القدس يحاصرها الاستيطان من كل جانب
قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن سلطات الاحتلال ومنظمات الاستيطان بما فيها جمعية “العاد” وبلدية الاحتلال في القدس المحتلة ومن خلفهم وزير الامن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير، الذي يعتبر تغيير الوضع في القدس بمختلف أحيائها وخاصة الشيخ جراح وفي محيطها شغله الشاغل، يضغطون لحسم الاوضاع في المدينة المقدسة التي تتعرض لهجوم استيطاني واسع بهدف تغيير معالم هويتها.
ومن المتوقع أن تبحث لجنة التخطيط اللوائية في وزارة الداخلية الإسرائيلية في الرابع والعشرين من هذا الشهر ما يسمى خطة ”تلبيوت الجديدة“ بالتوازي مع مصادقة بلدية الاحتلال على العديد من تصاريح البناء في مستوطنة “جفعات هماتوس” وبما يشمل بناء 3500 وحدة استيطانية و1300 غرفة فندقية على المنحدرات الشرقية لتلك المستوطنة الى الجنوب من مدينة القدس.
يأتي ذلك بالتزامن مع التقدم في بحث عدد من المخططات الاستيطانية الأخرى لإقامة مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة داخل مدينة القدس الشرقية وفي محيطها مثل “كيدمات تسيون” و ”نوف زهاف” و ”بسغات زئيف” و”راموت ألون ( أ ) و( ب)” ومؤخرا ”أم ليسون“.
وتأتي خطة “تلبيوت الجديدة” ضمن الخطة الخمسية التي أقرتها حكومة الاحتلال لتعزيز الاستيطان شرقي القدس وتغيير تكوينها الديمغرافي لصالح المستوطنين، وتمتد هذه الخطة على أكثر من 140 دونمًا في المنطقة الجنوبية للقدس حتى المنطقة الجنوبية الشرقية قرب بلدات بيت صفافا وأم طوبا وصور باهر، أي في المنطقة الفاصلة بين القدس وبيت لحم.
ومن شأن الخطة ان تقطع كل تواصل جغرافي بين مدينة القدس الشرقية ومدينة بيت لحم، وعليه فقد أصبح واضحا ان حكومة نتنياهو–سموتريتش–بن غفير قد وضعت على جدول أعمالها اطلاق موجة من البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس، غير عابئة بالمعارضة الدولية لمخططاتها، ما يستدعي تسليط الضوء من جديد على الأخطار المحدقة بالقدس الشرقية.
يشار إلى أن رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي وسفراء وقناصل دول أوروبية قاموا في منتصف تشرين ثاني 2020 بزيارة احتجاجية الى مستوطنة “جفعات هماتوس” رفضا لقرار توسيعها آنذاك بـ1257 وحدة استيطانية جديدة، حيث اكدوا أن من شأن توسيع المستوطنة المذكورة وبناء حي جديد فيها أن يقطع التواصل الجغرافي بين مدينتي القدس وبيت لحم.
صورة الوضع والحالة هذه أصبحت واضحة، فعندما تعود دولة الاحتلال الى المنطقة الممتدة جنوب المدينة، فذلك يعني أنها تحتفظ في أدراج حكوماتها بمخططات استيطانية يجري تنفيذها على مراحل كلما سمحت الظروف المحلية والدولية بذلك، فهي تلتف على المعارضة الدولية ومنها معارضة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، وتناور وتؤجل الى حين لكنها لا تلغي مخططاتها، وهي مخططات هدامة لا تقف عند حدود حسم المسألة الديمغرافية في القدس، بل تتجاوزها لوأد ما يسمى بحل الدولتين من خلال المضي قدما بهذه المخططات.
ففي القدس تقوم خطط دولة الاحتلال على التوسع في البؤر الاستيطانية داخل المدينة وبناء أحياء استيطانية في أطرافها لتعزل البلدة القديمة عن محيطها كما هو الحال مع حي الشيخ جراح والحي الاستيطاني في وادي الجوز، والحي الاستيطاني في رأس العامود، الذي موله من البداية الميلياردير اليهودي الأميركي اوروين مسكوفيتش والحي الاستيطاني في سلوان والحي الاستيطاني في جبل المبكر “منظر من ذهب” وغيرها من الأحياء، هذا الى جانب مصادقة بلدية الاحتلال مؤخرا على مشروع مترو الأنفاق وعلى إعادة ترميم وتأهيل الجسورعلى التلة الفرنسية لربطها بمستوطنتي “بسغات زئيف” و”النبي يعقوب” على أراضي قريتي شعفاط والعيسوية لتسهيل وتنشيط حركة مرور السيارات وبما يخفف بشكل كبير من الازدحام المروري عند تقاطع التلة، بالتزامن مع مشروع مترو الأنفاق الذي يجري تنفيذه حالياً.
وفي فضاء القدس، تحتفظ دولة الاحتلال في أدراج حكوماتها بمخططات لمحاصرة المدينة بأحزمة استيطانية تمتد على مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية في الشمال كما في الشرق وفي الجنوب، ففي الشمال لم تطو دولة الاحتلال مشروعها للبناء الاستيطاني في منطقة مطار القدس الدولي، فالمشروع ما زال قائما بانتظار الظروف المناسبة، وكذا هو الحال في الشرق، فقد كان نتنياهو قد أعلن في شباط 2020 أنه أصدر تعليمات ببناء 3500 وحدة سكنية استيطانية في المنطقة E1، الواقعة شرق القدس المحتلة، ونقلت مصادر اسرائيلية عنه قوله في حينه في احد المؤتمرات أنه اوعز بذلك للتنفيذ الفوري.
توقف الشروع في التنفيذ بفعل الضغوط الدولية لكنه لم يرفع عن جدول أعمال حكومة الاحتلال، وهنا تسعى دولة الاحتلال للسيطرة على التلال الشرقية لمحافظة القدس لفصل التواصل الجغرافي بين الضفة الغربية والقدس المحتلة من جهة، وتقسيم الضفة الغربية إلى قسمين بحزام استيطاني يمتد من شرق القدس حتى الأغوار بما في ذلك مشروع ما يسمى (E1).
وفي الجنوب يجري العمل كذلك على توسيع مستوطنات “جيلو” و”جفعات همتوس” و”جبل أبو غنيم”، وما هو مخطط له على الأراضي القريبة من دير مار الياس كامتداد لمستوطنة “تل بيوت”، وكجزء من الخطة الرئيسية لخلق تكتلين استيطانيين في الشمال والجنوب يحولان دون ارتباط القدس الشرقية بالضفة الغربية كعاصمة للفلسطينيين في اية تسوية سياسية محتملة في إطار ما يسمى حل الدولتين.
في الوقت نفسه، اعلنت سلطات وبلدية الاحتلال في القدس الأحد الماضي، عن افتتاح الجسر الهوائي المعلق في حي وادي الربابة ببلدة سلوان، برعاية جمعية “عتيرت كوهانيم” وسلطة الآثار الاسرائيلية، وهو واحد من أضخم المشاريع الاستيطانية جنوب المسجد الأقصى المبارك، لتسهيل حركة المستوطنين وتغيير معالم المدينة المحتلة، ويمتد الجسر بطول أكثر من 200 متر بارتفاع 35 مترًا، وعرض 4.5 أمتار.
وتسعى سلطات الاحتلال من خلال ذلك إلى فرض واقع تهويدي يخترق فضاء سلوان في القدس المحتلة، بدءا بحي الثوري مرورا بحي وادي الربابة وصولاً إلى منطقة النبي داود، إضافة إلى أعمال أخرى في أراضي الحي لتحويلها إلى “مسارات وحدائق توراتية”، وزرع القبور الوهمية في أجزاء أخرى من الحي، وقد خصصت حكومة الاحتلال نحو 20 مليون شيكل لتنفيذ المشروع بمشاركة بلدية الاحتلال في القدس، ووزارة القدس والإرث اليهودي وشركة “موريا”، وجمعية “إلعاد” الاستيطانية.
وفي مدينة القدس كذلك تواصل سلطات وبلدية الاحتلال سياسة إحكام السيطرة على حي الشيخ جراح في المدينة، فقد شرعت سلطات الاحتلال بتحويل ما تسمّيه “نصباً تذكارياً” في قلب هذا الحي إلى مشروع استيطاني جديد بمبادرة مشتركة بين بلدية القدس وجمعية المظليين وقدامى الجنود وبتمويل من الصندوق القومي اليهودي، وهو جزء من مبادرة أكثر اتساعا تشارك فيها جمعيات استيطانية تحت ستار تنمية السياحة الإسرائيلية داخل الأحياء الفلسطينية شمال البلدة القديمة (الطريق الشمالي).
ويشمل الطريق الشمالي مواقع مختلفة من باب العامود شمالًا إلى حي الشيخ جرّاح، ويمر عبر العديد من المواقع التاريخية والدينية، وتخطط بلدية الاحتلال للاستيلاء على ما تبقى من الأرض البالغ مساحتها نحو 15 دونمًا، ويقع الموقع على تلة صغيرة تتوسط الحي الغربي وكرم الجاعوني الذي تواجه فيه عشرات العائلات الفلسطينية خطر الإخلاء من منازلها لصالح مستوطنين إسرائيليين.
يشار إلى أن بلدية القدس أعلنت مؤخراً عن نيتها القيام بأعمال تطويرية حول ضريح الصديق شمعون الواقع أيضا في الشيخ جرّاح، وهو مكان للصلاة اليهودية يجتذب العديد من اليهود الأرثوذكس المتطرفين، وعند إقامة أحداث دينية كبيرة في الضريح يتم اجتياح الحي من قبل حشود من اليهود المتدينين بينما تغلق الشرطة الإسرائيلية أجزاء كبيرة من المنطقة أمام حركة المرور، ما ينتهك بشدة حقوق الفلسطينيين وحريتهم في التنقل ويعطل اعمالهم.
ولا تستثني سلطات الاحتلال من مخططاتها الاستيطانية الهدامة بقية محافظات ومناطق الضفة الغربية المحتلة بأشكال متعددة، فمجلس المستوطنات (يشع) باعتباره ذراعا تنفيذيا للادارة المدنية يلعب هنا دورا محوريا في السطو على اراضي الفلسطينيين وتحويلها الى مجال حيوي للمخططات والمشاريع الاستيطانية التي تتخذ أحيانا شكل المناطق الصناعية التي تخدم المستثمرين الاستعماريين.
وفي هذه الأيام يجري الحديث عن بناء منطقة صناعية جديدة أعدها مجلس مستوطنات الشمال الذي يرأسه حليف سموتريتش وبن غفير، يوسي داغان، وذلك على مساحة 2700 دونم في شمال الضفة الغربية، ويُفترض بالمنطقة الصناعية الجديدة أن تضم مصانع ملوثة للبيئة بالقرب من مناطق سكنية ليس فقط في الضفة الغربية، بل أيضًا بالقرب من بلدة كفر قاسم داخل الخط الأخضر، ومن شأن الخطة التي يقف خلفها كذلك مجلس مستوطنة “الكانا” ومجلس مستوطنة “أورنيت” في محافظة قلقيلية، أن تلحق أضرارا فادحة بالبيئة في منطقة واسعة على طرفي ما كان يسمى بالخط الأخضر.
يذكر أن سلطات الاحتلال أقامت ثلاث مناطق صناعية رئيسية، أولها “عطروت” شرقي القدس وهي الأكثر تلويثا للبيئة، والثانية “بركان” على اراضي محافظة سلفيت، والثالثة “ميشور أدوميم” في صحراء القدس.
والى جانب هذه المناطق الصناعية الرئيسة أقامت سلطات الاحتلال نحو 25 منطقة صناعية استيطانية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية تضم أكثر من 300 منشأة، منها 29 منشأة منها خاصة بإنتاج المواد الكيماوية السامة أكثرها خطورة مصانع جيشوري التي تبث سمومها على المواطنين ومزروعاتهم في مدينة طولكرم ومحيطها المجاور.
سرطان الاستيطان يتخذ من الأغوار الفلسطينية هدفا محوريا له كذلك، وهذه المرة من أراضي قرية فروش بيت دجن التي تعتبر بوابة الاغوار الوسطى.
وجديد التطورات هذه المرة اخطارات هدم بالجملة، فالقرية تتعرض منذ تشكيل حكومة نتنياهو–سموتريتش–بن غفير لحملة مسعورة تشمل منع البناء او التخطيط لإقامة مشاريع بما فيها مشاريع البنية التحتية، حيث يتم مصادرة الجرارات الزراعية ومعدات الحفر (البواجر) وتدمير خزانات المياه للاستخدام الزراعي، حتى وصل الأمر الى تدمير خزان المياه الذي يزود السكان بمياه الشرب والاستخدامات المنزلية.
وقد فوجئ سكان القرية الأسبوع الماضي من حجم هذه الحملة المسعورة، حيث شرع الاحتلال بمسلسل اخطارات هدم ووقف البناء شملت 13 منزلا ومنشأة بالرغم ان بعض المنازل والمنشآت المستهدفة قائمة منذ سنوات ولم يجر عليها أي تغيير بل أن بعضها موجود قبل الاحتلال وهناك منازل يحمل أصحابها تراخيص بناء.
وتأتي هذه الإجراءات في ظل هجمة استيطانية شملت إقامة عدد من البؤر الاستيطانية التي تخطط الإدارة المدنية لربطها مع وسط اسرائيل بدءا بهذه البؤر في المنطقة مرورا بالبؤر الاستيطانية القائمة على اراضي بيت دجن وبيت فوريك وفي محيط مستوطنة “ايتمار” وصولا الى بؤرة “أفيتار” ومفترق زعترة وشارع عابر السامرة، حيث تعمل جرافات الاحتلال ليل نهار على انجاز التفافي حوارة المخصص لهذا الغرض، وقد أنجزت سلطات الاحتلال البنى التحتية الضرورية لذلك لعزل القرية والمنطقة وتفريغها من سكانها في إطار سياسة التطهير العرقي التي تمارسها هذه السلطات في مناطق الأغوار الفلسطينية.
على صعيد آخر، تقدم المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها كأداة من أدوات سلطات الاحتلال في شرعنة الاستيطان، وتغطي على انتهاكاته للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وكان ذلك واضحا من رفضها الاسبوع الماضي التماسا يطالب بإخلاء معهد لتدريس التوراة في البؤرة الاستيطانية العشوائية “حوميش” شمالي الضفة الغربية، وذلك في قرار يتلاءم مع موقف الحكومة الإسرائيلية في أعقاب نقل المعهد الديني في تلك البؤرة الاستيطانية إلى موقع جديد وقريب من الموقع الأول في خرق حتى لقوانين الاحتلال.
فقد اعتمدت المحكمة في قرارها على المزاعم التي قدمتها الحكومة بأنها ستعمل على شرعنة وتسوية الأوضاع القانونية لذلك المعهد في “حوميش” وذلك في أعقاب نقله بدون تصريح من أرض فلسطينية خاصة إلى ما تزعم سلطات الاحتلال أنه “أراضي دولة” تابعة لما يسمى لمجلس الاستيطاني “شومرون”.
وبالعودة الى سياسة تعطيش الفلسطينيين، تواصل سلطات الاحتلال حرب المياه ضد الشعب الفلسطيني لتحرمه من أبسط حقوقه في مصادر المياه، فبعد أن خفضت قبل اسبوعين كميات المياه لمحافظتي الخليل وبيت لحم بنحو 6 آلاف كوب يوميا، قامت الادارة المدنية الاسبوع الماضي بغلق ثلاثة من آبار المياه بالباطون في الخليل بالقرب من مخيم الفوار، في إجراء عنصري يرقى الى مستوى الجريمة.
ففي تلك الآبار الثلاثة تتجمع مياه جوفية في أطراف صحراء جنوب جبل الخليل، وهي آبار تزعم الادارة المدنية أنها ممنوعة وغير قانونية وتشكل تهديدا للأمن المائي، أما الهدف من ذلك العمل فهو حرمان المزارعين في المنطقة من الاستفادة من مياه تلك الآبار لري مزروعاتهم والتضييق عليهم ودفعهم الى تحمل تكاليف نفقات جلب المياه بصهاريج من أماكن بعيدة إذا اسعفتهم أوضاعهم على ذلك أو ترك حقولهم الى مصيرها في الجفاف، فيما هي تغدق المياه على المستوطنات والمستوطنين في مناطق جنوب الخليل ومزارعها الرعوية دون حساب، ويأتي هؤلاء المستوطنون ليكملون الدور الذي تضطلع به الادارة المدنية بجرائم أبشع من خلال رمي جثث حيوانات ميتة في آبار مياه لتحويلها الى مياه ملوثة لا يمكن للمزارعين استخدامها سواء للشرب أو لري المزروعات.
وهذا يذكر بما تلحقه المياه العادمة التي تتدفق بشكل عام من المستوطنات عبر الأودية من أضرارا بالبيئة، حيث تتخلص مستوطنات الاحتلال من مياه الصرف الصحي من دون إخضاعها لأي نوع من المعالجة في معظم الأحيان، وحسب معطيات متطابقة فهناك حوالي 50 مستوطنة على الأقل تُفرغ ما يقارب 35 مليون متر مكعب من المجاري، ما يساوي 14 ألف بركة أولمبية، بكل ما يترتب على ذلك من تأثيرات صحية كارثية على السكان المحليين فضلا عن المزروعات والأراضي الزراعية.