في طوابير المساعدات، وقفوا ينتظرون لقمة العيش، حلمهم كان كيس طحين يسدّ رمقهم. ليسوا مقاتلين، بل جائعين، ولسان حالهم يقول: “ما أهون الموت إذا كان العيش مرًّا.” لكن، في يومٍ عادي، لم يكن الموت مفاجئًا، بل كان رفيقًا في رحلة انتظار طعام لا يأتي. غزة، التي لا تقتصر معاناتها على الحروب والمجازر العسكرية، أصبحت اليوم ساحة لمعركة أخرى: معركة البقاء.
في اليوم الـ93 من حرب الإبادة، تحولت طوابير المساعدات في خان يونس، رفح، دير البلح، وغزة المدينة إلى طوابير موت. أكثر من 93 شهيدًا في ساعات قليلة، سقطوا على الأرض وهم يرفعون أيديهم إلى السماء، ليس خوفًا، بل رجاءً في كيس طحين، لا أكثر. الأطفال، الأمهات، الشيوخ والشباب، كلهم كانوا يقاومون الجوع في حرب لم يكن لهم فيها أي ذنب سوى أنهم ولدوا في أرض تحت الاحتلال.
كانت سيارات الإسعاف، التي لا تكاد تكتفي بالعدد المتزايد من الجرحى، تغادر في رحلات متتالية لنقل الأشلاء، لا الأجساد الكاملة. والمستشفيات، التي أصبحت عاجزة عن التعامل مع هذا الكم الهائل من الضحايا، لم تعد مكانًا للشفاء، بل أصبحت مراكز استقبال للموت.
إسرائيل، لم تكتفِ بقتل الحالمين بلقمة العيش، بل أعلنت عبر مسؤوليها أن التهجير مستمر، وأن القصف سيتصاعد. أما التفاوض؟ فهو مجمّد، بينما تتواصل المذبحة اليومية على الأرض.
العالم، الذي يرى ويسمع، لا يزال صامتًا. لا يتوقف عن إدعاء الحياد، بينما غزة تغرق في بحر من الدماء والجوع. وكلما ازدادت شواهد القبور، ازدادت المخيمات فقرًا، والمدارس تحولت إلى مقابر جماعية.
غزة، لا تطلب أكثر من قوت يومها، لكن الموت يلاحقها أينما ذهبت.