اخبار

الشرع: شخصية غير تقليدية تحفز انتظار.. مآلاتها ومستقبلها..

قمت في الايام الماضية بمراجعة دقيقة لكل خطابات الرئيس احمد الشرع منذ اليوم الاول لدخوله دمشق حتى اخر تصريحات له وعملت على تفريغها كلها مكتوبة لفهم الشخصية التي ستحكم بلدا مركزيا في الجغرافيا السياسية واين سيتجه بالبلاد.. دونت ملاحظات كثير لا مجال لعرضها كلها ساتركها لبحث اعمق قد ينشر لاحقا.

لكن بمرور سريع مختصر: الشرع شخصية ليست عابرة ولم تضعه الصدفة والظروف في هذا المكان من التاريخ.. الرجل يتقن قدر ليس بسيطا من الدبلوماسية المحترفة ولا اعلم اين تعلم او تدرب على ذلك.. اثار دهشتي (مظلوم عبدي) قائد قسد في شرق الفرات في حوار معه عن لقائه بأحمد الشرع.. مظلوم يقول انه في اول لقاء له اول كلمات بينهم كان الشرع يرد عليه باللغة الكردية.. هذه ليس مجاملة.. لا اعرف ان كان عبدي فهم الرسالة السياسية والاشارة الهامة. قد يكون الشرع تقصد ذلك لأهداف محددة منها استعداد دمشق لجعل اللغة الكردية لغة رسمية في الدولة، ومنها اظهار اهتمام الشرع باللغة او الثقافة الكردية، ومنها ما يعرف بالطريقة الدبلوماسية لكسر الجليد في اللقاء الاول ولجعل الطرف الاخر اكثر انفتاحا وتعاونا… اين اكتسب الشرع هذا؟ هل هو ذكاء فطري او اكتساب معرفي؟ لا اعرف.. على الارجح “عبدي” التقطت تلك الإشارات واثرت فيه تأثيرا كبيرا والدليل انه ذكرها في الحوار الذي اجري معه بعد اللقاء، والدليل العملي ان نتائج هذا اللقاء بدأت على ما يبدو تظهر من خلال من تم إعلانه من تفاهمات قد تفضي الى اتفاق تاريخي يسهم في وحدة الأراضي السورية.
القاسم المشترك في خطابات وتصريحات الشرع هو التركيز على المستقبل وليس الماضي، يتحاشى الغرق في وحل المرحلة الماضية فلا يستطيع الاندفاع للامام، ولا بناء شرعية وطنية.

