الصهيونية الدينية من هرتزل إلى نتنياهو
18 سبتمبر 2024آخر تحديث :
– الكاتب: باسم برهوم – الجذر التاريخي للصهيونية الدينية يمتد إلى حركة مزراحي التي تأسست العام 1902، ومثلت التيار الديني في الحركة الصهيونية، وكان هذا التيار يعتقد بإمكانية الدمج بين الديني والقومي، في حين أن هرتزل ومجموعته كانوا قوميين علمانيين، ولكن ولأنهم قالوا إن الحركة الصهيونية هي حركة الشعب اليهودي القومية، فيمكن لأي يهودي، بغض النظر عن توجهاته الفكرية والعقائدية أن يكون صهيونيا بشرط أن يدفع الاشتراك المالي وقيمته “شيقل” وهي العملة اليهودية القديمة، ولم تكن متداولة في حينه. جماعة المزراحي كانت تعتقد أن الصهونية مجرد مرحلة لإنشاء الدولة اليهودية فقط، وأنها هبة من الله أرسلها لتقوم بهذه المهمة. فهي، أي جماعةمزراحي، تلتقي مع هرتزل في هدف إقامة الدولة اليهودية، لكنها تختلف معه في طبيعة الدولة إذا ما تكون علمانية، كما يريد هرتزل وتياره، أو دينية تسير وفق الشريعة اليهودية.
بعد صدور وعد بلفور، وعندما أصبحت مسألة إقامة الدولة إمكانية واقعية، عقدت الحركة الصهيونية اجتماعا لها في لندن العام 1920، لم يكن الاجتماع مؤتمرا على غرار مؤتمرات الحركة الصهيونية، إنما تمتع بأهمية تاريخية خاصة، لكونه وضع الخطط والأسس لإقامة الكيان اليهودي، المنصوص عليه في وعد بلفور. من ضمن ما ناقشه هذا الاجتماع مسألة التعليم، والتي ثار حولها خلاف عميق، وكان السؤال:أي تعليم نريد؟ مزراحي، أي الصهونية الدينية، طالبوا بأن يكون لهم وزارة معارف مستقلة، ولم يقبل التيار الصهيوني العلماني هذا الاقتراح، ولكن بعد نقاش طويل تم الاتفاق أن يكون لمزراحي مدارس دينية خاصة غير المدارس العمومية، ومنحوا من حينه حق إدارتها بشكل منفصل، ولهم صلاحيات كاملة بتقرير المناهج وفي الشؤون المالية والإدارية، وتم الاتفاق فقط أن يتم التركيز على تعليم اللغة العبرية في كلا النوعين من المدارس. هذا القرار مهد عمليا أن تنشأ دولة دينية داخل دولة، الدولة العلمانية، دولة منفصلة ثقافيا وفكريا، وتتمتع باستقلالية مالية وفي إدارة شؤونها.
ومن الإفرازات الأولى لهذا التيار الأكثر تطرفا، حركة غوش ايمونيم، التي قادت حركة الاستيطان في الضفة بعد حرب 1967، ولاحقا حركة كاخ المتطرفة التي كانت تدعو لطرد الفلسطينيين وإنشاء دولة يهودية نقية. هذا التيار الذي تعزز وجوده في الخارطة السياسية مع فوز تكتل الليكود في انتخابات العام 1977 عندما فازت كاخ بمقعد واحد في الكنيست، مستغلا أزمة التيار العلماني بعد حرب أكتوبر عام 1973، مع التركيز على فكرة الخطر الوجودي.
أصيب هذا التيار الصهيوني الديني بنكسة عندما تم تصنفت كاخ كحركة إرهابية في عهد إسحاق شامير العام 1985، وعاد هذا التيار المتطرف للسطح مجددا بعد اتفاقيات أوسلو، ومثلت مذبحة الحرم الإبراهيمي مطلع العام 1994 على يد المتطرف الإرهابي غولدشتاين أحدأبرز تجليات هذا التيار، ومن ثم اتهم عمليا باغتيال إسحاق رابين في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1995. وبدا دوره يتعزز مع فوز نتنياهو في الانتخابات العام 1996، فكلاهما نتنياهو وتيار الصهيونية الدينية يلتقيان بضرورة إفشال اتفاقيات أوسلو، وإنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية.
اقرأ|ي أيضاً| استطلاعات الرأي.. “اليمين الجديد” يتصدر المشهد الانتخابي في إسرائيل
وتعود جذور التلاقي الايديولوجي، الذي يجمع نتنياهو مع تيار الصهيونية الدينية، إلى أفكار الأب الروحي لنتنياهو واليمين الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، زعيم الصهيونيين التصحيحيين، والذي يمكن تلخيصها. بحب إسرائيل وشعب إسرائيل، والاعتزاز باليهود وعظمتهم وتاريخهم، ومنع إبادتهم، ومبدأ القوة الحديدية، وفرض الدولة في المنطقة بالقوة. بالإضافة إلى فكرة نقاء الدولة وهويتها اليهودية، والاستيطان في كل أرض إسرائيل، والتي تشمل شرق الأردن وجنوب لبنان وجنوب غرب سورية.
لقد قدم نتنياهو الرعاية والشرعية لتيار الصهيونية الدينية المتطرف إلى أن حقق هدفه في إنشاء ائتلاف حكومي متماسك يصعب إسقاطه في الكنيست، والذي يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهضا له، ائتلاف من الصعب إسقاطه، فالصهيونية الدينية ونتنياهو يغرفون من الايديولوجيا المتطرفة التوسعية نفسها. لقد كانت حصيلة وحدة التيارين القومي اليميني، والصهونية الدينية هي حكومة نتنياهو، بن غفير وسموتريش، الذي يؤمن بأرض إسرائيل من النهر إلى البحر، وربما تصل أطماعهم إلى أجزاء من الأردن وسوريا وجنوب لبنان، وهي الأرض التي أرادت الصهيونية أن تكون جزءا من وعد بلفور. وقامت بريطانيا بتقليص مساحة الوطن القومي، انطلاقا من مصالحها في تلك المرحلة، والاحتفاظ بإقليم مفتوح من العراق إلى ساحل البحر المتوسط في فلسطين ومرتبط بقناة السويس ومصر.
الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل، يصر على السيطرة على فلسطين التاريخية كلها، وبالتالي سيحاول هذا الائتلاف إزالة كل العقبات عن طريق تحقيق هذا الهدف لذلك هو يحاصر ويضعف السلطة الوطنية الفلسطينية، تمهيدا للتخلص منها، كما لا يستبعد أن يقدم هذا الائتلاف تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة والضفة الفلسطينية بطرق ومناورات عدة. المشكلة أن نرى كل ذلك ولا نزال في مربع الانقسامات ونساهم بأيدينا بإضعاف السلطة الوطنية، الكيان الفلسطيني الوحيد الذي يعترف به العالم ويتعامل معه.