رفح.. بوابة قطاع غزة نحو العالم أصبحت خرابا وركاما

لم تعد رفح المدينة الجميلة المطلة ببواباتها على العالم الخارجي من خلال معبرها الذي لا بد لأي مغادر أو قادم إلى قطاع غزة أن يمر من خلاله كما كانت، فآلة الخراب والحرب الإسرائيلية هدمت ودمرت كل جميل فيها، فقصفت المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد، وجرفت الشوارع والمزارع والحقول وقلبتها رأسًا على عقب، ولا تزال تعيث فيها الخراب والدمار وتحرم المواطنين من الوصول إليها والحركة فيها بحرية، رغم مضي أكثر من شهر على “اتفاق وقف إطلاق النار”.
على مدار أيام الحرب على قطاع غزة، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عشرات المنازل في رفح، ومنذ أن اجتاحتها برًا في شهر أيار/ مايو العام الفائت، مسحت آليات الاحتلال وطائراته الحربية جنة الجنوب وحولتها إلى جحيم ومدينة أشباح كما فعلت في غزة وخان يونس وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. وكان آخر عدوانها على المدينة هدم ستة منازل لعائلة قشطة بالقرب من “الكراج الشرقي” وسط المدينة، إضافة إلى قتل العديد من المواطنين.
المواطن محمود زعرب يقول لـ”وفا”: “انتظرنا الإعلان عن وقف إطلاق النار الشهر المنصرم على أحر من الجمر، وذهبنا إلى مدينتنا رفح وليتنا لم نرَ ما حدث فيها، فقد تغيرت معالمها ولم نعد نميز شوارعها وبيوتها من هول ما جرى، فعوامل التعرية الحربية غيرت خارطتها وصقلت وجه الاحتلال القبيح بديلًا لجمال رفح الذي يعرفه كل أحرار العالم”.
ويضيف: “أصبحت كل الشوارع والطرقات والمنازل متشابهة فالدمار طالها جميعها، والعائد إلى رفح إن لم يكن خبيرًا بجغرافيتها فإنه حتما سيضيع في دمارها ولن يصل إلى مراده، ورغم ذلك كله سنتشبث في أرضنا أكثر من ذي قبل ولن نغادر أو نهاجر رغم الدمار والحصار الضيق الذي نعيشه”.
بينما يقول المواطن سالم عويضة إن “أحياء رفح وأسواقها وشوارعها اقتلعتها أنياب الجرافات الإسرائيلية وغيرت معالمها، فلم يعد في رفح أسواق ولا متنزهات ولا طرقات، ولم تعد تصلح للحياة بعد أن كانت تحتضن أكثر من مليون نازح خلال أشهر الحرب الستة الأولى، إلا أنها أصبحت الآن أقل ما يقال عنها مدينة أشباح”.
ويضيف: “رغم احتضانها الناس واكتظاظها بالمارة والباعة والنازحين، أصبحت مدينة لا يتمالك الواحد دموعه وأعصابه بعد رؤيته لها، فارغة مدمرة حزينة وقد تمزقت أوصالها وتشتت جميع سكانها، حيث توزعوا على مدن القطاع وبلداته، خاصة خان يونس ومواصيها التي كانت الملاذ الآمن والحضن الدافئ لرفح وسكانها بحكم قربهما والتصاقهما ببعضهما البعض”.
ويردف عويضة: “أصبحت رفح مدينة منكوبة، فلم تعد قادرة على استيعاب سكانها المتضررين في ظل غياب حلول إيوائية مستدامة وانعدام سبل الحياة الأساسية”، متمنيًا أن “تلاقي مناشدات أبناء شعبنا آذانا صاغية وسواعد بناءة تقف إلى جانب سكانها وتعمل على دعمها وتشييدها لتنهض من جديد”.
فيما يقول المواطن محمد أبو شرخ، “لم تعد في رفح شبكات مياه ولا صرف صحي ولا كهرباء ولا مقومات حياة، فالناظر إلى المدينة التي صنفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على أنها منطقة إنسانية وطالبت المواطنين بالنزوج إليها بعد وقف إطلاق النار أصبحت أثرًا بعد عين، بعدما دمرتها الحرب وشردت سكانها”.
ويضيف: “كلي أمل بأن عجلة الحياة ستعود تدريجيًا إلى رفح، وسترجع خطوط المياه وستصلح شبكات الصرف الصحي وستُبنى من جديد وأجمل من ذي قبل بسواعد أهلها الذين يأبون أن يفرطوا في مدينتهم ومنازلهم ووطنهم فلسطين، ويرفضون كل مخططات التهجير التي تحاك ضدهم”.
