تؤكِّد المصادر الأمنيّة والعسكريّة في دولة الاحتلال أنّ التصعيد الإسرائيليّ الأخير في لبنان، يتِّم بالتنسيق بين الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، وذلك على وقع استيائهما من قدرة الجيش اللبنانيّ والرئيس جوزيف عون بالقيام بالمهمّة نيابةً عنهما، أيْ نزع سلاح حزب الله، ويؤكِّد المحلل العسكريّ في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، أنّ الجولة القادمة بين حزب الله وإسرائيل قد تستمِّر لعدّة أيّامٍ فقط.
وجاء استهداف هيثم علي الطبطبائي، المعروف بـ (أبو علي)، أحد أبرز العقول العسكرية داخل حزب الله، الرجل الثاني في حزب الله والذي لم يكن الأمريكيون والإسرائيليون يمتلكون صورة واضحة له لسنواتٍ طويلةٍ، كواحدةٍ من أكثر الضربات حساسيةٍ منذ اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وبيروت، حيث قدمت دولة الاحتلال غارة اغتيال الطبطبائي بوصفها “محاولة جديدة لإسقاط أحد أهم أعمدة الجهاز العسكري” لحزب الله الذي يحاولون تعظيم قوة الحزب وترميمها.
محاولة الاغتيال الثالثة نجحت
وطبقًا لوسائل الإعلام الصهيونيّة فإن هذه هي المحاولة الثالثة لاغتيال الطبطبائي، إذ ذكرت القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ أنّ “إسرائيل حاولت تصفية الطبطبائي مرتين خلال الحرب، وهذه هي المرة الثالثة”. وقال مكتب نتنياهو إنّ “الجيش الإسرائيلي نفذ هجومًا في قلب بيروت استهدف رئيس أركان حزب الله، الذي كان يقود جهود تعاظم القوة والتسلح داخل التنظيم”.
اغتيال طبطبائي.. لماذا الآن؟
جاء الاغتيال في لحظة دقيقة سياسيًا وأمنيًا بالنسبة للبنان، حيث أعلن نتنياهو قبل أيام صراحة أنّ إسرائيل لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء ترسانته العسكرية مع اقتراب مرور عامٍ على وقف النار.
وبالنسبة لإسرائيل، يمثل طبطبائي أحد الرجال القادرين على إعادة بناء القوة الصاروخية والبنية اللوجستية للحزب، خصوصًا وأنّه كان يمسك بثلاثة ملفات حساسة، وهي قيادة العمل العسكري، وتنشيط خط الإمداد عبر سوريّة، والبنية الأمنية الداخلية. وضربه في هذا التوقيت يعني ضرب القدرة على التعويض، وليس فقط تصفية شخص.
هل تنفجر الحرب مجددًا؟
وبحسب المعلومات، كما أفاد موقع (عربي بوست)، فإنّ القيادة الإيرانية أبلغت لبنان الرسمي، عبر الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القوميّ علي لاريجاني، أنّ التفاوض الجدي مع إسرائيل لم يبدأ بعد، وأنّ الاستعجال في تقديم تنازلاتٍ قد يعزز شهية إسرائيل للمزيد من الشروط. كما تبدي طهران مخاوف من احتمالات تصعيدٍ واسعٍ يشمل لبنان وغزة من جديد، بما قد يفضي في النهاية إلى استهدافها بشكلٍ مباشرٍ.
الموقف الإسرائيليّ
أمّا في إسرائيل، فإنّ “السؤال الرئيسيّ الذي يشغل صناع السياسات الآن هو كيف سيرد حزب الله؟”، وفقًا للخبير بشؤون الشرق الأوسط في جامعة حيفا أماتسيا بارعام، في حديث لصحيفة (معاريف). وأضاف: “السؤال هو إذا ما كان نعيم قاسم سيتمكن من الاستمرار في سياسة ضبط النفس، فالقادة الشباب يريدون الرد علينا بالنار. لذلك، من المستحيل معرفة كيف سيردون”.
