تسعى سوريا إلى تحقيق توازن دقيق بين الوجود العسكري الروسي والتركي على أراضيها، وذلك بهدف الوصول إلى اتفاق أمني مع إسرائيل. هذا التطور يأتي في ظل مفاوضات مكثفة تتوسط فيها أطراف إقليمية ودولية، ويثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في المنطقة. وتأمل دمشق أن يساعد هذا التوازن في تعزيز موقفها التفاوضي مع تل أبيب.
وتشير مصادر إلى أن هذه الجهود تتزامن مع محادثات إسرائيلية أمريكية حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا، مما يعكس أهمية الدور الروسي في هذه العملية. يأتي هذا في وقت تشهد فيه سوريا تعقيدات جيوسياسية كبيرة، وتتداخل فيها مصالح عدة دول.
جهود تحقيق التوازن بين روسيا وتركيا وإسرائيل
تعتبر سوريا أن الانتشار الروسي في جنوب البلاد، خاصة بالقرب من هضبة الجولان، يمثل ورقة ضغط مهمة في المفاوضات مع إسرائيل. وتسعى دمشق إلى استغلال هذا الوجود لضمان تحقيق أهدافها الأمنية.
وبحسب مصادر سورية مقربة من الرئيس أحمد الشرع، فقد حققت المحادثات مع إسرائيل تقدماً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة، مع ترقب توقيع اتفاق أمني قريبًا. يُعزى هذا التقدم إلى جهود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لعب دورًا في تسهيل التواصل بين الطرفين.
المفاوضات السرية والوساطة الأمريكية
من المتوقع أن يتم توقيع الاتفاق، الذي قد يتضمن ملحقًا دبلوماسيًا، خلال اجتماع سوري – إسرائيلي رفيع المستوى في دولة أوروبية. لا يستبعد المصدر السوري احتمال عقد اجتماع مباشر بين الشرع ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتوقيع الاتفاق.
في سياق متصل، صرح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الشهر الماضي، بأن دمشق تتوقع التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل بحلول نهاية العام، استنادًا إلى اتفاقية الهدنة لعام 1974 مع بعض التعديلات الطفيفة، وبدون إنشاء مناطق عازلة. هذا التصريح يعكس التفاؤل الحذر الذي يسود الأوساط السورية بشأن إمكانية تحقيق هذا الهدف.
الوضع في الجولان يمثل نقطة خلاف رئيسية بين الطرفين. ترفض إسرائيل مطلب سوريا بانسحاب إسرائيلي كامل من جميع المواقع التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في سوريا بعد الحرب الأهلية.
وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي قد يوافق على الانسحاب من بعض المواقع التسعة التي يسيطر عليها حاليًا في الأراضي السورية، مقابل اتفاق سلام شامل مع سوريا، وليس مجرد اتفاق أمني. هذا الموقف يعكس رغبة إسرائيل في الحصول على ضمانات أمنية طويلة الأمد.
العلاقات التركية السورية تشكل تحديًا إضافيًا في هذا السياق. تعتبر سوريا الوجود التركي في شمال البلاد تهديدًا لسيادتها ووحدة أراضيها. تسعى دمشق إلى إيجاد حل لهذه القضية من خلال الحوار مع تركيا، بدعم من روسيا.
الوضع الإقليمي يلعب دورًا حاسمًا في هذه التطورات. تتأثر المفاوضات بين سوريا وإسرائيل بالتوترات الإقليمية، وخاصة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أن تدخل الأطراف الخارجية، مثل إيران، يمكن أن يعقد عملية التوصل إلى اتفاق.
في المجمل، تعكس هذه الجهود السورية محاولة لاستعادة السيطرة على أراضيها، وتحسين علاقاتها مع الدول الإقليمية والدولية. الاتفاق الأمني مع إسرائيل يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ولكنه يواجه تحديات كبيرة.
من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع القادمة مزيدًا من المفاوضات المكثفة بين سوريا وإسرائيل، بمشاركة الأطراف المعنية. يبقى التوصل إلى اتفاق نهائي أمرًا غير مؤكد، ويتوقف على مدى قدرة الأطراف على التغلب على الخلافات القائمة. يجب مراقبة التطورات على الأرض، وخاصة في منطقة الجولان، لتقييم فرص نجاح هذه الجهود.