ويوضح أن “الأوضاع الإنسانية في رفح كارثية، حيث يبيت عشرات الآلاف من المواطنين في العراء، وسط ظروف جوية قاسية من أمطار ورياح شديدة زادت معاناتهم واقتلعت الخيام المهترئة التي يحتمون بها، بعد أن نقلوها من أماكن نزوحهم ونصبوها فوق ركام منازلهم”.
ويتابع: “نخشى أن تتنصل إسرائيل من التزاماتها ولا تُدخل البيوت المتنقلة (الكرفانات) والخيام ومواد الإعمار وآلات إزالة الركام، التي أصبح المواطن في غزة يتمنى أن يراها موجودة على الأرض، لتحل أزمة السكن والتشرد في الشوارع”.
ويناشد المواطنون في رفح، المؤسسات الدولية والجهات المعنية ضرورة التدخل الفوري لتوفير 40 ألف خيمة ووحدة إيواء لسكان المدينة، الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى بعد الدمار الهائل الذي لحق بمنازلهم جراء العدوان الإسرائيلي.
وتفيد الأرقام الأولية بأن نحو 90% من الوحدات السكنية في المدينة طالها الدمار، فيما تعرضت حوالي 52 ألف وحدة سكنية للتدمير بنسب متفاوتة.
ورغم دخول “اتفاق وقف إطلاق النار” حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، فإن الاحتلال يواصل عدوانه على قطاع غزة، حيث استُشهد وأصيب العشرات من المواطنين خلال الأسابيع الأخيرة، إضافة إلى التوغل المستمر لدباباته وهدم المزيد من منازل المواطنين وتدمير ممتلكاتهم.
وتشير منظمة “أوكسفام” إلى أن الاحتلال دمّر 1025 ميلاً من شبكات المياه والصرف الصحي، ولم يتبقَّ سوى أقل من 7% من إمدادات المياه في رفح وشمال غزة، مضيفة أن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة، بدأ يتكشف للتو بعد تدمير معظم شبكات المياه والصرف الصحي، ما تسبب في كارثة صحية وطبية خطيرة.
بينما يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير تم إعداده بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن “المبالغ الضرورية للنهوض وإعادة الإعمار على المدى القصير والمتوسط والبعيد في قطاع غزة، تقدر بنحو 53,142 مليار دولار ضمن هذا المبلغ، يقدر التمويل الضروري على المدى القصير للأعوام الثلاثة الأولى بنحو 20,568 مليار دولار بحسب التقديرات الأولية للأمم المتحدة”.
وتكشف تقديرات خبراء أن حوالي 70% من مباني قطاع غزة متضررة أو مدمرة جراء الحرب التي دامت أكثر من 15 شهرًا، فيما تؤكد تقديرات الأمم المتحدة أن ما فقده الاقتصاد في القطاع يحتاج إلى ثلاثة قرون ونصف القرن على الأقل، لتعود مستويات الناتج المحلي الإجمالي إلى الأعوام التي سبقت الحرب.
وتحتل رفح موقعًا إستراتيجيًا مهما لفلسطين وقطاع غزة، وتعد البوابة الجنوبية الأقرب إلى مصر، والمدينة التوأم لرفح المصرية، التي تبعد عنها أقل من كيلومترين، وتمثل الأهمية ذاتها لجمهورية مصر العربية، إذ كانت قبل الاحتلال الإسرائيلي حلقة ربط مهمة بين مصر وفلسطين، والمشرق العربي على وجه العموم، وكان يمر من أراضيها خط السكك الحديدية الواصل بين القاهرة وحيفا الذي تم تدميره بعد عام 1967، وتبعد عن مركز مدينة غزة 35 كيلومترًا، وتبلغ مساحتها حوالي 63 كيلومترًا مربعًا، وتشكل 20% من مساحة القطاع.
ويعد معبر رفح البري شريان الحياة الرئيسي للقطاع، وبوابته إلى العالم الخارجي، وعلى بعد نحو 4 كيلومترات منها يقع معبر كرم أبو سالم حلقة الوصل المهمة بين القطاع والضفة الغربية، فمنه تعبر البضائع والمساعدات الدولية إلى أنحاء القطاع كافة.
ويبلغ عدد سكان محافظة رفح نحو 260 ألف نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان المدينة نحو 191 ألف نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2021، وترجع أصول معظم سكانها إلى بدو النقب وصحراء سيناء ومدينة خان يونس المجاورة، وانضم إليهم بعد النكبة لاجئون كثر من أنحاء مختلفة من أراضي عام 1948.