جرائم الحرب الإسرائيلية: دور المجتمع الدولي!
أصدرت المنظمة الحقوقية الدولية “هيومان رايتس ووتش”، التي مقرها نيويورك، تقريراً في يوم الخميس الماضي (2024.11.14) قالت فيه إن السلطات الإسرائيلية تسببت في نزوح قسري للشعب الفلسطيني في غزة إلى حد يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأضاف التقرير أن “هيومان رايتس ووتش وجدت أن التهجير القسري يجري بشكل واسع النطاق، وأن الأدلة تشير إلى أنه منهجي وجزء من سياسة الدولة. وتشكل مثل هذه الأفعال أيضاً جرائم ضد الإنسانية”. وقالت المنظمة “من المرجح أن يكون التهجير المنظم والعنيف الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة… مخططاً له أن يكون دائماً في المناطق العازلة والممرات الأمنية”، وهو إجراء يرقى إلى “التطهير العرقي” كما وصفته. طبعاً إسرائيل لم تتأخر في الرد واتهمت المنظمة الدولية باعتماد خطاب “كاذب تماماً ومنفصل عن الواقع”. (“الأيام” 11/15).
وصدر عن اللجنة الأممية التابعة للأمم المتحدة والخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة تقرير في 11/14 يقول إن ممارسات إسرائيل خلال حرب غزة “تتسق مع خصائص الإبادة الجماعية”، وأن إسرائيل “تستخدم التجويع كأسلوب من أساليب الحرب”، وهذا ينسجم مع أساس الدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة الجنايات الدولية والتي اتهمت فيها إسرائيل بممارسة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في حرب غزة، ومع تقارير المنظمات الحقوقية الدولية كافة بما فيها المنظمات الإسرائيلية التي تقول أن إسرائيل تقوم بجرائم حرب ضد الفلسطينيين.
المواقف الدولية المتكررة بخصوص جرائم إسرائيل ليس فقط في قطاع غزة بل وجرائمها في الضفة الغربية، بما فيها جرائم المستوطنين واستمرار العدوان على كل الأراضي المحتلة في الضفة والقدس وسياسة الاستيطان التي بدأت تتحول إلى عملية ضم رسمية وفعلية غير معلنة، بما في ذلك أيضاً الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الاحتلال القائم في الأراضي المحتلة وضرورة زواله، وقرارات وقف إطلاق النار ومعالجة المأساة الإنسانية الكبيرة والمتفاقمة في قطاع غزة، وحتى فرض العقوبات على مستوطنين ومنظمات استيطانية من قبل بعض الدول، كلها لم تنجح في التأثير على مواقف وقرارات الحكومة الإسرائيلية التي ذهبت إلى تحدي الإرادة الدولية في خرق كل القوانين والمعاهدات والأعراف الدولية، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والمنظمات الدولية الأخرى. ولعل القانون الذي أقره البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” بحظر عمل الوكالة الدولية “الأونروا” هو أكبر دليل على استهانة إسرائيل بالمنظومة الدولية برمتها.
ما يجعل إسرائيل بهذه الوقاحة والصلف والتحدي إلى درجة ممارسة كل الجرائم غير المسبوقة على نطاق دولي هو الشعور السائد لدى الحكومة الإسرائيلية بأنها محمية دولياً، وأن لديها حصانة من المساءلة والمحاكمة ومن التعرض لعقوبات ذات مغزى. ومن يمنح القيادات الإسرائيلية هذا الشعور هو الولايات المتحدة والدول الغربية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وغيرها. وبطبيعة الحال هناك دور جوهري لحق النقض الذي تستخدمه الولايات المتحدة في مجلس الأمن لمنع إدانة إسرائيل أو فرض أي قرار أو موقف عليها حتى في القضايا الإنسانية العاجلة كوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة، وغيرها. وإدارة الرئيس جو بايدن تميزت بتصريحات كاذبة عن وقف الحرب والمساعدات وحل الصراع، ولكنها قدمت مساعدات عسكرية غير مسبوقة لإسرائيل لقتل الفلسطينيين، ولم تتخذ موقفاً واحداً ولو من باب الخجل لدفع إسرائيل لإجراء ولو تعديل طفيف في سياستها الإجرامية. والآن نحن على موعد مع رئيس قادم معروف بعدائه لحقوق الشعب الفلسطيني مع طاقم من غُلاة المتطرفين.
إذا أدانت المنظمات الدولية السياسية والقانونية والإنسانية إسرائيل بسبب انتهاكاتها الفظة لحقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واستمرار ممارسة الاحتلال والجرائم بمختلف أنواعها ضد الشعب الفلسطيني، فالإدانة يجب أن توجه للطغمة الدولية التي تتحكم بمصير العالم وتمارس التمييز والظلم على مستوى الكون. والاتهام يجب أن يوجه صراحة للولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لإسرائيل، لأنه لولا هذا الدعم ما كانت إسرائيل لتصمد لا عسكرياً ولا مادياً ولا سياسياً ودبلوماسياً. ولو شعرت إسرائيل بجدية الانتقادات الدولية وأنها يمكن أن تتعرض لعقوبات لما أمعنت في جرائمها واستهتارها بالقانون الدولي.
وحده جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي اتخذ موقفاً مميزاً ومختلفاً عن الموقف الجماعي للاتحاد الذي يبدو مشلولاً تماماً وعاجزاً عن اتخاذ أي موقف ينسجم حتى مع مصالح أوروبا المهددة مصالحها أكثر من أي طرف نتيجة لاستمرار حروب إسرائيل في المنطقة. بوريل تحث عن دمار غزة الذي فاق ما حصل في ألمانيا والمدن الأوروبية في الحرب العالمية الثانية. وتحدث عن فشل أوروبا والعالم في تطبيق القانون الدولي، وطالب بتعليق الحوار السياسي مع الحكومة الإسرائيلية ومراجعة الاتفاقات معها، ودعا لفرض عقوبات على الوزيرين بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، ومقاطعة بضائع المستوطنات على اعتبار أنها غير شرعية. وقد هاجمته إسرائيل واتهمته بمعاداة السامية واعتبر شخصاً غير مرغوب فيه. ولكن صوت بوريل غير مسموع، وهناك دول أوروبية وعلى رأسها ألمانيا ترفض حتى مجرد تعليق الحوار مع إسرائيل. ولكنه يبقى صوت ضمير في مجتمع دولي تغيب فيه العدالة وتتلاشى فيه المواثيق والقوانين لصالح شريعة الغاب، تماماً كما عبر عن هذه الحالة سفير إسرائيل بالأمم المتحدة، عندما مزق ميثاق الأمم المتحدة على مرأى العالم بأسره. وهذه كانت أكثر صورة تعبر عن حال العالم اليوم، ولكن لا يزال هناك أمل بأن تمحو الأجيال القادمة عار القوى التي تحتكم لقوة السلاح وسطوة المال أكثر من احتكامها لقواعد العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.