صحيفة عبرية: هل بدأت “إسرائيل” تفقد نفوذها الإقليمي؟
هآرتس- بقلم تسفي برئيل االمحادثة الهاتفية التي تقطر عسلاً بين الوزيرة ميري ريغف وسفير الإمارات في إسرائيل محمد آل خاجة، بعد أن أوضحت -بسخرية بالطبع- أنها لا تحب دبي ولا تنوي زيارتها، هذه المحادثة لم تؤثر على بلاط رئيس الإمارات محمد بن زايد. لم يخرج أي بيان رسمي من فم محمد بن زايد أو من فم المتحدثين باسمه بأن الحدث انتهى وأن المحبة عادت إلى سابق عهدها. الشبكات الاجتماعية في الإمارات امتلأت باقتباسات من أقوال ريغف المهينة؛ ورجال أعمال من الإمارات سعوا إلى الاستيضاح لدى نظرائهم ماذا يحدث في إسرائيل، وإذا كان هنا خوف من مواصلة العلاقات بين الدولتين.
لم يصدر أي نفي للتقارير بأن أبو ظبي قد قررت تجميد صفقات أمنية مع إسرائيل. ولا يخفي بن زايد غضبه منذ فترة من سلوك حكومة إسرائيل. وكبادرة تحد، أمر بتحويل 3 ملايين دولار للعائلات المتضررة من المذبحة في حوارة. وفي الوقت نفسه، أجرى محادثات هاتفية مع البيت الأبيض ومع زملائه من القادة في الأردن ومصر والسعودية بخصوص ما يمكن فعله أمام حكومة نتنياهو. الإمارات التي وقعت على اتفاق تجارة حرة مع إسرائيل تخاف في هذه الأثناء بالأساس من التأثير الاقتصادي المتوقع أن يكون للقوانين الجديدة على استقرار العلاقات التجارية بين الدولتين، التي تبلغ الآن 2 مليار دولار تقريباً. “إذا خشي مستثمرون من عقد صفقات في إسرائيل، فإن إنجازات اتفاقات إبراهيم ربما تختفي”، حذر رجال أعمال إماراتيون زاروا إسرائيل مؤخراً. “ستكون الخسائر كلها من نصيب إسرائيل. فالإمارات لديها ما يكفي من الأماكن في العالم لتستثمر فيها المليارات”.
شخصيات في إسرائيل لا تخشى في هذه الأثناء من المس باتفاقات إبراهيم، لكنها تعترف بأن أبو ظبي، التي بررت اتفاق السلام مع إسرائيل بمنع الضم في الضفة، أصبحت هي التي تقدم الحماية السياسية الأساسية للفلسطينيين. فقد سبق لها وبادرت إلى تقديم مشاريع قوانين في مجلس الأمن مع الفلسطينيين تطالب بإدانة إسرائيل.
حتى قبل تقديم مشاريع القرارات، خلال أشهر كثيرة، حاولت جهات رفيعة في الإمارات إقناع نتنياهو بتهدئة المنطقة لأن كل تطور عنيف قد ينزلق إلى مصر والأردن. إضافة إلى ذلك، فالمطلوب من الإمارات هو تمثيل الأردن الذي صدم من أقوال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في باريس عندما قال بأنه لا يوجد شعب فلسطيني على خلفية خارطة أرض إسرائيل الكاملة التي تشمل الضفة والأردن. استدعى الأردن السفير الإسرائيلي ايتان سوركس، لمحادثة توبيخ وبث إدانة شديدة. سوركس الذي يعرف الأردن جيداً، حتى منذ كان نائب السفير والمسؤول عن موضوع المياه، بدأ يتعود على محادثات الاستيضاح والتوبيخ. آخر محادثة كانت في كانون الثاني، حيث منعت قوات حرس الحدود في حينه دخول السفير الأردني إلى إسرائيل، غسان المجالي، إلى منطقة الحرم. محادثات مستعجلة بين القدس وعمان أدت إلى تسوية هذا الأمر، لكن ليس لفترة طويلة.
