اخبار

الرئيس عباس: نواجه مخاطر جمّة هي أقرب ما تكون إلى نكبة جديدة تُهدد وجودنا وتُنذر بتصفية قضيتنا الوطنية

قال رئيس دولة فلسطين محمود عباس، “نواجه مخاطر جمّة، هي أقرب ما تكون إلى نكبة جديدة تُهدد وجودنا، وتُنذر بتصفية قضيتنا الوطنية كلها، تنفيذا لمخططات من صنعوا نكبة شعبنا الأولى، وصولا إلى نكبة عام 1967، وبعد ذلك نكبة “الانقلاب” الآثم في عام 2007، الذي استخدمه عدونا لتمزيق نسيجنا الوطني، ولمنع قيام دولتنا المستقلة”.

وأكد سيادته، في كلمته خلال افتتاح أعمال الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني، في قاعة أحمد الشقيري، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، ظهر اليوم الأربعاء، أن تحركنا في شتى الميادين وعلى مختلف المستويات، عربياً وإسلامياً ودولياً، ينصبّ على تحقيق أولويات وطنية أربع، تمثل ضرورات اللحظة الراهنة، أمام التحديات التي تُواجه شعبنا وقضيتنا”.

وبهذا الخصوص، شدّد على أن وقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تام من أراضي القطاع، وكذلك وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مدننا وقرانا ومخيماتنا في الضفة الغربية، ومنع الانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والخليل، وجميع المناطق الفلسطينية، من الأولويات التي نعمل على تحقيقها”.

وأكد سيادته أن الهدف من “الإرهاب المنظم” الذي يمارسه الاحتلال في محافظات الضفة الغربية هو هدفه نفسه من العدوان على قطاع غزة؛ وهو تصفية القضية الوطنية الفلسطينية كقضية سياسية لشعب يكافح من أجل حريته واستقلاله الوطني، وفرض إملاءاته وسياساته الاستعمارية على شعبنا بقوة العدوان الغاشمة. 

وأشار إلى أن الحال في القدس؛ عاصمتنا الأبدية المقدسة، لا يختلف عن باقي الوطن الفلسطيني،  فدولة الاحتلال تحاول فرض سياسة الأمر الواقع على شعبنا، عبر الحصار المحكم على المدينة، وتدمير بيوت الفلسطينيين ومنشآتهم، ومنع وصول المصلين إلى الأماكن المقدسة، ومحاربة الوجود الفلسطيني والهوية الفلسطينية، بكل وسائل العدوان والإرهاب.

وأكد الرئيس أن دولة الاحتلال، بهذا العدوان الهمجي، تنتهك القانون الدولي والشرعية الدولية، وتتصرف وكأنها فوق القانون، وتتنكر للاتفاقات التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتطلق العنان للتطرف والإرهاب اللذين أصبحا السمة الغالبة في سياساتها تجاه شعبنا، وتُحاصر شعبنا مالياً بسرقة أموال المقاصة الفلسطينية، التي زادت حتى الآن على ملياري دولار تحتجزها دولة الاحتلال، والاستيلاء على أراضي المواطنين وممتلكاتهم.

وقال: إن رؤيتنا لتحقيق السلام العادل والشامل، وضمان الأمن والاستقرار في فلسطين والمنطقة، تتطلب وجود أفق سياسي يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية مُستقلة ذات سيادة ومتصلة وقابلة للحياة ومُعترف بها، تكون عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل. 

وفيما يلي نص كلمة  سيادة الرئيس أمام الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني:

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات أعضاء المجلس المركزي، 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الله تعالى” وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ،فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” صدق الله العظيم.

نلتقي اليوم تحت راية فلسطين الواحدة، راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، نلتقي في لحظة تاريخية حساسة وفارقة، نُواجه فيها مخاطر جمّة، هي أقرب ما تكون إلى نكبة جديدة تُهدد وجودنا، وتُنذر بتصفية قضيتنا الوطنية كلها، تنفيذاً لمخططات من صنعوا نكبة شعبنا الأولى منذ وعد بلفور عام 1917، إلى اقتلاع أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي خلال نكبة 1948، وصولاً إلى نكبة عام 1967، وبعد ذلك نكبة “الانقلاب” الآثم في عام 2007، الذي استخدمه عدونا لتمزيق نسيجنا الوطني، ولمنع قيام دولتنا المستقلة. 

