9 نوفمبر 2025Last Update :

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ التصاعد الخطير في جرائم المستوطنين ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية، والذي بلغ ذروته مع انطلاق موسم قطف الزيتون، يجري في ظلّ غياب تام لأيّ إجراءات للردع أو المساءلة، وغالبًا ما يُنفَّذ تحت حماية مباشرة من الجيش الإسرائيلي، بما يعكس نهجًا رسميًا ومنهجيًا يهدف إلى توظيف عنف المستوطنين كأداةٍ لترسيخ السيطرة الإسرائيلية، بالتوازي مع تسارع وتيرة التوسّع الاستيطاني ومصادرة الأراضي، في مسعى لفرض الضمّ الفعلي للضفة الغربية وتهجير سكانها الفلسطينيين.

وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم الأحد أنّ هذا التصعيد المنهجي يأتي ضمن مسعى أوسع لإحكام السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية عبر تفريغها من سكانها الفلسطينيين وتوسيع دائرة النفوذ الاستيطاني، جغرافيًا ووظيفيًا، وتحويل المستوطنين إلى أذرع تنفيذية للجيش في عمليات الاعتداء والمصادرة، وفرض أنماط جديدة من السيطرة الميدانية تُكرّس واقع الفصل والعزل بين التجمعات الفلسطينية، وتُجهض أي إمكانية لقيام كيان فلسطيني متصل أو مستقل.

وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقه الميداني رصد خلال الأسابيع الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في اعتداءات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين، ولا سيما المزارعين، والتي شملت الاعتداء الجسدي وسرقة ثمار الزيتون وحرق الأشجار وتخريب الممتلكات ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، موضحًا أنّ عشرات هذه الهجمات نُفّذت بحماية مباشرة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما شارك جنود في بعضها، في تجسيد واضح لوحدة المنظومة القائمة على تنفيذ سياسة الدولة باضطهاد الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم.

وأوضح الأورومتوسطي أنّه وثّق في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري مقتل الفلسطيني “أحمد ربحي الأطرش” برصاص مستوطن إسرائيلي على الطريق رقم (35) قرب مدخل “رأس الجورة” شمال مدينة الخليل، إذ حاولت السلطات الإسرائيلية تبرير الجريمة بالادعاء أنّ المستوطن أطلق النار على الضحية بزعم محاولته سرقة سيارته، دون تقديم أيّ أدلة على ذلك، حيث منعت القوات الإسرائيلية طاقم إسعاف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليه، ما أدّى إلى نزفه حتى الموت، قبل أن تحتجز جثمانه وتسلمه في اليوم التالي.

وأشار إلى أنّ مقتل “الأطرش” يرفع عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد المستوطنين إلى 13 منذ مطلع عام 2025 و37 منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي حصيلة غير مسبوقة تعكس تصعيدًا خطيرًا في طبيعة العنف، وانتقاله من استهداف الممتلكات إلى استهداف مباشر للأرواح.

وأضاف المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقه وثّق 324 اعتداءً نفّذها مستوطنون خلال 39 يومًا (منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى مساء 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، بمعدل ثمانية اعتداءات يوميًا، موضحًا أنّ عنف المستوطنين خلال موسم قطف الزيتون الحالي يُعدّ الأعلى منذ سنوات، إذ وثّق الفريق نحو 163 هجومًا أسفر عن إصابة أكثر من 143 فلسطينيًا، وإتلاف ما يزيد على 4,200 شجرة وشتلة في 77 قرية بالضفة الغربية.

ولفت إلى أنّ الهجمات التي ينفّذها مستوطنون مسلّحون على هيئة ميليشيات منظَّمة، تنطلق من المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية المنتشرة في الضفة الغربية، أصبحت تمثّل ممارسة منهجية للعنف المسلّح ضدّ المدنيين الفلسطينيين، مؤكدًا أنّ هذه المجموعات تعمل بتنسيق وثيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحت حمايته، وتقتحم القرى والبلدات الفلسطينية، حيث تهاجم المنازل والمركبات وتعتدي على السكان وتهدّدهم بالرحيل، في إطار سياسة تهدف إلى بثّ الرعب ودفعهم قسرًا إلى إخلاء مناطقهم القريبة من المستوطنات، بالإضافة إلى نصب خيام في الأراضي الزراعية الفلسطينية لتأسيس بؤر استيطانية جديدة تُستخدم منطلقًا لاعتداءات لاحقة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأرض.