في هذا الأسبوع، كتب محمد أبو طير، وهو من كبار الصحافيين في الأردن والمحرر السياسي السابق لصحيفة “الدستور”، مقالاً لاذعاً في موقع “الرد” الأردني، قال فيه: “علينا شكر المتطرفين في إسرائيل الذين يقولون الحقيقة التي تختفي وراء المشروع الإسرائيلي، وهي التنكيل بالفلسطينيين، ومشكلات الاحتلال، وقوة الأردن الذي تساعده مكانته الدولية في الوقوف أمام طموحات إسرائيل. من غير المعقول أن نكون موقعين على اتفاق سلام مع جهة تحلم باحتلال أراضينا… محظور علينا مواصلة الاستناد إلى الغاز والمياه التي تسرقها إسرائيل من الفلسطينيين (وتبيعها للأردن)، يجب عدم مواصلة التجارة والتنسيق الأمني والمهني، ويجب عدم الاكتفاء بإعادة سفيرنا أو طرد السفير الإسرائيلي”.
التصويت الذي جرى في البرلمان الأردني أول أمس، والذي طالب بطرد السفير الإسرائيلي هو في الحقيقة ليس سوى تصويت إعلاني، ويذكر بدعوات مشابهة سمعت سابقاً، لكنها تدل على المناخ الصعب السائد في المملكة والذي أحسن وصفه محمد الدودية، الذي شغل أكثر من مرة منصب وزير في حكومات الأردن ومحسوب على النخبة السياسية في الدولة. في مقال نشره في هذا الأسبوع كتب: “نقف أمام واقع إسرائيلي جديد، عدائي وغبي وبربري، واقع يتطلب إقامة جبهة أردنية مصممة أكثر تدعم الملك الذي وجد نفسه في المعركة السياسية والإعلامية والدبلوماسية الأكبر من أجل أمن ومصالح الدولة والشعب الفلسطيني”.
العلاقات بين إسرائيل والأردن، والإمارات ومصر هي الدعامة الأساسية لاتفاقات إبراهيم ولقبول إسرائيل في الشرق الأوسط. وثمة دول عربية أخرى وقعت على الاتفاقات مع إسرائيل، المغرب والبحرين والسودان، تعدّ هي أيضاً في مكانة التوابع، وأهميتها بالأساس اقتصادية. ولكنها تعمل حسب سياسة الدول الثلاث المهمة التي تقيم مع إسرائيل تعاوناً عسكرياً واستخبارياً وسياسياً.
تركيا أيضاً انضمت إلى إدانة ما جاء به سموتريتش، وتكمن أهمية الإدانة في أنها دولة محور تربط بين السعودية والإمارات، التي استأنفت العلاقات معها، وبين روسيا وإيران. العلاقات العسكرية مع مصر وثيقة ومتناسقة. والتنسيق الأمني مع الأردن، رغم الغضب، يواصل وجوده كالعادة. مؤخراً، أجرت مصر محادثات مكثفة مع وفود لحماس وللجهاد الإسلامي من أجل التوصل إلى تفاهمات حول التهدئة في شهر رمضان. تجري مصر حواراً مع إسرائيل أمام المستوى العسكري والاستخباراتي، اللذين يشكلان الآن القاعدة الأساسية للتنسيق بين الدول بسبب عدم اليقين وغياب الثقة بالمستوى السياسي في إسرائيل.
ولكن الجانب المصري قلق من تحطم اتفاقات جديدة حول تسهيلات بمناسبة شهر رمضان، إلى جانب الاتفاقات التي تم التوصل إليها في السابق بصورة غير مباشرة مع حماس، خصوصاً بعد سيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية، وسيطرة بن غفير على نشاطات حرس الحدود والشرطة في الضفة الغربية وشرقي القدس.