ورأى بارعام أنّ “حزب الله لديه 3 خيارات: عدم الرد ومواصلة إعادة بناء نفسه عسكريًا، أوْ مهاجمة المواقع العسكريّة الإسرائيليّة (بجنوب لبنان)، أوْ مهاجمة البلدات الإسرائيلية الحدودية”. واعتبر أنّ “الأقل احتمالاً هو هجوم واسع النطاق على مدن نهاريا وعكا وحيفا، ومهاجمة أهدافٍ خارج إسرائيل ممكنة أيضًا، لكنها ستستغرق وقتًا”.
كيف علق الإعلام العبري على اغتيال الطبطبائي؟
من جهتها، تترقّب إسرائيل ردّ حزب الله المحتمل على اغتيالها الطبطبائي، وتستعّد في الوقت نفسه لشنّ مزيدٍ من الهجمات على لبنان. حيث جاءت عملية الاغتيال في وقتٍ كان يتحدث فيه مسؤولون إسرائيليون منذ أسابيع عن حرب طويلةٍ محتملةٍ أوْ قتالٍ لأيّامٍ.
وقال المراسل العسكري بإذاعة الجيش الإسرائيلي دورون كادوش إنّه “بعد تقييم الوضع بالجيش، يقدر الخبراء أنّ هناك خيارات عدة أمام حزب الله للرد”. وأوضح أنّ هذه الخيارات هي: “أولاً، إطلاق وابلٍ من الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيليّة، ولذلك تم رفع مستوى تأهب منظومة الدفاع الجوي في الشمال. ثانيًا، محاولة تسلل إلى داخل الأراضي الإسرائيليّة أوْ إلى مواقع الجيش الإسرائيليّ في لبنان. وثالثًا، تحريض الحوثيين (في اليمن) لشنّ هجومٍ على إسرائيل، خاصّةً أنّ الطبطبائي كان مقربًا جدا منهم، ويعتقد الجيش الإسرائيليّ أنّ الحوثيين سيحاولون الرد، ورابعًا، ربّما يختار حزب الله عدم الرد”.
وأردف كادوش أنّه “في الوقت نفسه يواصل الجيش الإسرائيليّ الاستعداد لـ “جولة إضعاف حزب الله”، وسيواصل هجماته في لبنان لمنع الحزب من استعادة قوته”. حيث تدعي تل أبيب أنّ “حزب الله” واصل في الأشهر الماضية تعزيز صفوفه وإعادة بناء قوته، رغم هجمات إسرائيل اليومية.
من جهته، أوضح المحلل العسكريّ بصحيفة (يديعوت أحرونوت (يوآف زيتون: “يقول كبار الضباط إنّ الهجوم الإسرائيليّ شبه اليومي لم يوقف التعزيز العسكريّ لحزب الله، كما لم توقفه التوغلات البريّة التي نفذتها قوات فرقة الجليل، وبلغ عددها نحو 1200 توغل خلال العام الماضي”.
ضربة معنوية قاسية لحزب الله
من ناحيته قال الجنرال المتقاعد، كوبي ماروم، في مقالٍ نشره على موقع القناة الـ 12 العبريّة إنّ “اغتيال رئيس أركان حزب الله، يُعتبر ضربةً لمن يقود عملية إعادة بناء قدرات التنظيم، ورسالة إسرائيليّة واضحة وحازمة، مفادها بأنّنا لن نسمح بإعادة بناء القدرات. هناك مبادرة إسرائيلية استثنائية تنطوي على جرأةٍ ومخاطرةٍ محسوبةٍ”.
واختتم: “تتمثل أهداف اغتيال الطبطبائي في توجيه ضربةٍ معنويّةٍ قاسيةٍ للتنظيم، وضرب الشخص الذي قاد جهود إعادة التأهيل وبناء القدرات، بالتنسيق مع رُعاته في طهران، إنّها عملية إحباط تستهدف قائدًا عسكريًا لديه خبرةً واسعةً في مختلف المواجهات مع إسرائيل، في وقتٍ يفتقر زعيم التنظيم نعيم قاسم إلى خبرةٍ مشابهةٍ”.
