في اليوم الثاني للحرب كتبنا مقالاً تحت عنوان (الأهداف الاستراتيجية للحرب الإيرانية الإسرائيلية) وتسائلنا فيه ما إذا كانت الحرب ستنتهي كما انتهت حرب أكتوبر ٧٣ بين مصر وإسرائيل، بعد أن انسحبت سوريا من الحرب أي بتوقيع اتفاقية سلام بين الطرفين؟ أم ستنتهي كما انتهت حرب الخليج الثانية بسقوط نظام صدام حسين ثم احتلال العراق؟

الآن وبعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ومتابعتنا لكل مجريات المعركة والتصريحات المتناقضة والملتبسة لقادة إيران واسرائيل والولايات المتحدة حول سبب الصراع والحرب بين الطرفين أو من حيث الهدف من الجولة الأخيرة من الحرب ومفاهيم النصر والهزيمة حيث يزعم كل طرف أنه انتصر وحقق أهدافه، كل ذلك يجعلني أميل للاحتمال الأول وهو وقف لإطلاق نار سيمهد لمفاوضات شاقة تؤدي لسلام بين الطرفين.

وفي هذا السياق لا بأس من عمل مقارنة سريعة ومختصرة بين الحربين حيث سنلاحظ أن الجيش المصري هو الذي بدأ جرب أكتوبر في محاولة لاستعادة الأراضي  التي فقدتها في حرب أو نكسة حزيران 67 وألحق خسائر فادحة بإسرائيل ،حوالي ٨ آلاف قتيل وأضعافهم من الجرحى والأسرى وتدمير مئات الطائرات  والدبابات والسفن الحربية بالإضافة الى اقتحام الجيش المصري لخط بارليف الحصين وشبه الانهيار في الاقتصاد الإسرائيلي الخ وهي خسائر تفوق بكثير ما ألحقته إيران بإسرائيل، بالرغم من ذلك تم توقيع اتفاق وقف إطلاق نار وبدء مفاوضات ماراثونية بين الطرفين برعاية وإشراف داهية السياسة الأمريكية وزير الخارجية هنري كسنجر واستمرت المفاوضات 6 سنوات  بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩ حيث اعترفت مصر بإسرائيل وخرجت بذلك من ساحة المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل ،وتلا ذلك في عام ١٩٨١ انسحاب جيش الاحتلال من سيناء بشروط أمنية وسياسية ،وبعد ذلك بدأ انهيار النظام الإقليمي العربي وتفكيك ما يسمى الصراع العربي الإسرائيلي وتراجع القضية الفلسطينية. 

في تلك الحرب وبالرغم من بطولات الجيش المصري فقد تم اتهام الرئيس السادات بأنه قام بحرب تحريكية ونسق للحرب مع هنري كسنجر للوصول في نهاية الأمر لإنهاء الحرب مع اسرائيل والتوصل للسلام، وكان الرئيس السوري حافظ الأسد برر انسحابه من الحرب بأن السادات كان يريدها حربا تحريكية أو تكتيكية للتوصل لتسوية سياسية من موقع القوة، وحتى بعض العسكريين المسريين كالمشير سعد الدين الشاذلي رئيس تركان الجرب والقائد الميداني الحقيقي لحرب أكتوبر وكذلك سياسيين فالوا نفس الكلام.

 وقد تعززت هذه الاتهامات والشكوك حتى قبيل الحرب عندما توترت علاقة السادات بالاتحاد السوفيتي وطرد الخبراء العسكريين السوفييت من مصر قبل أشهر من الحرب وبدأ بالاعتماد على الأسلحة الأمريكية والغربية.

 أما في هذه الجولة من الحرب بين إيران وإسرائيل فقد كانت الأخيرة هي البادئة بنقل الخرب إلى داخل إيران وكانت أيران في خالة دفاع عن النفس، كما أن إضرار إيران تفوق ما لحق بإسرائيل، ومع ذلك وفي سياق نظرية المؤامرة نتساءل: هل ستؤدي هذه الدولة من الحرب إلى انهاء حالة العداء بين إيران وإسرائيل والتوصل لسلام إسرائيلي إيراني كما قال ترامب؟ ما يعزز هذا الاحتمال أنه طوال أيام الحرب وخلال المفاوضات لوقف إطلاق النار لم يتم التطرق للقضية الفلسطينية ولا للحرب على غزة ولا لجبهة إسناد غزة ومحور المقاومة ،كما أن حجم الاختراق الكبير في إيران ما كان ليصل لهذا الحد لو لم تكن جهات رسمية داخل البلد متورطة بشكل أو أخر وتريد تعيير سياسات النظام والتخلص من الإرث القديم للخمينية والتيار المتشدد ،،واندلاع حرب تقول فيها ايران إنها انتصرت قد تساعد هذا التيار على الدخول في مفاوضات تحفظ المصالح القومية للدولة بعيدا عن الارتباط بالقضية الفلسطينية، وقد يكون لسان حال هذا التيار أو التوجه الجديد بعد الخرب نفس منطق القيادة المصرية ومن أيد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ،وهو أن البلد خاض حروبا مع إسرائيل دفاعا عن القضية الفلسطينية وقدم الشهداء والتضحيات المادية والاقتصادية من فوت الشعب والان يجب الاهتمام بمصالح البلد !!.

ليس هذا عودة لنظرية المؤامرة بل هي الواقعية السياسية، مع أن المؤامرة جوهر السياسة والعلاقات الدولية ولا سياسة تخلو من تآمر إذا فهمنا أن السياسة تقوم على التخطيط بسرية وتكتم لخدمة المصالح القومية، والدول لا تفصح عن كل أهدافها الاستراتيجية حتى لجمهورها، وكما تقول الفلسفة السياسية في الغرب لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة، والسياسة الواقعية لا تعترف بالأيديولوجيات ولا بالروابط الدينية عابرة الحدود ولا بالعواطف بل بالقوة وتوازناتها.

شاركها.