“مجال تأثير مصر على التنظيمات الفلسطينية يرتبط بدرجة سيطرة نتنياهو على هؤلاء الوزراء”، قال للصحيفة مصدر عسكري رفيع مقرب من المحادثات مع مصر. “يكفي أن يزور وزير أو عضو كنيست الحرم في شهر رمضان كي يطلق صاروخ من غزة، وبعد ذلك يفتح باب جهنم. ليس للجيش الإسرائيلي سيطرة على الحرم، والشرطة وحرس الحدود يخضعان الآن مباشرة لبن غفير. لا أحد يثق بأن نتنياهو يمكنه منعهم من التطاول. المصالح الاستراتيجية المشتركة بين إسرائيل ومصر، مثل تسويق الغاز وحماية الحدود بين سيناء وغزة والاعتماد المشترك على الولايات المتحدة، كل ذلك يأتي ضمن الأوقات العادية بتنسيق العمل الأمني. ولكن المصريين مثلنا، يشعرون بأننا نقف أمام واقع جديد”.
هذا الواقع الجديد لا يرتبط فقط بسياسة حكومة إسرائيل، بل أصبح ينتج عنه تطورات دراماتيكية تمر من تحت الرادار الإسرائيلي بدون أي رد أو إعداد. آخرها تقرير صدر أمس عن قرار السعودية وسوريا استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. قبل أسبوع، نشر هنا عن وجود مثل هذه النية ظهرت في أقوال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. حسب قوله “يجب إجراء حوار مع سوريا لمعالجة مشكلة اللاجئين والمشكلة الإنسانية. وهو حوار ربما يقود في نهاية الأمر إلى عودة سوريا للجامعة العربية”.
توقعت إسرائيل أن تسمع السعودية أقوالاً بهذه الروحية تجاهها. وبدلاً من ذلك، فاجأت إسرائيل بقرارها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وبذلك تحطيم أسس التحالف العربي ضد إيران. في هذا الأسبوع دعا سلمان، ملك السعودية، الرئيس الإيراني لزيارة المملكة. يتوقع فتح السفارات بعد بضعة أسابيع، ويتوقع استئناف الصفقات التجارية والتعاون التي جمدت في 2016. للإمارات الآن سفارة في طهران. أما البحرين، الدولة الأكثر قطيعة مع إيران، فتجري هي الأخرى مفاوضات بمساعدة سلطنة عمان لاستئناف العلاقات. تستثمر إيران الجهود لإقامة العلاقات مع مصر التي قطعت عقب اتفاق كامب ديفيد.
الشرعية الإقليمية التي تحظى بها إيران وسوريا لم تولد تحت المظلة الأمريكية. والصين كانت العراب الوسيط التي أحدثت هذه الانعطافة في العقد الأخير. هل سيتم بعد ذلك تقييد قدرة إسرائيل على مهاجمة سوريا؟ هل ستتحول المعركة ضد إيران، التي انسحب منها الحلفاء العرب وبدون دعم أمريكي، إلى شعار فارغ؟ الخطوات الجديدة تجعل التوقعات لا لزوم لها.
في موازاة ذلك، تقف العلاقات بين مصر وتركيا على شفا الاستئناف بعد أن زار وزير الخارجية التركي السبت الماضي مصر للمرة الأولى منذ العام 2013. ربما تكون لهذا التطور تداعيات على منظومة تسويق الغاز التي تشارك فيها إسرائيل ومصر واليونان وقبرص والإمارات. ربما تحقق تركيا طموحاتها في أن تكون مركزاً إقليمياً لتسويق الغاز إلى أوروبا، حيث إنها تواصل في هذه الأثناء تسويق الغاز الروسي رغم العقوبات التي فرضت على روسيا.
في نسيج العلاقات هذا، لإسرائيل مصلحة في عدم تجاوزها أو عقد تحالفات بدون معرفتها. يبدو أن إسرائيل لن تفقد السيطرة فقط على توجيه مسار الأمور، بل لا يوجد من يعنى ويحلل ويتخذ القرارات في القدس. البرودة التي تأتي من البيت الأبيض تشير إلى أن إسرائيل ستظل متفرجة من بعيد على الحفل الذي لم تدعَ إليه عندما تفتقر إلى القوة السياسية من أجل التأثير والتدخل، خصوصاً عندما تكون بحاجة إلى أي رافعة تضمن أمنها.