في قطاع غزة، يتعرض شعبنا اليوم لحرب إبادة جماعية خسرنا فيها حتى الآن أكثر من مئتي ألف مواطن بين شهيد وجريح.. ورغم فداحة هذا العدد من الضحايا، فإنه لا يمكن ولا يصح أن يُنظر إليهم وكأنهم مجرد أرقام، أبداً إخوتي وأخواتي، لا يمكن أن يكون هؤلاء الشهداء والجرحى مجرد أرقام يجري عدها عبر وسائل الإعلام وفي التقارير المختلفة.. وأبداً لا يمكن أن يكونوا مجرد “خسائر تكتيكية” كما يدعي من صنعوا نكبة “الانقلاب” خدمة للاحتلال ولأعداء شعبنا كافة، ثم اختلقوا الذرائع لكي يكمل الاحتلال مؤامرته الشيطانية بتدمير قطاع غزة وتهجير أهله.. 

مئتا ألف إنسان يمثل كل واحد منهم، طفلاً كان أو امرأة أو رجلاً، خسارة إستراتيجية كبيرة مُنيت بها فلسطين حين فقدتهم، لأنهم وكل شعبنا هم الذخيرة الإستراتيجية الحقيقية لمستقبل وطننا الغالي فلسطين.

2165 عائلة أُبيدت عن بكرة أبيها ولم يعد لها وجود.

6664 عائلة أُبيدت جزئياً وفقدت معظم أفرادها.

هل هؤلاء مجرد خسائر تكتيكية؟؟ مالكم كيف تحكمون؟؟ أفلا تعقلون؟؟ إن خسارة طفل واحد من أطفالنا تمثل بالنسبة إلينا فاجعة، فكيف بفقد كل هؤلاء الضحايا؟

200 ألف شهيد وجريح، منهم أكثر من 3500 مسن، وأكثر من 12500 امرأة، وأكثر من 18000 طفل، فضلا عن أكثر من 11000 مفقود منهم حوالي 4700 طفل، وما يقارب 40000 طفل فقدوا والديهم أو أحدهما وأصبحوا أيتاماً، هذا كله فضلاً عن تدمير أكثر من ثلثي المساكن والمنشآت والمرافق العامة والخاصة في قطاع غزة “المنكوب”، من المساجد والكنائس والمدارس والجامعات ورياض الأطفال والمستشفيات والمؤسسات والبنية التحتية، إلى جانب المحاولات الإسرائيلية المحمومة لتصفية الوجود الفلسطيني في القطاع الحبيب عبر التهجير القسري والتطهير العرقي.

وفي الضفة الغربية، يتواصل العدوان الإسرائيلي الهمجي على شعبنا وأرضنا؛ على المخيمات والقرى والمدن، على الحجر والشجر والبشر، فنخسر مزيداً من الشهداء والجرحى والأسرى، حيث ناهز عدد الشهداء في الضفة الغربية من السابع من أكتوبر حوالي 1000 شهيد، منهم 188 طفلاً، وتتعرض مناطقنا للتدمير اليومي، ففي مخيم جنين دمرت قوات الاحتلال وأحرقت أكثر من 600 مبنى كلياً أو جزئياً، وهناك أكثر من 21 ألف مواطن أجبرهم جيش الاحتلال على النزوح من المخيم إلى مناطق مختلفة من المحافظة. 

وفي مخيمات طولكرم، دمر الاحتلال 2573 منزلاً، تدميراً كُلياً أو جُزئياً، وأُجبر نحو 24 ألف مواطن على النزوح.

وتقطع قوات الاحتلال أوصال الضفة الغربية، وتفصل بعضها عن بعض، وتمنع حرية التنقل للأفراد والبضائع بإقامة الحواجز العسكرية التي بلغت نحو 900 حاجزٍ، وكذلك من خلال جدار الفصل العنصري، ويستشري سرطان الاستيطان وإرهاب المستوطنين يومياً في كل مناطق القدس والضفة الغربية.. والهدف من كل هذا “الإرهاب المنظم” هو هدف الاحتلال نفسه من العدوان على قطاع غزة؛ تصفية القضية الوطنية الفلسطينية كقضية سياسية لشعب يكافح من أجل حريته واستقلاله الوطني، وفرض إملاءات الاحتلال وسياساته الاستعمارية على شعبنا بقوة العدوان الغاشمة. 

