بعد انسحاب جولاني والمظليين.. من تبقى للقتال في غزة؟
لم تمض أيام على حديث جنرال سابق في جيش الاحتلال عن فقدان لواء جولاني لربع قواته في غزة، حتى أعلن يوم أمس سحب عناصر اللواء من القطاع.
وأعلن لاحقا جيش الاحتلال سحب كتائب من لواء المظليين الذي يعمل شمالي غزة وجنوبها لإعادة تنظيم صفوفه.
وتعتبر ألوية جولاني والمظليين وجفعاتي، رأس حربة جيش الاحتلال في غزة، ومن أعلى القوات تدريبا وأفضلها تجهيزا، ومنها يتكون العمود الفقري لقوات النخبة.
شاركت الألوية الثلاثة منذ بدء الاجتياح البري، وناور بها الاحتلال في عدة محاور، بدءا من بيت حانون وطول خط الساحل، وصولا إلى الشجاعية الذي تلقى فيه لواء جولاني ضربات مميتة قتلت العشرات من ضباطه وجنوده.
انسحاب تحت النار
كان الإعلان عن سحب لواء جولاني الذي توعد عدة مرات قادته بمحو غزة، وتحديدا الشجاعية التي سبق أن سُحق فيها اللواء عام 2014, بمثابة هزيمة عسكرية بالنظر إلى خسائر اللواء خلال الأيام الماضية.
يقول الخبير العسكري اللواء فايز الدويري، إن انسحاب اللواء يؤكد أنه خسر في الحد الأدنى 40 بالمئة من قوته، ولم يعد بإمكانه مواصلة القتال.
وكان مشهد رقص الجنود فرحا بقرار سحبهم من المعارك دليلا لا يقبل الشك عن ضراوة القتال في غزة، وعن الخسائر الفادحة التي تلقاها اللواء.
والأحد الماضي، قال قائد لواء جولاني الأسبق موشيه كابلنسكي، إن اللواء خسر منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ربع قواته بين قتيل وجريح، إذ قتل 82 ضابطا وجنديا.
وأضاف في لقاء مع القناة 12 العبرية، “لقد زرت مقر جولاني هذا الأسبوع في ظل الحدث الكبير، واطلعت على مدى صعوبة الحرب وتعقيداتها، وسمعت الأصوات حول المشاكل التي يواجهها الضباط في ميدان القتال. هناك يحاربون في ظل عوامل كثيرة، من ضمنها كثافة كبيرة، والتي نحن نعرف جزءاً منها، فالوضع يصبح أكثر تعقيداً بين الركام وأمام منظمة تواصل القتال ولم تنكسر”.
وبحسب الخبير العسكري العراقي حاتم الفلاحي، “فإن اللواء يصل تعداده إلى 2500 جندي، بمعنى أن خسائره تتجاوز الـ 500 جندي بين قتيل وجريح، وعندما يكون تشكيل اللواء رباعيا فإن خسائره تكون أكبر”.
وأضاف في مقابلة مع قناة الجزيرة، “أن هذه الحصيلة دلالة واضحة على أن الاحتلال لا يكشف الحصيلة الحقيقية لقتلاه، فهذه الخسائر بهذا الحجم تعتبر كبيرة جدا، للواء يعتبر من النخبة والألوية الخاصة المتدربة على القتال في مناطق هامة، وتستخدمه قيادة جيش الاحتلال في المعارك العنيفة والمعقدة”.
وتابع، “إذا كانت الألوية، المدربة هذه خسائرها، فما بالك بغيرها من الألوية والفرق الأقل تدريبا وتجهيزا، كما أن هذه الحصيلة ستؤثر على ما تبقى من القوة القتالية لهذا اللواء خصوصا إذا كانت الخسائر في الضباط والقادة”.
وتأسس اللواء في شباط/ فبراير 1948، وشارك في معارك عديدة، ويعد أول الألوية التي انضمت إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، لذلك يحمل أيضا اسم “اللواء 1″، وينتمي إلى سلاح المشاة، ويعتبر من قوات النخبة.
وبلغت حصيلة قتلى جيش الاحتلال المعلن عنها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى اليوم الجمعة 471 قتيلا، بينهم 144 منذ بدء التوغل البري بالقطاع، غالبيتهم العظمى من قوات النخب النظامية والاحتياط.
جحيم غزة
وكان هجوم الثالث عشر من الشهر الجاري هو الأقسى الذي يعلن عنه الاحتلال إذ قتل 10 ضباط من اللواء بينهم قادة كتائب في كمين محكم للقسام بحي الشجاعية، ما مثل صدمة في أوساط دولة الاحتلال.
ووصف موقع “واللا” العبري ما حدث في الشجاعية بـ”المعركة الصعبة”، إذ تعرضت قوات الاحتلال فيه لكمين مركب، أودى بحياة القوة المهاجمة والقوة التي قدمت للمساعدة والإنقاذ.
أما لواء المظليين فإن اعترافات جيش الاحتلال التي تخرج يوميا عن خسائره في غزة، أظهرت تعرض اللواء لخسائر فادحة، حيث أعلن منتصف الشهر الماضي عن مقتل نائب قائد سرية في الكتيبة 202 من لواء المظليين، خلال معارك شمال قطاع غزة، بالإضافة لجنديين اثنين وعدة إصابات.
وتأسس لواء “المظليين” عام 1955، وهو لواء مظلي نظامي في الجيش، وجزء من المشاة ويتكون من أربع كتائب، ويتحرك باستخدام طائرات مروحية وسفن مرنة ومركبات أخرى خاصة حسب طبيعة النشاط ومسار التضاريس.
