: ببساطة! بقلم د.هيثم زكي

البساطة هي فلسفة حياة تقوم على تقليل التعقيد والتخلص من كل ما هو زائد عن الحاجة. هي اختيار العيش بوعي، والتركيز على الأشياء الأساسية التي تجلب السعادة والرضا. تساعد البساطة في تقليل التوتر والقلق الناجم عن كثرة الالتزامات والمهام. عندما نتخلص من المشتتات، نصبح أكثر تركيزًا وإنتاجية. البساطة تساعدنا على تخصيص المزيد من الوقت والجهد للعلاقات المهمة. عندما نتخلص من كل ما هو زائد، نصبح أكثر وعيًا بأنفسنا ورغباتنا الحقيقية. البساطة هي قيمة مهمة في الدين والذي يشجع على العيش ببساطة وتجنب التكلّف والمبالغة. النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قدوة في البساطة، حيث كان يعيش حياة متواضعة ويحث أصحابه على فعل الشيء نفسه.

مبدأ أوكهام

 من هنا ظهر مبدأ أوكهام هو مبدأ يقترح أنه عند مواجهة تفسيرات متعددة لظاهرة ما، فإن التفسير الأبسط هو عادةً التفسير الصحيح. سمي هذا المبدأ على اسم ويليام أوكهام، الفيلسوف من القرن الرابع عشر الذي يُعتقد أنه ابتكره. كان يعتقد أن البساطة هي المفتاح لفهم العالم من حولنا. صحيح! مبدأ أوكهام هو مبدأ له قيمته في كل من الفلسفة والعلم حيث إنه يقترح بشكل أساسي أن التفسير الأبسط، الذي يحتوي على أقل عدد من الافتراضات، هو الأفضل عادةً. لقد تم استخدام هذا المبدأ لتوجيه التفكير وحل المشكلات عبر مختلف المجالات لعدة قرون. فقد توصل العديد من الأشخاص، بما في ذلك ألبرت أينشتاين وإسحاق نيوتن، إلى قواعد مماثلة، ولكن يُنسب ذلك عمومًا إلى أوكهام لأنه استخدم المبدأ بمنطق حاد مثل الشفرة لذا يسمى المبدأ بشفرة أوكهام. يمكن تطبيق هذا المبدأ في العديد من مجالات العلم والمنطق. إذا كان هناك برنامجان يقومان بنفس الوظيفة، على سبيل المثال، فإن البرنامج الأقصر، الذي يحتوي على عدد أقل من الأكواد التي يمكن أن تخطئ، هو الأفضل على الأرجح. أو إذا كنت طبيبًا وجاءك مريض يشكو من انسداد في الأنف، فمن المرجح أن يكون لديه نزلة برد شائعة بدلًا من اضطراب نادر في الجهاز المناعي. كما يُقال أحيانًا لطلاب الطب، “عندما تسمع صوت حوافر، فكر في الخيول، وليس في الحمير الوحشية. كذا يمكن تطبيق مبدأ أوكهام أيضًا على العلاقات، عند محاولة فهم سبب تصرف شخص ما بطريقة معينة، من السهل التوصل إلى تفسيرات معقدة تتضمن دوافع خفية أو مشكلات نفسية. ومع ذلك، غالبًا ما يكون التفسير الأبسط هو الصحيح. على سبيل المثال، إذا كان شريكك دائمًا متأخرًا على العشاء، فقد يكون التفسير الأبسط هو أنه سيئ في إدارة الوقت بدلًا من أنه يحاول إزعاجك عمدًا. أو كما ينص مبدأ التصميم KISS للبحرية الأمريكية، “اجعلها بسيطة، يا غبي” الرجاء المعذرة لكن هكذا يقولون. 

