جنون” إسرائيل”: التجويع ليس تكتيكا تفاوضيا.. ونتنياهو يجوّع أهل غزة والأسرى الإسرائيليين

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي لميغان كي ستاك، التي غطت الشرق الأوسط للصحيفة، تحدثت فيه عن الجنون الإسرائيلي، قائلة إن التجويع ليس تكتيكا للمفاوضات.
وأشارت بداية إلى تصريح الرئيس دونالد ترامب “افعل ما تريد” والموجه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويبدو أن الأخير فعل كما قال ترامب. فقد أعادت إسرائيل فرض الحصار الكامل على قطاع غزة المدمر والجائع، مانعة دخول المساعدات الإنسانية وغيرها من السلع الضرورية إليه.
ولم يُسمح على مدار الأسبوع والنصف الماضيين، بدخول الغذاء والدواء والخيام والوقود إلى غزة، حيث يحاول نحو مليوني فلسطيني البقاء على قيد الحياة وسط الدمار. ويواصل نتنياهو تشديد الخناق. ففي يوم الأحد، قطعت إسرائيل آخر إمداد من الكهرباء عن غزة، مما أجبر محطة تحلية مياه رئيسية توفر مياه الشرب على إبطاء عملياتها.
ومع تفاقم الجوع، واضطرار الناس إلى العيش في خيام أو في ملاجئ هشة من المباني شبه المدمرة ونفاد إمدادات المياه النظيفة والوقود، يبدو من المبالغة القول إن غزة على شفا الانهيار، ففي كثير من النواحي، انهارت غزة بالفعل.
وتقول ستاك إن المسؤولين الإسرائيليين يسعون إلى تجويع غزة كتكتيك تفاوضي، فبدلا من المضي في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار وفقا للجدول الزمني المتفق عليه، يطالب نتنياهو الآن بتمديد المرحلة التمهيدية سبعة أسابيع. وهذا منطقي بالطبع بالنسبة لنتنياهو، فالمرحلة الأولى هي الأبسط، إذ تسمح بإطلاق سراح المزيد من الرهائن دون الخوض في التفاصيل الشائكة، والتي يرى نتنياهو أنها ذات تأثير سياسي واضح والواردة في المرحلة الثانية، بما في ذلك سحب القوات من غزة ووضع خطط ملموسة لإنهاء الحرب. لكن حماس رفضت حتى الآن الموافقة، مشيرة إلى أن إسرائيل تنحرف من جانب واحد عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
وعليه، وبما يتوافق مع النزاع القاسي، حاصرت إسرائيل سكان غزة في حصار خانق وحظرت وصول الغذاء والإمدادات، وحذرت من أنه إذا لم توافق حماس بسرعة على إطلاق سراح المزيد من الرهائن، فقد تستأنف الحرب من جديد.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي: “ستغلق أبواب غزة، وستفتح أبواب الجحيم” إذا لم تفرج حماس عن المزيد من الرهائن.
ويبدو أن ترامب موافق على هذا التكتيك المشين، ففي الوقت الذي يلوح فيه أن وقف إطلاق النار على شفا الانهيار، وتسير المفاوضات ببطء، يواجه سكان غزة المنهكون امتحانا مروعا ومهينا لإرادتهم.
ونقلت الكاتبة عن ماجد جابر، طبيب الطوارئ الذي تحدث معها من غزة: “أي قدر من المساعدة يُمنع عن غزة هو حكم بالإعدام”. وينام الدكتور جابر، الذي دُمر منزله بالقنابل، في خيمة معرضة للريح وتغمرها مياه الأمطار الشتوية. وقال إنه قبل وقف إطلاق النار، أصبح الطعام شحيحا لدرجة أنه فقد 40 رطلا، حتى أنه شهد بعض مرضاه يموتون بسبب مضاعفات سوء التغذية. وقال: “شخصيا كنت أجوع.. هل أعتقد أن هذا سيحدث مرة أخرى؟ نعم”.