يخلو خطابه من لغة الانتقام، بل يحاول نبذ هذا المفهوم واستبداله بمفاهيم اكتر حضارية تتماشى مع ما يفكر او يخطط له مثل مفهوم العدالة الانتقالية والمحاسبة بالقانون.. هو مدرك لأبعاد ما يقول وتأثيراته الداخلية والخارجية. هو مدرك ان الطائفية تلغم مشروعه السياسي.. ولغة الغلبة لمجتمع على اخر تفخخ المستقبل.. لذلك يحاول ان يكرر ويركز على عبارات من قبيل “حقبة طويت” “سورية للجميع”.. “نحن في مرحلة بناء”.. “مشكلتنا كانت مع النظام المنهار” وغيرها من العبارات الدالة على شكل وبنية المنظومة الفكرية والاتجاه السياسي الذي يسعى لتكريسه.
واضح لاي متابع لصياغة الشرع لمنظومة أفكاره ان هناك بون وهوة بين خطابات واراء الشرع المعلنة وبين ما يسمعه السوريين من بعض المقربين من الادارة الجديدة او المحسوبين عليها خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لغياب وسائل الاعلام الوطنية.. والتي غالبا ما تكون مشحونة ومتشنجة وحادة وانعزالية الى حد ما.. ويغلب عليها الطابع الطائفي والعرقي ولغة المظلومية التي تتجاوز اتهام النظام السابق الى مجتمع واسع بقي تحت حكم النظام السابق في نطاق سيطرته الجغرافية او مكونات احتمت بجغرافيتها الخاصة في ظروف الحرب الطويلة مثل ” الكرد في الشرق او الدروز في الجنوب.. المشكلة ان هذا الخطاب المتشنج للبعض ينعكس أحيانا على الأرض، ويترجم انتهاكات وتصرفات تزعزع الثقة في الداخل والخارج بإمكانية نجاح التجربة، يقابلها تبرير ذلك بانها أخطاء فردية او سوء تقدير، تتم المعالجة بالقدر المستطاع.
الشرع يواجه معضلة حقيقية في داخل هذا الاطار القريب الذي لا يسير معه على ذات الموجه وذات التوجهات، فبينما كان يسعى لتفاهمات مع قسد ويستقبل زعيمها مظلوم عبدي في دمشق، ويحاول تثبيت لغة الحوار مع الكرد، كان صوت التهديدات بالحرب والسحق للكرد عاليا من مؤيدي الشرع في دمشق.
 الشرع ليس وحيدا في حل هذه المعضلة فهو استطاع اقناع تيار واسع يشاركه الحكم بهذه التوجهات، ولديه طيف من النخب السورية من العقلاء والمدركين لأهمية وحساسية اللحظة، لذلك هو يسعى عبر الإجراءات والخطاب والاشارات المتكررة مثل الجولة على المحافظات ان يعمم الصيغة الجديدة لفكرة والاطار العام لسياساته بشكل تدريجي بدون صدام ما يضمن الانتقال من إدارة ثورة في بقعة جغرافية محدودة وقلقة على المصير في ادلب الى إدارة دولة بما يحمله هذا المفهوم من التنوع وتحديات داخلية وخارجية، ومتطلبات الدولة في نسيج جيوسياسي إقليمي متعدد المصالح والتموضع والتحالفات.
تجربة سورية عموما في انهيار نظام والانتقال لنظام جديد وما يسود ذلك من انقسامات ومخاطر ليس تجربة فريدة، فقد شهدت منطقتنا العربية نماذج قريبة، تركت اثارها في بنية الدولة والمجتمع، لكن تجربة الشرع كشخص هي التجربة الفريدة وغير التقليدية، فتطور الشخصية فريد ومدهش، وتطور الفكر من شاب في احياء دمشق الراقية الى الجهادية السلفية في العراق مع القاعدة وداعش الى تنظيم خاص في ادلب ” هيئة تحرير الشام ” هو مزيج من السابق مع إضافة الحوكمة في ادلب، الى رجل دولة وسياسة يهضم براغماتية الحكم ومتطلبات الإدارة السياسية والعلاقات الدولية، ويمارسها باتقان، محاولا التغلب على ما يصطدم به من ترسبات الحرب العالقة في عمق المجتمع سواء بين أنصاره او الطيف الاوسع من مكونات المجتمع السوري.
هذه التجربة وهذه الشخصية تحفز الفضول نحو التساؤل والانتظار لمآلاتها ومستقبلها، وما سوف تفضي اليه، هل هناك انتقال اخر للشرع، هل يكون مؤسس لسورية جديدة ؟ وما شكلها ؟ سورية إسلامية، ام دولة عصرية ديمقراطية، ام دولة مقسمة مشرذمة تعبث فيها وتتضارب على ارضها مصالح الدول الخارجية، هل سيدخل التاريخ ويشكل حقبة في تاريخ هذا البلد العريق، ام سيكون عابرا وقصة تروى عن تجربة لم تكتمل. ما نتمناه هو ان يخرج الشعب السوري من المعاناة التي طالت وان تكون سورية دولة موحدة قوية لكل أبنائها، وان يكون لها دور فاعل في القضايا العربية لما فيه خير لامتنا وشعوب هذه المنطقة.
كاتب واعلامي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *