مبنىً سكنيًا بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت مدرسة تحولت إلى ملجأ، وأسفرت عن استشهاد العشرات، بينهم والدتها وأشقاؤها، في مشهد أثار غضبًا دوليًا ودعوات فورية لوقف إطلاق النار.

وأكدت مصادر طبية في غزة استشهاد 36 فلسطينيًا نتيجة قصف الاحتلال لمدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج، بينهم 18 طفلًا، وفق ما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود البصل إن “المدرسة كان من المفترض أن تكون ملاذًا آمنًا لكنها تحولت إلى جحيم وسمعنا صرخات استغاثة من أناس كانوا أحياء داخل الحريق لكن النيران كانت كثيفة جدًا ولم نستطع الوصول إليهم”.

وأظهر الفيديو طفلة تُدعى ورد الشيخ خليل (7 أعوام) وهي تحاول النجاة من الحريق. وقال المسعف حسين محيسن لصحيفة The National إن “الطفلة كانت على وشك الموت، وعندما أخرجناها كانت في حالة صدمة، صامتة، مرتجفة، لا تدرك ما حدث ولم نستطع إخبارها أن عائلتها كلها قد استُشهدت في القصف”.

وأضاف محيسن أن “والدها فقط هو من نجا لكنه في حالة حرجة”، مؤكدًا أن “احتضان طفلة فقدت كل شيء ولا تعرف بعد هو نوع من الألم لا يمكن تفسيره”.

واعترف جيش الاحتلال بالمسؤولية عن القصف وقال إنه استهدف “مركز قيادة وتحكم لحركتي حماس والجهاد الإسلامي”، دون تقديم أي دليل.

وفي مدينة جباليا شمال غزة، استُشهد 19 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال، في غارة فجرية استهدفت منزل عائلة عبد ربه. وقال مسعفون إن عمليات البحث لا تزال مستمرة، حيث يجري انتشال جثث متفحمة ومشوّهة من تحت الركام.

وقال مؤمن عبد ربه الذي هرع إلى الموقع إن “الانفجار كان مفاجئًا، المنزل سُوِّي بالأرض، وسيارات الإسعاف بالكاد وصلت، ولا تزال هناك جثث تحت الأنقاض”، مضيفًا أن “القصف استمر في المنطقة، والطائرات المسيّرة كانت تحوم فوق رؤوسنا ونحن نحاول إنقاذ من تبقى”.

وأشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن أكثر من 2,200 عائلة فلسطينية تم القضاء عليها بالكامل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أن “ما نقوم به في غزة هو حرب إبادة، قتل عشوائي ووحشي وإجرامي للمدنيين، وهذا ليس نتيجة فقدان سيطرة أو تجاوز بل سياسة ممنهجة تقررها الحكومة الإسرائيلية بوعي وقصد وخبث وتهور”.

إلى ذلك، ندد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) باستشهاد اثنين من موظفي الصليب الأحمر في قصف استهدف منزلهما في خان يونس، هما إبراهيم عيد وأحمد أبو هلال. وتساءل المدير التنفيذي للمجلس نهاد عوض: “كم من الأطفال والنساء والصحافيين والمسعفين يجب أن يستشهدوا حتى يُرغم نتنياهو على قبول وقف دائم لإطلاق النار؟ وكل ساعة تمر تضيف عارًا جديدًا على تاريخ أمتنا والعالم”، ووفقاً لمنصة “كومن دريمز”.

في الوقت نفسه، نفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون حركة حماس قد وافقت على مبادرة وساطة تضمنت وقفًا لإطلاق النار مدته 70 يومًا مقابل إطلاق 10 رهائن، رغم إعلان المبعوث الخاص ستيف ويتكوف لقناة CNN أن “الاتفاق مطروح على الطاولة وأن إسرائيل ستوافق عليه”، ثم تراجع لاحقًا عن تصريحه، مبررًا ذلك برد غير مقبول من حماس.

وقال نتنياهو، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب من بينها الإبادة والتجويع القسري، إنه “يأمل في إعلان تقدم قريب في ملف الرهائن، وإن لم ننجح خلال أيام فسوف ننجح لاحقًا”.

ويواصل جيش الاحتلال تنفيذ ما يُسمى “عملية مركبات جدعون” بهدف احتلال غزة وإفراغها من سكانها لإعادة توطين يهود في القطاع.

واستُشهد تسعة من أبناء الطبيبين حمدي وعلاء النجار في خان يونس إثر قصف منزلهم الجمعة، فيما أكد أولمرت أن ما يجري هو “نتيجة مباشرة لسياسة رسمية، لا لحادث عارض أو خطأ فردي”.

ورغم فتح الاحتلال معابر محدودة، أعلنت مصادر رسمية أن أقل من 100 شاحنة من أصل 46,200 دخلت غزة خلال 84 يومًا، وسط تحذيرات من مجاعة تهدد مئات الأطفال وكبار السن الذين بدأوا فعلًا بالاستشهاد بسبب الجوع.

وقالت حركة حماس إن “الاحتلال يُدير جريمة تجويع جماعية ويستخدم المساعدات كغطاء لمشاريع مرفوضة دوليًا لغياب الشفافية والمعايير الإنسانية”.

وقد استقال جيك وود، المدير التنفيذي للجهة المكلفة أمريكيًا وإسرائيليًا بتوزيع المساعدات في غزة، وقال إن المهمة أصبحت تخالف المبادئ الإنسانية الأساسية.

وتدرس محكمة العدل الدولية دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مستندة إلى الحصار الكامل كدليل على نية الإبادة.

ووفق وزارة الصحة في غزة، فإن أكثر من 190,000 فلسطينيًا استُشهدوا أو أُصيبوا منذ بدء العدوان على غزة قبل 598 يومًا، بينهم 14,000 مفقود يُعتقد أنهم تحت الأنقاض، بينما أشارت دراسة علمية منشورة في The Lancet إلى أن الأرقام الرسمية قد تكون أقل بنسبة 41% من الواقع.

شاركها.