وبعد حديثها مع الدكتور جابر، قرأت الكاتبة تقريرا في الصحافة الإسرائيلية يفيد بأن الأسرى المفرج عنهم مؤخرا يعانون من فقدان حاد في الوزن ومشاكل في الأسنان ومشاكل صحية نتيجة شرب مياه غير نظيفة.
وكان الخبر مطابقا لما سمعته ستاك من فلسطينيين في غزة. و”هو أمر غير مفاجئ، ولكنه يبرز جنون النهج الإسرائيلي: إن تجويع غزة لإجبار حماس على إطلاق سراح الأسرى هو، بالطبع، تجويع لهم أيضا”.
وقالت ستاك: “يبدو لي وفي الآونة الأخيرة، أن غزة والبشر فيها يغيبون عن ذاكرتنا بشكل متزايد. وتتلاشى معاناة سكانها المادية إلى الوراء، ثم تعود للظهور” و”ستتمسك حماس بهؤلاء البشر التسعة والخمسين الذين سحبتهم من ديارهم كورقة مساومة، أحياء أم أمواتا، فهم سلاحها الوحيد. وقد ظل سكان غزة أنفسهم عالقين لعقود في تلك المنطقة الخانقة. وقد يكون من غير المجدي الإشارة إلى هذا خلال حرب حافلة بالفظائع، لكن التجويع المتعمد للمدنيين جريمة حرب، وكذلك أخذ المدنيين أسرى”.
ومن المؤكد أن القادة الإسرائيليين يعرفون هذه القوانين. ففي النهاية، كان الحصار شبه الكامل لغزة بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ، هو ما استخدم كدليل في لاهاي، مما ساعد على ترسيخ مذكرات التوقيف المعلقة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت. وعندما بدأت تحذيرات المجاعة تتسرب من غزة، أنكر المسؤولون الإسرائيليون بشدة تقييمات منظمات الإغاثة، وحتى بعض السياسيين الأمريكيين يقولون بأن إسرائيل لا تمنع المساعدات، وأصروا على أن الجوع في غزة هو خطأ الأمم المتحدة وحماس.
وفي عهد ترامب، على ما يبدو، لم تعد هناك حاجة لإثبات البراءة. فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يعاقب الجنود والمستوطنون الفلسطينيين في الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل المئات وتهجير عشرات الآلاف، بينما يناقشون الضم علنا.
في غضون ذلك، ومع ضغط مؤيدي ترامب الإنجيليين على إسرائيل للاستيلاء على الضفة الغربية بأكملها، رفعت الإدارة الحالية العقوبات المفروضة على المستوطنين المتطرفين.
وتقول الكاتبة إنها سألت الكاتب من غزة، يسري الغول عن الناس حوله، وإن كانوا خائفين من عودة القصف، فكانت إجابته صادمة، وقال إن الناس في حالة من الحزن والانشغال بمحاولة تأمين الضروريات اليومية الأساسية، بالكاد يتفاعلون مع الوضع الجيوسياسي والمفاوضات. قال: “لا يكترثون إن عادت الحرب أم لا، لأنهم يشعرون أنهم فقدوا كل شيء. فقدوا منازلهم وعائلاتهم وأطفالهم، ونساءهم وزوجاتهم، وأزواجهم. لذا يقول الناس: حسنا، لا بأس. إن عادت، إن قتلتنا”. وأضاف: “نحن لا نعيش حياة كريمة. إنها أشبه بالجحيم”.
وتنهي مقالها بالقول: “لا أستطيع التخلص من الشعور المخيف بأن غزة تختفي بالفعل، المباني مهدمة والقتلى غائبون تحت الأنقاض. وفي كل مرة يقتل فيها صحافي آخر من غزة، تغمض عين أخرى كنا ننظر من خلالها. وفجأة، يأتي ترامب بخطته لامتلاك غزة، وبناء منتجعات على البجر ستقام على أكوام من الخردة وممارسا التطهير العرقي في الطريق إلى جنته، لمن؟ قال ترامب: “شعوب العالم” ولكن على ما يبدو ليست لشعب غزة.