حذر العقيد في الاحتياط الإسرائيليّ موشيه إلعاد، وهو مُستشرِق إسرائيليُّ ذائع الصيت، من تدهورٍ حادٍّ في العلاقات بين الكيان الصهيونيّ ومصر، متحدّثًا عن مؤشراتٍ مُقلقةٍ، حتى إذا لم يكن صراعًا عسكريًا مباشرًا يبدو في الأفق.
وفي مقابلة مع صحيفة (معاريف) العبريّة، سأل إلعاد “هل تتجه مصر لمواجهةٍ مع إسرائيل؟”، مضيفًا: “منذ بداية حرب (السيوف الحديدية)، أيْ العدوان على غزّة في أكتوبر 2023، خضتُ مواجهاتٍ إعلاميّةٍ مع عددٍ لا بأس به من ضباط الجيش المتقاعدين، والمحللين، والإعلاميين المصريين. يجب الاعتراف أنّ معظمهم غير راضين عن اتفاق السلام مع إسرائيل ويطالبون بإلغائه”.
وتابع العقيد الإسرائيليّ قائلاً إنّ “بعضهم يحرّض تحريضًا سامًا ضدّ إسرائيل وضدّ الاتفاق معها إلى درجةٍ يبدو فيها أنّهم يشجعون مواجهةً عسكريّةً بين الجانبيْن”، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه “في ذروة الأزمة في غزة، بينما كان التنسيق الأمنيّ بين إسرائيل ومصر مستمرًا كالمعتاد، ارتفع التحريض ضد إسرائيل وتردّدت الدعوات لرئيس مصر لوضع إسرائيل” في مكانها”، على حدّ تعبيره.
علاوة على ما ذُكِر آنفًا، لفت إلعاد الى أنّ المؤشرات الميدانية مقلقة، وتابع “اليوم، وللمرّة الأولى منذ سنوات، وسائل الإعلام في مصر، وأحيانًا هنا وهناك في إسرائيل، تفيد بأنّ احتمالًا يظهر، وأن ما كان يبدو كحلمٍ لا يمكن تقويضه، قد يتصدع. مؤشرات من الميدان، أمنيّة، دبلوماسيّة، مدنية، تشير إلى شرخٍ عميقٍ ينمو تحت السطح”، متسائلاً: “هل مصر في طريقها لمواجهة مع إسرائيل”؟ بات سؤالاً مشروعًا، وربّما حتى مطلوبًا”، طبقًا لأقواله.
وتابع الخبير الإسرائيليّ في حديثه للصحيفة العبريّة إنّ “الخطاب المصري حادّ”، وأضاف “قيل إنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يتردد في استخدام مصطلح (إبادةٍ جماعيّةٍ) بخصوص ما يحدث في غزة، وهذه ليست مصطلحات سلامٍ باردٍ، بل مصطلحات مواجهة شبه مباشرة. لا ننسى أنّ للسيسي أيضًا قاعدة جماهيرية تريد سماع رئيسٍ قويٍّ، وأنّ أيّ توغلٍ إسرائيليٍّ في رفح، أوْ محاولة دفع السكان الفلسطينيين نحو سيناء، سيُعتبر بالنسبة لها خطًا أحمر مطلقًا”.
وبحسب العقيد في الاحتياط الإسرائيليّ، لوحظ في سيناء نشاطٌ عسكريُّ غيرُ قليلٍ، نشر قوات، أنظمة دفاع، استعدادات لوجستية. حتى لو عرض كاستعدادٍ دفاعيٍّ فقط، من الصعب تجاهل التوقيت وحجم الاستعدادات. مصر تضع نفسها كقائدة للمبادرات العربية لمستقبل غزة، مع رفض الحلول الإسرائيليّة والدولية، على حدّ تعبيره
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، أكّد الخبير إلعاد أنّ مواجهةً مباشرةً ليست مرغوبة لكلا الطرفيْن، ورأى أنّه “على الرغم من التوتر، مواجهة مباشرة الآن ليست واردة، مُشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ الاتفاق التاريخي لعام 1979 هو أصلٌ استراتيجيٌّ. التنسيق الأمني صمد أمام العديد من الأزمات، والمساعدة الإسرائيليّة لمصر في الحرب ضدّ تنظيم (داعش) الإرهابيّ في سيناء والروابط الاقتصادية في الغاز لا يمكن قطعها بضربة يدٍّ”، وفق ادّعائه.
وبتقدير إلعاد، احتمال مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل ومصر منخفض، لكن احتمال التدهور في العلاقات مرتفع جدًا: دبلوماسيًا، سياسيًا، مدنيًا، وربما حتى اقتصاديًا، وكلّ قرار على الحدود الجنوبية، سياسيًا، عسكريًا أو مدنيًا، يجب أنْ يأخذ في الحسبان أيضًا العلاقات مع القاهرة.
وخلص إلعاد في مقابلته الى أنّ “مصر لا تتسّرع لحرق جسر السلام، لكن جسرًا يستند إلى لوحٍ واحد، حتى لو كان متينًا، يمكن أنْ ينهار إذا لم يحافظ عليه كما يجب. وهذا بالضبط هو الوقت للبدء في صيانته، طبقًا لأقواله.
على صلةٍ ما سلف، لم يتردد المقدم (احتياط) إيلي ديكل، الباحث الكبير السابق في الاستخبارات العسكريّة (أمان)، في التحذير، ولسنواتٍ عديدةٍ، حذّر من الخطر الكامن في مصر، وحذّر من عدم جاهزية الجيش للحرب في حال اندلاعها.
ديكل يُكرّس حياته لرصد تعزيز جيوش الدول المعادية، مع التركيز على مصر، ويقول في مقابلة مع موقع (هيدابورات) العبريّ: “يعتمد هذا النوع من المراقبة على صور الأقمار الصناعية، وبما أن هذه الصور غير سرية، لديّ فرصة مراقبة كل نقطة في العالم والحصول على معلومات استخباراتية”.
ويضيف: “لأكثر من عشرين عامًا، أدرس صور الأقمار الصناعية القادمة من مصر، والاستنتاج الوحيد الذي نستخلصه منها هو أنّ مصر تزداد قوةً، إلى أبعاد لا تُوصفٍ”. هل يتكرر هذا المفهوم مرة أخرى، هذه المرة ضد مصر؟ نعم، إنها تعود بقوّةٍ”.
وتابع: “في الواقع، تعود منذ 46 عامًا، و”السلام” بين علامتي اقتباس. يشير مصطلح “المفهوم” إلى عقبة لمرّةٍ واحدة، لكن العقبة هنا تكمن على مدار كل السنوات التي انقضت منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر. إنْ صحّ التعبير، فإنّ المفهوم الإسرائيلي تجاه مصر يفوق بكثير المفهوم الذي شهدناه في حرب يوم الغفران، وكذلك مؤخرًا تجاه حماس. هذه المرة، إنّه فشل مستمر”، كما قال.