انتفاضة الجامعات الأميركية
28 أبريل 2024آخر تحديث :
_ الكاتب: رمزي عودة – بدأ حراك غير مسبوق للطلبة المحتجين في جامعة كولومبيا منذ أكثر من أسبوعين، حيث طالب المحتجون بوقف استثمارات الجامعة في إسرائيل ووقف الحرب والابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقوبلت هذه الاحتجاجات برد فعل قاس من قبل إدارة الجامعة التي نعتت الطلبة بالارهاب وبث الكراهية ومعاداة السامية، وفصلت أكثر من 100 طالب. كما أنها طالبت الشرطة بفك اعتصام الطلبة المحتجين واعتقالهم. وأدت ردة الفعل هذه الى توسع الاحتجاجات وإيقاف العملية التعليمية في جامعة كولومبيا، كما تسارع انضمام الكادر التعليمي والاداري لمخيمات الاعتصام رافضين سياسات الجامعة غير الليبرالية. ليس هذا فقط، بل انتقلت حركة الاحتجاجات الى أكثر من 45 جامعة ومعهد عالٍ في الولايات المتحدة الأميركية، ومنها جامعات هارفرد وجورج واشنطن وبيل وكاليفورنيا وغيرها من الجامعات الكبيرة والمهمة في الولايات المتحدة. كما أن حركة الاحتجاجات الطلابية امتدت الى الجامعات الأوروبية سواء في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. وبتنا جميعا أمام انتفاضة حقيقية في العالم أجمع، إنها باختصار انتفاضة الجامعات ضد الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
لقد أشرت في الأشهر السابقة وفي أكثر من مقال ولقاء تلفزيوني الى أن الإدارة الأميركية تتعامل مع حرب غزة في إطار مستويين: المستوى الاستراتيجي ويقضي بدعم إسرائيل اللامحدود في عدوانها على قطاع غزة، وهذا ما يفسر منح أكثر من 17 مليار دولار لإسرائيل كمساعدات عسكرية في هذه الحرب، إضافة الى توفير غطاء سياسي يحمي إسرائيل من المساءلة في المنظمات الدولية.
أما المستوى الثاني فهو مستوى السياسات والتكتيكات التي تضغط على إسرائيل للحد من قتل المدنيين ووقف سياسة التجويع والتوصل الى صفقة أو هدنة. ولقد أوضحت في هذه المقالات أن السياستين ليستا متناقضتين كما يبدو للوهلة الأولى، حيث ان الإدارة الأميركية في مستوى السياسات التكتيكية تسعى لتسويق منظومة قيمها الليبرالية أمام شعبها أولا وأمام العالم ثانيا، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحشد المناصرين في العملية الانتخابية القادمة، إضافة طبعا الى منع تهديد مصالحها في العالم.
وبالفعل، فإن ما يحدث اليوم في الجامعات الأميركية هو إثبات حقيقي للفرضية السابقة، حيث تشير هذه الانتفاضة الى خيبة أمل الشارع الأميركي نتيجة لفشل الإدارة الأميركية في تحقيق المستوى الثاني من سياساتها التكتيكية، وبالضرورة فشل هذه الادارة بإقناع مواطنيها بأنها جادة في وقف العدوان ووقف الابادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة منذ أكثر من 6 شهور. ليس هذا فقط، ولكن هذا الفشل انعكس سلبا على قيام الإدارة الأميركية مؤخرا بتفضيل المستوى الأول في سياساتها الخاصة بإسرائيل في عدوانها في القطاع، بمعنى الانسياق أكثر الى جانب دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا وتفضيل الخيار العسكري لإنهاء الصراع!. وهذا بالضبط ما أدى الى انتفاضة حقيقية في الجامعات الأميركية، حيث لم يعد بإمكان إدارة بايدن استيعاب الرأي العام المحلي الضاغط لديها في ظل استمرار قتل المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم والتهديد المستمر باجتياح رفح. والنتيجة، أن إدارة بايدن فقدت مصداقيتها أمام أهم شريحة اجتماعية في مجتمعها وهي الشريحة الأكاديمية المثقفة. وبالضرورة، من المتوقع أن تتسع موجة هذه الاحتجاجات الطلابية وتؤدي الى ضغط أكبر على إدارة بايدن لوقف الحرب لا سيما أن هذه الاحتجاجات تكلف الاقتصاد الوطني الأميركي أكثر من 300 مليون دولار يوميا، واذا ما خرجت هذه الاحتجاجات خارج الحرم الجامعي فانها ستؤدي الى توقف عجلة الاقتصاد والتنمية في الدولة الأميركية.
في الواقع، إن حكومة نتنياهو الفاشية ورطت إدارة بايدن أمام شعبها، حيث راوغ نتنياهو كثيرا وأطال فترة الحرب بشكل مقصود، وقتل الآلاف من المدنيين وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وقد حذرت حكومة بايدن نتنياهو من سياسته هذه، ولكنها لم تستطع الضغط عليه بالشكل الكافي لوقف العدوان. وفي السياق، فقد دفعت هذه الادارة ثمن هذه السياسة العدوانية والعنصرية لحكومة نتنياهو وما زالت تدفع الثمن. لهذا، فلقد آن الأوان لإدارة بايدن أن تتخذ خطوات عملية وسريعة للضغط على إسرائيل لوقف العدوان نهائيا حتى تستطيع ضمان وقف انتفاضة الجامعات في أراضيها.