في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 23 شهرا على قطاع غزة، التي تترافق مع سياسة تجويع ممنهجة تمارسها دولة الاحتلال، نتابع بقلق بالغ ورفض قاطع المحاولات الرامية إلى التشويش على جوهر القضية الفلسطينية، وتضليل الرأي العام العربي والدولي عبر حملات استهداف مسيّسة تطال دولًا عربية شقيقة، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، اللتين لم تدّخرا جهدًا في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ووقف الجرائم المرتكبة بحقه على مختلف المستويات، بما في ذلك جهود مواجهة مخططات التهجير، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز صمود أبناء شعبنا في قطاع غزة.

وفي هذا السياق، نُعرب عن استنكارنا الشديد لما أُعلن مؤخرًا بشأن تقديم مكتب محاماة في مدريد، نيابةً عن جهة تُدعى “تنسيقية دولية تضم نشطاء ومؤسسات”، شكوى إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدد من كبار المسؤولين المصريين، بزعم التواطؤ في جريمة التجويع الممنهج لسكان قطاع غزة.

وإذ نُثمن عاليًا الجهود الحثيثة والمواقف الواضحة التي يبذلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصيًا في دعم القضية الفلسطينية، ومساعيه المتواصلة لوقف العدوان وتخفيف معاناة المدنيين، فإننا نؤكد في الوقت ذاته احترامنا لكل الجهود الحقوقية الجادة التي تسعى إلى ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب. غير أن هذه الخطوة تحديدًا تُعدّ انحرافًا خطيرًا عن الحقيقة والواقع القانوني والسياسي، وذلك للأسباب التالية:

1. الاحتلال الإسرائيلي هو الجهة الوحيدة المسؤولة قانونيًا عن جريمة الحصار والعقوبات الجماعية وحرب التجويع الممنهجة المفروضة على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، الذي يُحمّل قوة الاحتلال واجب ضمان دخول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية إلى السكان المدنيين دون تأخير.
2. الاحتلال هو المسؤول عن إغلاق معبر رفح البري – المنفذ الوحيد لقطاع غزة – عبر عدوانه على مدينة رفح واحتلاله للمعبر، ومنعه لمرور قوافل الإغاثة ورفضه فتح ممرات إنسانية آمنة. وهذه وقائع موثقة لا يمكن إنكارها أو التغطية عليها من خلال اتهامات باطلة تستهدف الدولة المصرية وقيادتها.
3. الشكوى المذكورة تأتي ضمن حملة سياسية مكشوفة تهدف إلى تبرئة الاحتلال وتشويه الدور التاريخي والمحوري لمصر في دعم القضية الفلسطينية، فضلًا عن السعي لإرباك الجهود المكثفة التي تبذلها القاهرة على المستويات كافة من أجل إنهاء العدوان ورفع الحصار الظالم.
4. الدولة المصرية ومعها الدول العربية تبذل جهودًا ملموسة ومتواصلة لوقف الحرب على غزة، وفي مقدمتها مبادرات التهدئة التي تهدف إلى حماية الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم الإنسانية.
5. العلاقة التاريخية بين الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تُعدّ ركيزة استراتيجية في مسار النضال الوطني الفلسطيني، وعمقًا لا غنى عنه في مواجهة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني.
6. محاولات التحريض وتشويه الدور العربي والمصري لا تخدم سوى الاحتلال وأجهزته، التي تسعى عبر أدوات مشبوهة إلى تفتيت الصف العربي وضرب التضامن مع الشعب الفلسطيني، تحت غطاء شعارات مضللة لا تعود سوى بالضرر على قضيتنا.

إن هذا التحرك المريب، الصادر عن جهة لا تتمتع بأي حضور فعلي أو مصداقية في المشهد السياسي والحقوقي الفلسطيني، يثير علامات استفهام جدّية، خاصةً أنه يأتي في توقيت تتعزز فيه الجبهة القانونية الدولية الداعمة للحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد سياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها “إسرائيل”.

ختامًا، نؤكد على ضرورة توجيه الجهود الدبلوماسية والقانونية والحقوقية نحو المسار الصحيح، الذي يتمثّل في محاسبة مجرمي الحرب الحقيقيين من قادة الاحتلال، لا سيّما بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت. ونُطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بعدم الالتفات إلى مثل هذه الشكاوى التي يتم توظيفها في سياقات سياسية منحرفة، هدفها صرف الأنظار عن الجريمة الكبرى التي يتعرض لها شعبنا في قطاع غزة، وتشويه الجهات التي ما زالت تقف إلى جانبه في معركة البقاء.

صادر عن: شخصيات اعتبارية ومجتمعية وحقوقية فلسطينية

شاركها.