وأشار إلى أنّ مجموعات من المستوطنين المسلّحين هاجمت مساء السبت منازل الفلسطينيين في قرية “رابا” جنوب شرق جنين، واعتدت على سكانها بحماية من القوات الإسرائيلية، كما اقتحم المستوطنون منطقة تلّ ماعين شرق بلدة يطا جنوب الخليل، وهاجمت المواطنين واعتدت عليهم بالضرب، وأطلقت مواشيها في الأراضي الزراعية لعائلة مخامرة قبل أن تهاجم أفراد العائلة أثناء تواجدهم في أراضيهم وتعتدي عليهم مجددًا، فيما شاركت قوات الاحتلال في الاعتداء واحتجزت ثلاثة شبّان من العائلة بعد تعرّضهم للضرب. وفي حادثة أخرى، أقدم مستوطنون على قطع عشرين شجرة زيتون مثمرة في أرضٍ تعود لمزارع من عائلة عجاج في قرية “دير جرير” شرق رام الله.

وخلال اليوم نفسه، أصيب مواطنٌ فلسطيني وأربعة متضامنين أجانب بجروحٍ ورضوض، جراء اعتداء نفّذه مستوطنون عليهم أثناء قيامهم بقطف الزيتون في الجهة الشرقية من قرية “بورين” جنوب نابلس، حيث هاجم المستوطنون المزارعين والمتضامنين بالعصي والحجارة.

وفي اليوم السابق (الجمعة)، شنّ مستوطنون هجومًا في منطقة الأغوار الشمالية، حيث أقدموا على هدم عدة مساكن وحظائر أغنام، واعتدوا على المواطنين الفلسطينيين، في استمرار لسياسة تدمير البنى التحتية الفلسطينية وتهجير سكان المناطق الزراعية لصالح التوسّع الاستيطاني.

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ اعتداءات المستوطنين المتكرّرة تسبّبت في تهجير قسري لنحو 5,200 فلسطيني من قراهم وبلداتهم القريبة من البؤر الاستيطانية، في إطار خطة منهجية لإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية وفرض وقائع ميدانية جديدة تُكرّس التوسّع الاستيطاني وتُضعف الوجود الفلسطيني في أراضيهم.

وأشار إلى أنّ الواقع الميداني يُظهر أنّ الفلسطينيين يتحوّلون إلى ضحايا مرتين؛ ضحايا لجرائم المستوطنين أولًا، ثم ضحايا لسياسات الاحتلال التي تُعاقبهم عند دفاعهم عن أنفسهم أو عن أراضيهم. ففي الوقت الذي يُمنح فيه المستوطنون الحماية القانونية والإفلات التام من المساءلة، تُلاحق سلطات الاحتلال الفلسطينيين وتعتقلهم بزعم “الاعتداء” أو “التحريض”، لمجرّد محاولتهم صدّ الهجمات أو حماية ممتلكاتهم والدفاع عن أنفسهم وأراضيهم.

وبيّن أنّ تسليح الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين وتوفير الحماية القانونية والمؤسسية لهم يشكّلان انتهاكًا جسيمًا لالتزامات إسرائيل بصفتها قوة احتلال، بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيّما واجبها في حماية السكان المدنيين الواقعين تحت احتلالها.

وأوضح أنّ تواطؤ أجهزة إنفاذ القانون والجيش في حماية مرتكبي هذه الجرائم، وامتناع السلطات القضائية عن مساءلتهم، أدّى إلى ترسيخ مناخ الإفلات التام من العقاب، إذ تُغلق الغالبية العظمى من الملفات دون أيّ محاسبة حقيقية، فيما لا تتجاوز نسبة الإدانات في الجرائم التي يرتكبها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين 3%، ما يعكس تواطؤًا بنيويًا تتقاسم فيه السلطات العسكرية والقضائية مسؤولية حماية الجناة وتمكينهم من مواصلة انتهاكاتهم، ويُحمّل الدولة الإسرائيلية المسؤولية المباشرة عن هذه الجرائم بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة.

وذكّر المرصد الأورومتوسطي بما أكّدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 19 يوليو/تموز 2024، بشأن أنّ أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين، وعجز إسرائيل عن منعها أو معاقبة مرتكبيها بفعالية، إلى جانب استخدامها المفرط للقوة ضدّ الفلسطينيين، تسهم جميعها في خلق بيئة قسرية تُجبر الفلسطينيين على العيش في ظروف تهديد دائم وتقيّد وجودهم في أراضيهم المحتلة.

وأشارت المحكمة إلى أنّ إخفاق إسرائيل المنهجي في منع أو معاقبة الهجمات التي ينفّذها المستوطنون ضدّ حياة الفلسطينيين وسلامتهم الجسدية، إلى جانب استخدامها المفرط للقوة ضدّهم، يتعارض بوضوح مع التزاماتها القانونية، مؤكدة أنّ حقّ الحياة للأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة مكفول بموجب المادة (46) من لائحة لاهاي، والمادة (27/1) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم دولة الاحتلال بمعاملة الأشخاص المحميين معاملة إنسانية وحمايتهم من جميع أشكال العنف أو التهديد به، فضلًا عن المادتين (6/1) و(7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللتين تضمنان الحق في الحياة والحماية من العنف والمعاملة اللاإنسانية.

