أثار مقترح قانوني مصري لتغليظ عقوبة سرقة الكهرباء جدلاً واسعاً بين أوساط المشرعين والمواطنين، حيث يهدف التعديل إلى ردع المخالفين وتقليل الفاقد من الطاقة، لكن البعض يرى أن العقوبات المقترحة قد تكون مبالغاً فيها وغير متناسبة مع حجم المخالفة في بعض الحالات. وقد وافق مجلس الشيوخ على المشروع، الذي ينتظر الآن مراجعة مجلس النواب الجديد.
يهدف التعديل، الذي قدمته الحكومة المصرية وأقرّه مجلس الشيوخ، إلى تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر عام 2015، وذلك في ظل تزايد حالات التلاعب بالعدادات والوصلات غير القانونية، مما يؤثر سلباً على شبكة الكهرباء القومية ويزيد من تكاليف الإنتاج.
تغليظ العقوبات ومخاوف من عدم التناسب
بموجب التعديلات المقترحة، ستواجه حالات تسهيل سرقة الكهرباء أو التستر عليها عقوبات أشد، حيث تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن عام وغرامة تتراوح بين 100 ألف جنيه ومليون جنيه، بدلاً من العقوبات الأقل التي كانت مفروضة سابقاً. كما تضاعف الغرامات على مرتكبي السرقة بشكل مباشر.
ويرى منتقدو القانون أن هذه العقوبات قد تكون قاسية على المواطنين البسطاء الذين يضطرون إلى التلاعب بالعدادات بسبب عدم قدرتهم على تحمل فواتير الكهرباء المرتفعة أو بسبب ضعف الخدمات المقدمة في مناطقهم. وطالبوا بضرورة التمييز بين المخالفات الجسيمة وتلك التي ترتكب بدافع الضرورة أو بسبب الجهل بالقانون.
تباين الآراء في مجلس الشيوخ والنواب
أعرب ناجي الشهابي، عضو مجلس الشيوخ ورئيس حزب الجيل الديمقراطي، عن اعتراضه على التعديلات، مشيراً إلى أنها لا تراعي الظروف المختلفة للمخالفين. وأضاف أن العقوبة يجب أن تتناسب مع حجم الضرر الناتج عن السرقة ونوع المستهلك (سكني، تجاري، صناعي).
في المقابل، دافع وزير الشؤون النيابية، محمود فوزي، عن التعديلات، مؤكداً أنها تهدف إلى حماية شبكة الكهرباء القومية وتقليل الفاقد من الطاقة. وأشار إلى أن القانون يتضمن مادة خاصة بالتصالح مقابل دفع غرامات مالية، مما يتيح للمخالفين فرصة لتجنب العقوبات الجنائية.
كما أشار بعض النواب إلى أن القانون قد يفتح الباب أمام مبالغات في تقدير قيمة الاستهلاك المسروق، مما قد يؤدي إلى فرض غرامات باهظة على المواطنين. وطالبوا بوضع آليات واضحة لضمان عدالة التقدير وتجنب أي تجاوزات.
أسباب زيادة حالات سرقة الكهرباء
تزايدت حالات سرقة الكهرباء في مصر خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب عدة عوامل، منها ارتفاع أسعار الكهرباء، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وضعف الرقابة على شبكة الكهرباء. وتشير تقديرات وزارة الكهرباء إلى أن الفاقد من الطاقة بسبب السرقة والتلاعب يتجاوز 22 مليار جنيه سنوياً.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت بعض الممارسات غير القانونية في تفاقم المشكلة، مثل تركيب العدادات الذكية بشكل عشوائي وعدم ربطها بنظام مركزي للمراقبة، مما يتيح للمخالفين فرصة للتلاعب بالبيانات وإخفاء حجم الاستهلاك الفعلي.
وتعتبر مشكلة سرقة الكهرباء من التحديات التي تواجه الحكومة المصرية في سعيها لتحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة وتوفير خدمات كهربائية موثوقة للمواطنين. وتتطلب معالجة هذه المشكلة اتخاذ إجراءات شاملة تتضمن تشديد الرقابة، وتغليظ العقوبات، والتوعية بأضرار السرقة، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
الخطوات القادمة والمستقبل
من المتوقع أن يبدأ مجلس النواب الجديد مناقشة مشروع القانون في أقرب وقت ممكن، بعد تشكيله في يناير القادم. ومن المرجح أن يشهد المشروع جدلاً واسعاً خلال المناقشات البرلمانية، حيث من المتوقع أن يقدم النواب تعديلات جديدة تهدف إلى تحقيق التوازن بين ردع المخالفين وحماية حقوق المواطنين.
وفي حال إقرار القانون من قبل مجلس النواب، فإنه سيتم نشره في الجريدة الرسمية والدخول حيز التنفيذ بعد ذلك. وسيكون من المهم متابعة كيفية تطبيق القانون على أرض الواقع وتقييم مدى فعاليته في تحقيق أهدافه المعلنة.
كما يجب على الحكومة المصرية الاستمرار في جهودها لتحسين شبكة الكهرباء وتقليل الفاقد من الطاقة، بالإضافة إلى العمل على توفير مصادر طاقة بديلة ومتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض تكاليف الإنتاج. وتعتبر هذه الإجراءات ضرورية لتحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة وضمان توفير خدمات كهربائية موثوقة وبأسعار معقولة للمواطنين.
