ايكون مول.. حين رقصت رام الله على جراح غزة

وطن في مشهد يفوق الخيال قسوة، ويرمز إلى واحدة من أعمق لحظات الانفصال الشعبي والمعنوي بين الضفة وغزة، احتفلت رام الله مؤخرًا بافتتاح مجمع “Icon Mall”، أحد أفخم المراكز التجارية في الأراضي الفلسطينية، وسط أجواء من الرقص والموسيقى وحضور رسمي، في الوقت الذي تموت فيه غزة جوعًا وتُباد تحت القصف.
هنا في رام الله، تُطلق الزغاريد وتُرفع الأضواء في وجه عدسات الكاميرا. وهناك، على بعد ساعة ونصف فقط، تُقصف المستشفيات، يُحتجز الجرحى بلا علاج، وتُدفن الأجساد تحت الأنقاض. أكثر من 550 يومًا من المجازر، آلاف الشهداء، أطفال يموتون من الجوع، ومجازر تُبث على الهواء مباشرة.
وفيما قُصفت المستشفى العربي المعمداني مجددًا، ومع استمرار منع إدخال شاحنات الإغاثة إلى القطاع، علت أنغام الدبكة واحتفل الحاضرون من مسؤولين ورجال أعمال بافتتاح مركز تجاري فاخر، أطلق عليه البعض ساخرًا: “مول العار الفلسطيني”.
الافتتاح لم يكن عاديًا. تم بمشاركة شخصيات بارزة، مشاهد الرقص والضحك انتشرت على وسائل التواصل، لتشكّل استفزازًا غير مسبوق لمشاعر ملايين الفلسطينيين والعرب الذين يشاهدون غزة تُدمّر.
وكأن القضيّة ليست قضيّة وطن، بل قضيّة جغرافيا. وكأن غزة ليست فلسطين، بل عبء يجب إنكاره، أو على الأقل تجاهله.
وفي محيط رام الله، تتواصل اقتحامات الاحتلال للمخيّمات، يطارد الأطفال ويعتقل الشيوخ، بينما المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى ويهددون بذبح القرابين.
لكن، كل هذا بدا غير كافٍ لإيقاف حفل مول تجاري. فالعقارات أولى، والاستثمار أسمى، والتجارة فوق الدم.
هل انقسمت البلاد فعلًا؟ هل أصبحت فلسطين نصفين؟ نصف يُجاهد ونصف يرقص؟ نصف يُقصف ونصف يحتفل؟
هكذا اختُزلت المأساة. غزة تُباد.. وتموت وحدها. وتموت معها كل القيم إن لم يُرفع هذا العار.