كما رصد المرصد الأورومتوسطي استمرار التوسّع في إنشاء البؤر الاستيطانية العشوائية التي تحظى بحماية رسمية وغطاء سياسي من الحكومة الإسرائيلية، إذ أُقيمت عشرات البؤر الجديدة خلال العام الجاري في ظلّ تسهيلات حكومية واضحة، شملت الدعم المالي واللوجستي للمستوطنين وتزويدهم بالبنية التحتية اللازمة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في مناطق الأغوار وجنوب الخليل ونابلس.

وأوضح أنّ هذا النمط من التوسّع، قد يتخذ شكلاً “عشوائيًا” ظاهريًا، إلّا أنه يتم في إطار سياسة مركزية منظَّمة تهدف إلى فرض وقائع ميدانية جديدة تُكرّس الضمّ الفعلي وتُقوّض وحدة الأراضي الفلسطينية.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ إنشاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة يشكّل انتهاكًا جسيمًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، إذ تحظر المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على دولة الاحتلال نقل جزءٍ من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها أو إجراء أي تغييرات دائمة في تركيبتها الديمغرافية أو وضعها القانوني. وفي هذا الإطار، تمثّل الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، بما في ذلك إنشاء البؤر وتوسيع المستوطنات القائمة، جريمة حرب مكتملة الأركان وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبشكل خاص المادة (8/2/ب/8) التي تُجرّم قيام قوة الاحتلال بنقل مواطنيها إلى الأراضي المحتلة.

وأكّد أنّ هذه الممارسات لا تُعدّ جريمة حرب فحسب، بل ترقى أيضًا إلى جريمة عدوان بموجب المادة (8 مكرّر) من النظام ذاته، إذ تُكرّس حالة ضمّ فعلي ناتجة عن احتلال عسكريّ مستمرّ، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ومبدأ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ نظام السيطرة الذي تفرضه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتّخذ خصائص جريمة الفصل العنصري (الأبارتهايد) كما يعرّفها القانون الدولي، إذ يقوم على منظومة تشريعية وإدارية وأمنية تهدف إلى إحكام الهيمنة على السكان الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، من خلال سياسات التمييز المؤسسي، والاستيطان، والعزل الجغرافي، وحرمان الفلسطينيين من حرية الحركة والوصول إلى الموارد.

ولفت إلى أنّ هذا النظام يتعارض بوضوح مع اتفاقية مناهضة الفصل العنصري لعام 1973 والمادة (7/2/ح) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر “الأفعال اللاإنسانية المرتكبة في سياق نظام مؤسسي قوامه القهر والسيطرة المنهجيّة لجماعة عرقية على أخرى، بنية الإبقاء على هذا النظام”، جريمة ضدّ الإنسانية، وبيّن المرصد أنّ ممارسات إسرائيل في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وغزة تجسّد هذا النظام في أوضح صوره، وتُشكّل استمرارًا لسياسة استعمارية تهدف إلى تكريس واقع دائم من التفوق والسيطرة العرقية.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لتنفيذ ما ورد في رأي محكمة العدل الدولية الصادر في 19 يوليو/تموز 2024، الذي أكّد عدم شرعية استمرار الاحتلال الإسرائيلي ونشاطاته الاستيطانية، ودعا إسرائيل إلى الوقف الفوري لجميع أنشطة الاستيطان، وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنهاء وجودها غير القانوني فيها بأسرع وقت ممكن.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي على ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لضمان وقف شامل لعنف المستوطنين، ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الجرائم، بمن فيهم المسؤولون السياسيون والعسكريون الذين وفروا الحماية أو التحريض أو الغطاء القانوني، ووقف تسليح المستوطنين وتجريد الميلشيات الاستيطانية من السلاح غير القانوني.

ودعا المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بوقف بناء وتوسيع المستوطنات، وإلغاء جميع الإجراءات الإدارية والقانونية التي تتيح مصادرة الأراضي الفلسطينية، وإنشاء آلية حماية دولية فعّالة للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المحكمةَ الجنائية الدولية بتسريع تحقيقاتها في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما جرائم الاستيطان والعنف المنهجي والتهجير القسري والفصل العنصري، باعتبارها تشكّل جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، مؤكدًا على أهمية اضطلاع المحكمة بدورها في ضمان المساءلة والمحاسبة، بما يشمل التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية لقادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين تورّطوا في التخطيط أو التنفيذ أو التحريض على هذه الجرائم، مشددًا على أنّ استمرار الإفلات من العقاب يشجّع على ارتكاب مزيد من الانتهاكات ويقوّض الثقة في نظام العدالة الدولي.

شاركها.