على الرغم من تصاعد اللهجة في الخطاب السياسي بين إسرائيل وتركيا، وما تضمنته من إشارات متبادلة بالتزامن مع تحركات عسكرية وسياسية في منطقة بحر إيجه، يرى مراقبون أن هذا التوتر قد يكون جزءًا من مساعٍ للضغط بهدف التوصل إلى “صفقة تبادل مصالح”، خاصة فيما يتعلق بسوريا وغزة. وتثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين واحتمالية حدوث تصعيد عسكري مباشر، وهو سيناريو يستبعده العديد من المحللين في الوقت الحالي.
وقالت مصادر سياسية إسرائيلية إن كلا الطرفين يدرك جيدًا آليات ضبط النفس التي تمنع تدهور العلاقات إلى مواجهة مسلحة، خاصة في ظل وجود إدارة أمريكية بقيادة دونالد ترامب، والتي تتمتع بعلاقات قوية مع كل من إسرائيل وتركيا. ومع ذلك، حذر الدبلوماسي المخضرم ألون ليئيل من أن العداء المتجذر بين الجانبين قد يؤدي إلى أخطاء في التقدير أو سوء فهم يتسبب في تدهور العلاقات بشكل أكبر.
تصعيد الخطاب الإسرائيلي التركي: دوافع ومخاطر
أقدمت إسرائيل مؤخرًا على خطوات تهدف إلى تعزيز تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص، شمل إجراء تدريبات عسكرية مشتركة وتتويجها بلقاء في القدس الغربية يوم الاثنين الماضي، جمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس. يأتي هذا التحرك في سياق سعي إسرائيل لتعزيز نفوذها الإقليمي وتأمين مصالحها في شرق البحر المتوسط.
خلال مؤتمر صحفي عقب اللقاء، وجه نتنياهو رسالة ضمنية إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قائلاً: “إلى أولئك الذين يتوهمون قدرتهم على إقامة إمبراطوريات والسيطرة على بلادنا، أقول: انسوا الأمر. لن يحدث. لا تفكروا فيه حتى. نحن ملتزمون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا، والتعاون يعزز قدراتنا”. وأضاف نتنياهو أن هذا التعاون لا يهدف إلى استهداف أي طرف، ولكنه يهدف إلى تأكيد قوة إسرائيل وقدرتها على حماية مصالحها.
جاء رد الفعل التركي سريعًا وحادًا، حيث نشرت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة التركية مقالاً على صفحتها الأولى بعنوان “ابتداءً من اليوم، إسرائيل هي التهديد الأول”. واعتبرت الصحيفة أن القمة الثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص، بالإضافة إلى الاشتباكات الأخيرة في حلب السورية بين قوات النظام والقوات الكردية، تمثلان تهديدًا للأمن القومي التركي.
الخلافات الإقليمية وتأثيرها على العلاقات
تتركز الخلافات الرئيسية بين إسرائيل وتركيا حول عدة قضايا إقليمية، بما في ذلك الوضع في سوريا، ودعم تركيا لحركة حماس في غزة، والتوترات في شرق البحر المتوسط بسبب التنقيب عن الغاز الطبيعي. وتتهم تركيا إسرائيل بدعم القوات الكردية في سوريا، والتي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني “بي كي كي” الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية.
وفي المقابل، تتهم إسرائيل تركيا بالسعي إلى تقويض استقرار المنطقة من خلال دعم الجماعات المتطرفة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما تعرب إسرائيل عن قلقها بشأن التوجهات التركية نحو تعزيز العلاقات مع دول معادية لها في المنطقة.
الردود الرسمية والتحركات الدبلوماسية
أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال اجتماع لرؤساء فروع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، أن بلاده لن تتنازل عن حقوقها ولن تسمح لأي طرف بالمساس بسيادتها. وشدد على أن تركيا ستواصل التمسك بمبادئها التاريخية والتصرف بحكمة وعقلانية في مواجهة التحديات الإقليمية.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع التركية إنها تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك مبادرات التعاون والبيانات الصادرة عن الأطراف المعنية. وأكد المتحدث باسم الوزارة زكي أكتورك، على التزام تركيا بالحفاظ على الاستقرار وتعزيز الحوار في المنطقة، مشيرًا إلى أن بلاده تدعم الحوار البناء في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط في إطار علاقات التحالف في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لكن أكتورك أضاف أن تركيا لن تتسامح مع أي خطوات تهدف إلى فرض أمر واقع في المنطقة، وأنها ستدافع عن حقوقها ومصالحها بكل الوسائل المتاحة. وشدد على أن موقف تركيا من أمن جمهورية شمال قبرص التركية (غير معترف بها دوليًا) ثابت وواضح.
هل تقترب صفقة تبادل مصالح؟
يرى بعض المحللين أن التوتر الحالي بين إسرائيل وتركيا قد يكون مقدمة لـ صفقة تبادل مصالح، تهدف إلى تهدئة التوترات وتحديد مناطق النفوذ لكل طرف في المنطقة. وتشمل هذه الصفقة المحتملة تنسيقًا إسرائيليًا مع تركيا في غزة، مقابل قبول تركي بدور إسرائيلي في سوريا.
ويشير الخبير الإسرائيلي في الشؤون التركية، ألون ليئيل، إلى أن تركيا تستعد لمواجهة عسكرية محتملة، وأنها تعزز دفاعاتها الجوية وقواتها الجوية. ويرى أن الولايات المتحدة لم تعد تتدخل بقوة في الخلافات الإسرائيلية التركية، وأنها قد تشجع الطرفين على التوصل إلى اتفاق يرضي مصالحهم المتبادلة.
ومع ذلك، لا يزال مستقبل العلاقات بين إسرائيل وتركيا غير واضح، وهناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على مسار هذه العلاقات. من بين هذه العوامل التطورات السياسية في سوريا وغزة، والموقف الأمريكي من القضايا الإقليمية، والنتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة مزيدًا من التحركات الدبلوماسية والتشاور بين الأطراف المعنية، بهدف احتواء التوترات وتجنب أي تصعيد عسكري غير ضروري. وسيبقى الوضع الإقليمي معقدًا ويتطلب مراقبة دقيقة.
