أثار مشروع قانون يهدف إلى معالجة الأزمة المصرفية في لبنان، والمعروف بـ”قانون استرداد الودائع”، ردود فعل متباينة، حيث أعرب كل من المصارف والمودعين عن رفضهم لمسودته الحالية. يأتي ذلك قبل مناقشة الحكومة اللبنانية للمشروع، المقرر أن تبدأ اليوم الاثنين، تمهيدًا لإرساله إلى البرلمان لإقراره. وتثير هذه الخطوة جدلاً واسعًا حول مستقبل الأموال المجمدة منذ عام 2019 وكيفية استعادتها بشكل عادل ومستدام.
وقد صرحت مصادر مالية بأن مشروع القانون أثار استياءً كبيرًا لدى جمعية المصارف اللبنانية، بينما أعلنت “صرخة المودعين” عن تحرك احتجاجي واسع النطاق، متوقعةً “يوم غضب” للمودعين بالتزامن مع اجتماع مجلس الوزراء. كما سجل “صندوق النقد الدولي” ملاحظات على المسودة، مما يزيد من احتمالات إجراء تعديلات جوهرية عليها قبل إقرارها نهائيًا.
قانون استرداد الودائع: خلافات حول آليات التنفيذ
تهدف الحكومة اللبنانية من خلال هذا القانون إلى وضع إطار قانوني واضح لاسترداد الودائع المصرفية المجمدة، بما يتماشى مع المعايير الأساسية التي يضعها صندوق النقد الدولي. وتشمل هذه المعايير مبدأ تراتبية المطالبات، الذي يضمن أولوية استرداد الودائع الصغيرة والمتوسطة. ومع ذلك، يكمن الخلاف الرئيسي في الآليات المقترحة لتنفيذ هذا القانون.
تتمثل إحدى النقاط الرئيسية في الخلاف في تحميل المصارف وحدها مسؤولية تغطية الفجوة المالية في مصرف لبنان. وترى المصارف، وفقًا لتصريحات من جمعيتها، أن هذا الأمر يشكل “براءة ذمة لكل الجرائم المالية والمخالفات والهدر والفساد” الذي شهدته الدولة اللبنانية على مدى العقود الماضية. كما تخشى المصارف من عدم قدرتها على توفير المبلغ المطلوب لتغطية أول 100 ألف دولار لكل مودع، مما قد يؤدي إلى إفلاسها وتفاقم الأزمة.
اعتراضات المودعين والبرلمان
من جهة أخرى، يعبر المودعون عن رفضهم لأي قانون لا يضمن استعادة كاملة لقيمة ودائعهم. وقد أعلن النائب فريد البستاتي، رئيس لجنة الاقتصاد البرلمانية، عن معارضته للمسودة الحالية، مؤكدًا أنه سيسعى لمنع إقرارها ما لم تُعدل لتصبح “عادلة ومنصفة لجميع المودعين”.
تعتبر “صرخة المودعين” أن القانون المقترح مجحف بحقهم وبحق الاقتصاد اللبناني، مطالبةً بتعديلات جوهرية تضمن عدم اقتطاع أو شطب القيمة الاسمية للودائع. وتنظم المجموعة اعتصامًا كبيرًا أمام القصر الجمهوري في بعبدا بالتزامن مع اجتماع الحكومة.
تفاصيل مقترحة في القانون
وفقًا لمصادر مطلعة على صياغة القانون، فإن 85% من المودعين، وهم أصحاب الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار، سيحصلون على كامل أموالهم خلال فترة زمنية معقولة. أما المودعون المتوسطون والكبار، فسيحصلون على 100 ألف دولار نقداً على أقساط، وسيتم صرف المبلغ المتبقي عبر سندات قابلة للتداول مدعومة بأصول المصرف المركزي.
تهدف الحكومة من خلال هذه الآلية إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق المودعين والحفاظ على الاستقرار المالي العام. وترى أن هذا القانون لا يمثل مجرد إدارة للأزمة، بل هو بداية لمسار فعلي لاستعادة الحقوق، وإحياء القطاع المصرفي، وتفعيل المساءلة والمحاسبة.
علاوة على ذلك، يركز القانون على إعادة رسملة المصارف، ووضع خريطة طريق ملزمة لتحقيق ذلك. ويعتبر هذا الجانب ضروريًا لاستعادة ثقة المودعين وتحسين قدرة المصارف على تقديم الخدمات المالية.
في المقابل، يرى البعض أن القانون قد لا يكون كافيًا لمعالجة الأزمة بشكل جذري، وأن هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية أعمق في النظام المالي والاقتصادي اللبناني. وتشمل هذه الإصلاحات مكافحة الفساد، وتحسين الشفافية، وتعزيز الحوكمة.
من الجدير بالذكر أن مسودة القانون قد تخضع لتعديلات كبيرة في البرلمان، على ضوء الاعتراضات التي أثيرت من قبل مختلف الأطراف المعنية. ومن المتوقع أن يستمر النقاش حول القانون في الأيام والأسابيع القادمة.
الخطوة التالية هي مناقشة مشروع القانون في مجلس الوزراء اليوم الاثنين. وما سيحدث بعد ذلك يعتمد على مدى التوافق الذي يمكن تحقيقه بين الحكومة، والبرلمان، والمصارف، والمودعين. ويظل مستقبل الودائع المصرفية في لبنان غير مؤكدًا، ويشكل تحديًا كبيرًا للحكومة والشعب اللبناني.
