يشكّل القرار الأميركي بحظر جماعة الإخوان المسلمين نقطة تحوّل في مستقبل الحركات الإسلامية سياسيًا على مستوى العالم، وتبرز حركة حماس في قلب هذه المتغيرات. جاء القرار في ذروة الدمار الواسع الذي يتعرض له قطاع غزة، ليمنح اليمين المتطرف والصهيونية الدينية أداة إضافية لتصوير حركات المقاومة الفلسطينية بوصفها جزءًا من “شبكة تطرف عالمية”، بدلًا من كونها حركات مقاومة للاحتلال.
الهدف واضح: نزع الشرعية عن الحركات الوطنية ذات الجذور الإسلامية، وتجريد الفلسطينيين من الأساس السياسي والأخلاقي لقضيتهم.

بالنسبة إلى حماس، فإن التحدي الراهن ليس عسكريًا أو إنسانيًا فقط؛ بل هو صراع على السردية. على الحركة أن تمنع خصومها من حصرها في قالب أيديولوجي ضيق، وأن تعيد توجيه الأنظار إلى جوهر القضية: الأرض والاقتلاع وحق شعبٍ يخضع لمشروع استيطاني استعماري يريد محو وجوده الوطني.

إعادة صياغة الهوية السياسية

يتعيّن على حماس أن تخاطب العالم باعتبارها حركة تحرر وطني تستلهم قيمها من الإسلام، لا باعتبارها فرعًا لحركة عابرة للحدود. هذا التفريق أساسي لأنه يطمئن الجمهور العربي والإسلامي والدولي إلى أن أهداف الحركة ترتبط مباشرة بالتجربة الفلسطينية: حماية الشعب، مقاومة الاحتلال، والمطالبة بحقوق يكفلها القانون الدولي.

هذه المقاربة تُبعد النقاش عن خطاب التخويف الديني، وتعيد تركيزه على حقائق الأرض: الاحتلال العسكري، والاستيطان غير القانوني، والحصار، ومحاولات تحييد كل أشكال الفعل السياسي الفلسطيني.

تحالفات أوسع من أجل العدالة

لمواجهة العزلة، تستطيع حماس بناء تحالفات جديدة داخل الساحة الفلسطينية ومع القوى الوطنية واليسارية، لتقديم جبهة موحّدة تُفشل تصوير الصراع كصدام ديني. كما أن الانفتاح على الجماعات اليهودية المناهضة للصهيونية، والشبكات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، يساعد في إعادة توصيف القضية: من “تهديد أمني” إلى “نضال ضد الاستعمار والتمييز”.

مثل هذه التحالفات تكسر الثنائية التي يحاول الاحتلال فرضها، وتُظهر أنّ معارضة السياسات الإسرائيلية لا تنبع من الدين، بل من مبادئ إنسانية كونية.

خطاب دبلوماسي لجمهور دولي

مع احتفاظ الحركة بحقها القانوني في مقاومة الاحتلال، يبقى من المفيد اعتماد خطاب سياسي دبلوماسي عند مخاطبة العالم. لغة هادئة ومرتكزة إلى الحقوق تعزّز صورة الحركة كفاعل سياسي رشيد، وتُضعف محاولات تصويرها كجماعة خارجة عن الشرعية. كما يفتح هذا الخطاب مساحات لحوار دولي يحتاجه الفلسطينيون أكثر من أي وقت.

ترسيخ النضال في إطار القانون الدولي

من خلال تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وربط خطابها بالإطار القانوني الدولي، تعيد حماس وضع النقاش في ساحةٍ تفتقر فيها إسرائيل إلى المبررات. هذا النوع من الخطاب يسلّط الضوء على المشروع الاستيطاني الذي يهدف لإلغاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، ويكشف الطابع السياسي للدفع الدولي نحو تجريم الحركات الإسلامية.

خلاصة

مرحلة ما بعد حظر الإخوان هي اختبار لصلابة رواية حماس وقدرتها على حماية هويتها الإسلامية-الوطنية وسط موجات التشيطن الدولي. وللنجاح في ذلك، تحتاج الحركة إلى:

تأكيد هويتها كحركة تحرر وطني تستند إلى قيم إسلامية.

بناء تحالفات فلسطينية وعربية ودولية أوسع.

تبنّي خطاب سياسي حقوقي يرسّخ شرعية المقاومة.

تعزيز عمقها العربي والإسلامي عبر انفتاح دبلوماسي وحضور سياسي محسوب.

بهذه المقاربات، تستطيع حماس مواجهة الضغوط، والحفاظ على هويتها الوطنية والدينية، وترسيخ دورها المركزي في نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والكرامة وتقرير المصير.

شاركها.