في قلب الحرب الأوكرانية، عاد إلى الواجهة اسمٌ يثير الرعب في العواصم الغربية ويُحتفى به في موسكو كرمزٍ للقوة: الصاروخ الروسي 9M729. سلاحٌ وُلد من رحم الحرب الباردة، ظلّ سرًّا لسنوات، قبل أن يدفع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب عام 2019 إلى تمزيق “معاهدة القوى النووية متوسطة المدى” مع روسيا، بعدما اتّهمها بتصنيع صاروخٍ يتجاوز المدى المسموح به.
واليوم، بعد خمس سنوات من الانسحاب الأمريكي، تسقط الأقنعة. فقد أعلن وزير الخارجية الأوكراني أن موسكو أطلقت هذا الصاروخ 23 مرة منذ أغسطس الماضي، وأن بعضها قطع أكثر من 1200 كيلومتر داخل الأراضي الأوكرانية. سلاحٌ قادر على حمل رؤوسٍ تقليدية أو نووية، ويصل مداه إلى 2500 كيلومتر، ما يجعله أداة ردعٍ وابتزازٍ في آنٍ واحد.
في الكرملين، يلوّح فلاديمير بوتين بالصاروخ كرمزٍ للتفوّق، فيما ترتجف أوروبا من عودة سباق التسلّح إلى حدودها. فالصاروخ الذي وُصف يومًا بأنه “خطر على الأمن العالمي”، عاد ليعلن بداية حربٍ باردةٍ جديدة بصوتٍ مدوٍّ يعلو فوق كل اتفاقيات الردع القديمة.
أما المفارقة الموجعة، فهي أن أوكرانيا نفسها تؤيّد اليوم مقترحات ترامب للسلام، فيما تضرب أراضيها الصواريخ التي كانت السبب في انسحاب واشنطن من المعاهدة. هكذا تدور اللعبة الدولية: سلاح روسي يختبر صبر الغرب، وسلام أمريكي يُختبر بالنار. والعالم يترقّب فصلاً جديدًا من جنون القوة.