وخلال الأيام الماضية كان لواء جولاني والمظليين يخوضان معارك ضارية قي القطاع، حتى عمد جيش الاحتلال لإخراج المئات من الجنود من مناطق القتال للمناطق الحدودية، بهدف العلاج النفسي من الصدمات التي عانوها خلال الحرب، بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية.
وذكرت الصحيفة أن سحب قوات النخبة، لا سيما لواء جولاني، يعكس حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها القوات، وكذلك عدم جدوى الاستشارة النفسية التي كانت تقدم للجنود خلال المعارك.
ووفقا للصحيفة، فإن المعالجة النفسية لم تستطع رفع المعنويات القتالية للجنود وإعادتهم للمعارك البرية، في حين يسعى جيش الاحتلال لتحديد الحالات التي قد تتطور إلى اضطراب ما بعد الصدمة المزمنة، والتي قد تؤدي إلى الاكتئاب والانتحار.
وذكرت صحيفة هآرتس في وقت سابق، أن ثمة فجوة كبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي يعلنه جيش الاحتلال وبين أرقام الجرحى من الجنود وفق القوائم الجزئية التي أعلنتها المستشفيات التي استقبلت الجنود الجرحى منذ أول أيام الحرب، والتي بلغت حوالي 4591.
ومطلع الشهر الجاري، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن أن عدد الجنود الجرحى يصل لنحو خمسة آلاف جندي، في تقرير حذف بعد ساعات من نشره في موقع الصحيفة الإلكتروني.
يقول الخبير الأمني التركي متى يارار، “إنه لو اعتمدنا حديث الضابط الإسرائيلي قبل يومين عن خسائر الجيش التي وصلت لـ 1375 جنديا ورقم الجرحى الذي كشفته الصحف العبرية قبل أيام، فهذا يعني أن عدد الجنود الذين خرجوا من الخدمة يصل لقرابة 8000 جندي”.
وأضاف في مقابلة مع قناة “خبر غلوبال” التركية، “أن يتعرض جيش لتحييد 8000 من جنوده وهو جيش عالي التكنولوجيا ويستخدم أقوى الدبابات عالميا خلال شهرين من بدء العمليه البرية فهذه خسارة ضخمة”.
وتابع، “أن هذا الرقم كبير جدا بالنسبة لجيش مثل جيش الولايات المتحدة فما بالكم بدولة صغيرة الحجم وعدد السكان كإسرائيل، خصوصا أن هذه الخسائر في قوات النخبة التي يستغرق تدريبها سنين طويلة”.
القوات المتبقية
حشد الاحتلال 5 فرق عسكرية لمعركة غزة، بمشاركة نحو 600 ألف جندي، يتوزعون على ألوية النخبة وقوات المشاة بالإضافة إلى الفرق المدرعة وكتائب الدبابات.
ومع انسحاب لواء جولاني وكتائب من المظليين ومن لواء المدرعات، فقد أخليت الساحة للمقاومة للتنكيل بقوات المشاة التي تكون بطبيعة الحال أقل تدريبا من مثيلاتها في النخبة، التي لم يتبق منها في غزة سوى لواء جفعاتي.
ويعتبر جفعاتي لواء مشاة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث أنشئ أواخر عام 1947 عبر منظمة الهاغاناه، ثم أصبح جزءًا من جيش الاحتلال، ويتبع فرقة الصلب، وهي فرقة مدرعة تتبع للقيادة الجنوبية.
وشارك اللواء في مختلف معارك دولة الاحتلال على شتى الجبهات، كما يتهم بارتكاب جرائم حرب في المناطق التي قاتل فيها.
ويتكون اللواء من عدة كتائب أهمها، كتيبة “شاكيد” و”تسابار” و”روتم” وكتيبة الاستطلاع “شولاي شيمشون”.
وتركزت مشاركة اللواء في الحرب الجارية ضمن القوات التي اجتاحت قطاع غزة بهجوم بري، وقد قتل عدد من جنوده وفق اعترافات الاحتلال.
وفي مطلع الشهر الماضي أعلن جيش الاحتلال مقتل تسعة من جنوده منهم سبعة من لواء جفعاتي كانوا في مدرعة “النمر” إثر استهدافها من قبل كتائب القسام بصاروخ موجه من طراز “كورنيت”.
وفي ذات السياق ذكرت وسائل إعلام عبرية، أن جيش الاحتلال دفع بالمزيد من قوات الفرقة 98 المظلية داخل غزة بعد انسحاب لواء جولاني.
والثلاثاء الماضي أعلن المتحدث العسكري لجيش الاحتلال دانيال هاغاري، أن الجيش أضاف كتيبة كاملة وقوات هندسة “لمواصلة تعميق العمليات في خانيونس جنوبي القطاع”.
وحول ذلك قال العقيد التركي ورئيس قسم المعلومات في هيئة الأركان التركية “دورسون تشيشك”، “إن إسرائيل أدخلت لواء الاحتياط وكتيبة الهندسيين لساحة المعركه لسببين، الأول أن إسرائيل ربما تعتقد أنها ستتعرض لضغوط بشأن إيقاف عملياتها الموسعة بعد رأس السنة لهذا ألقت بكل ثقلها وقوتها في غزة حاليا”.
وأضاف في مقابلة مع قناة “خبر غلوبال” التركية، “أن السبب الثاني، لإدخال لواء الاحتياط لساحة المعركة هو عدم كفاية القوات المتواجدة على الأرض”.