البساطة عامل مهم في اتخاذ القرارات

البساطة عامل مهم في اتخاذ القرارات. في كثير من الحالات، يكون الحل الأبسط هو الأفضل. ذلك لأن الحلول البسيطة غالبًا ما تكون أسهل في التنفيذ، وأسهل في الفهم، وأقل عرضة للعواقب غير المقصودة. عند مواجهة قرار، من المهم النظر في أبسط حل ممكن. هذا يعني استبعاد الحلول المعقدة التي تتضمن افتراضات متعددة أو التي تتطلب الكثير من الموارد لتنفيذها. من خلال التركيز على أبسط حل ممكن، يمكنك توفير الوقت والمال والجهد. يمكنك التفكير في الأمر من حيث نظرية الاحتمالات الأساسية. يمكن إسناد احتمال حدوث لكل شيء. وبالتالي، فإن أي افتراضات تضيفها إلى نظريتك تقدم احتمالات إضافية للخطأ، وإذا لم يكن الافتراض يحسن دقة النظرية، فإنه يزيد فقط من احتمال أن تكون النظرية خاطئة.

ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن البساطة لا ينبغي أن تكون العامل الوحيد الذي تأخذه في الاعتبار عند اتخاذ القرار. هناك العديد من الحالات التي يكون فيها الحل المعقد ضروريًا، مثل التعامل مع مشكلة معقدة تتطلب خطوات متعددة لحلها. في هذه الحالات، من المهم موازنة الفوائد والعيوب لكل حل قبل اتخاذ القرار. يمكنك أيضا تطبيق مبدأ أوكهام في حياتك اليومية، حدد المشكلة أو الموقف الذي تحاول فهمه، قم بإعداد قائمة بجميع التفسيرات الممكنة للمشكلة أو الموقف، قم بترتيب التفسيرات من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا ثم فكر في التفسيرات الأكثر وضوحًا والأبسط أولًا. من خلال استبعاد الحل الأكثر تعقيدًا، يمكنك التركيز على الحلول الأبسط، حيث إن كثرة الخيارات يمكن أن تؤدي إلى عدم اتخاذ قرار. إذا لم ينجح التفسير الأبسط، انتقل إلى التفسير الأبسط التالي. استمر في هذه العملية حتى تجد حلًا يعمل.

من المهم أن ندرك، مع ذلك، أن مبدأ أوكهام هو ليس أكثر من مجرد إرشاد منطقي وليس قانونًا ولا يصف التبسيط المفرط، وإذا كانت هناك نظرية أكثر تعقيدًا متاحة تفسر الحقائق بشكل أفضل، فيجب تفضيل النظرية الأكثر تعقيدًا. كما هو الحال دائمًا مع العلم، يجب أن تنتصر الأدلة التجريبية. حذر كريك، المشارك في اكتشاف بنية الحمض النووي، من أن “البساطة والأناقة” لمبدأ أوكهام ليست مناسبة جيدًا لعالم البيولوجيا الفوضوي. على سبيل المثال، نظرية التطور الدارويني عن طريق الانتقاء الطبيعي هي نظرية أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد القول بأن جميع الحيوانات هي نتاج خالق إلهي، ولكن في النهاية، تتناسب مع الحقائق كما نعرفها بشكل أفضل.

يعتمد مبدأ أوكهام على الافتراض بأن التفسير الأبسط هو عادةً التفسير الصحيح. ومع ذلك، فإن هذا الافتراض ليس صحيحًا دائمًا. هناك العديد من الحالات التي يكون فيها التفسير المعقد ضروريًا لشرح ظاهرة معينة. أخيرًا، مبدأ أوكهام هو مبدأ ذاتي. ما يعتبره شخص ما التفسير الأبسط قد لا يكون الأبسط لشخص آخر.

ختاما” كن بسيطا” في حياتك بما يساعدك على التركيز على الأمور الأساسية وتجنب التعقيدات غير الضرورية، كن بسيطا” لأن البساطة تعني الصدق والوضوح في التواصل، مما يبني علاقات قوية ومستدامة، هي العيش بطريقة متواضعة وتقدير الأشياء الصغيرة في الحياة، مما يجلب السعادة والرضا. كما قال أحد الحكماء: “البساطة هي في الواقع وفي كثير من الأحيان علامة على الحقيقة، ومعيار للجمال”.

أ.د./هيثم زكي

أستاذ جامعي ومهتم بالقضايا المجتمعية