وأنا أدنو من عتبة النهاية، وأصبحت كجذع شجرة يابسة، وقد نشفت عروقها وتهدلت منها الأغصان، ألا أنني في الميعاد المحدد كل شهرين ألملم بعضي قاصدا عيادة التأمين الصحي الشاملة بديروط للحصول علي علاجي الشهري من عقار ( الأنسولين)، متكبدا عناء الانتقال من بيتي إلي مقر العيادة !
صباح يوم الخميس ١٠/ ٧ وبعد طول انتظار وسط ازدحام المواطنين واندفاعاتهم لتسجيل بطاقتي الصحية بعدها إنحشرت بين أجساد المرضي من المسنين وأرباب المعاشات في صالة ضيقة أمام غرفة طبيب العيادة منتظرا تسجيل العلاج ببطاقتي لصرفه من صيدلية العيادة، ظللت احدق في الوجوه الشاحبة التي تنتظر دورها مثلي، لاحظت كثيرا منهم يذرفون صامتين ماتيسر من دمع مآقيهم، أو شهقات صدورهم، ودقات قلوب تتسارع لتنذر بضرورة أخذ قسط من الراحة، إسترجعت أيام الشباب الاولي أيام البذل والعطاء حينما كنت متوهما بأن الدولة ستقيم لي وزنا بعد كل هذا الكدح والعطاء، ثم أنتبهت فزعا لنداء موظف العيادة وبلهاث مستعر صعد إلى الأعلى:
يا جماعة لا يوجد أنسولين هذا الشهر !!
ثم هب مسرعا، بكل ما أوتي له من علو الصوت مناديا علي إسمي بنحو يثير البؤس والسخرية:
(بطاقتك الصحية منتهية الصلاحية يا حاج وتحتاج إلي تجديد، إذهب إلي مدينة القوصية لتجديدها بالعيادة الشاملة هناك).
لا أستطيع أن أصف لكم ماأعتراني من خيبة وغضب ومرارة، بعدأسقط في يدي قول الموظف، لا سيما وأن مدينة القوصية تبعد عن مدينتي ديروط عشرات الكيلو مترات، حاولت الإستفسار من الموظف عن الإجراءات المطلوبة لتجديد البطاقة ومكان تجديدها ؟. للأسف لم يبدي سعة بال مقابل أسئلتي، بل كان كالطاووس المكتمل ( طاووسية ) نافشا بأعتداد كبير، ريش جناحيه، لايرد علي أحد، انفطر قلبي ولم أملك سوى أن غادرت العيادة، كمن لدغته أفعي، بلا سلام أو كلام او علاج !
كان من باب اولي أن توجد خطوات تجديد البطاقة المنتهية، وعنوان مكان تجديدها بالتفصيل مدونة في لوحة إرشادية معلقة علي إحدي جدران العيادة، حتي لا يصطدم صاحب البطاقة بطول الإجراءات، وطول الطوابير وقصر المرونة لدى الموظفين هناك .
او أضعف الإيمان ان تقوم عيادة التامين الصحي بديروط بتوفير علي المسنين وأرباب المعاشات عناء الانتقال من ديروط إلي القوصية بتكليف موظف يقوم بجمع البطاقات المنتهية والذهاب بها إلي مكان تجديدها طواعية مقابل مبلغ رمزي ،وإن لم يتوفر هذا ولا ذاك فيجب أن تقوم هيئة التأمين الصحي بتجديد البطاقات منتهية الصلاحية (أوتوماتيكيا) أسوة بالبنوك والنقابات العمالية التي تقوم بتجديد كروت ( الفيزا كارد ) ويذهب صاحبها لإستلامها عندما تصله رسالة علي هاتفه بذلك!
فيا سادة أرباب المعاشات أولي بالرعاية اللازمة حيث أرواحهم معتلة نفسياً وأجسادهم منهوكة القوي، انهكتها أمراض الشيخوخة، إذ لا شك أنهم لم يودّوا أن ينتهي بهم المصير هكذا!
يوسف القاضي
مدير مدرسة ديروط الثانوية الصناعية بنين سابقا وحاليا بالمعاش
إخلاء مسؤولية إن موقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”
المصدر :” almessa “