ولا يختلف الحال في القدس؛ عاصمتنا الأبدية المقدسة، عن باقي الوطن الفلسطيني، حيث تحاول دولة الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع على شعبنا، عبر الحصار المحكم على المدينة، وتدمير بيوت الفلسطينيين ومنشآتهم، ومنع وصول المصلين إلى الأماكن المقدسة، ومحاربة الوجود الفلسطيني والهوية الفلسطينية بكل وسائل العدوان والإرهاب، بما في ذلك محاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني في الأماكن المقدسة؛ الإسلامية والمسيحية، وبالذات في المسجد الأقصى المبارك، الذي هو جزء لا يتجزأ من عقيدتنا الدينية، وهويتنا الوطنية، ووجودنا الممتد لآلاف السنين في أرض وطننا التاريخي فلسطين، والذي يتعرض لأبشع مؤامرة من جانب الاحتلال، حيث يتداولون التحريض على تدميره وبناء معبد يهودي مكانه. 

علماً أن انتهاكات الاحتلال للأماكن المقدسة في القدس لا تتوقف عند المقدسات الإسلامية، بل تطال أيضاً المقدسات المسيحية، ورجال الدين المسيحيين، كما لا تقتصر على مدينة القدس فقط، بل تشمل أيضاً مدينة الخليل، حيث يواصل الاحتلال عدوانه على المسجد الإبراهيمي الشريف، بتغيير طابعه المعماري التاريخي، ومنع المصلين من حرية الوصول إليه، ومنع رفع الأذان فيه مرات عدة خلال كل شهر. 

إن دولة الاحتلال، بهذا العدوان الهمجي، تنتهك القانون الدولي والشرعية الدولية، وتتصرف وكأنها فوق القانون، وتتنكر للاتفاقات التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتطلق العنان للتطرف والإرهاب اللذين أصبحا السمة الغالبة في سياساتها تجاه شعبنا، وتُحاصر شعبنا مالياً بِسرِقة أموال المقاصة الفلسطينية التي زادت حتى الآن على ملياري دولار تحتجزها دولة الاحتلال، ومُصادرة أراضي المواطنين وممتلكاتهم، والإعلان المُتكرر عن رفض قيام دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، والعمل على تحقيق ذلك من خلال فصل قطاع غزة عن باقي أرض الدولة الفلسطينية التي أقرتها الأمم المتحدة، سواء كان ذلك عبر دعم وتمويل ذلك الفصل سياسياً ومالياً، أو عبر العدوان العسكري وحرب الإبادة وجرائم الحرب التي ترتكبها في قطاع غزة، فضلاً عن مُخططات التهجير التي تحاول تنفيذها. 

أيتها الأخوات.. أيها الإخوة،

أمام كل هذه التحديات التي تُواجه شعبنا وقضيتنا، وقفنا ومعنا شعبنا العظيم المرابط في أرض وطنه التاريخي، المُتمسك بحقوقه المشروعة، وتحركنا في شتى الميادين وعلى مختلف المستويات، عربياً وإسلامياً ودولياً، وكان تحركنا وفعلنا منصباً على تحقيق أولويات أربع، تمثل ضرورات اللحظة الراهنة، وهي:

الأولوية الأولى: وقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تام من أراضي القطاع، وكذلك وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مدننا وقرانا ومخيماتنا في الضفة الغربية، ومنع الانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وجميع المناطق الفلسطينية. 

الأولوية الثانية: رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وبما يضمن تدفق الاحتياجات الضرورية اللازمة للمواطنين من الطعام والشراب والدواء والوقود والكهرباء ومتطلبات الإيواء العاجل، وفتح الطرق، والعمل على إعادة الخدمات المختلفة، تمهيداً لإزالة آثار العدوان وإعادة الإعمار. 

الأولوية الثالثة: مقاومة ومنع محاولات تهجير أهلنا من القطاع، وتنسيق الموقف في ذلك مع المجموعة العربية الإسلامية والمجتمع الدولي، وبالذات جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، اللتين نُحييّ في هذا المقام موقفهما الصارم والحاسم والمشرف في رفض مؤامرة التهجير، ودعم وحماية وجود الشعب الفلسطيني داخل أرضه ووطنه، فكل التحية لمصر ولأخي فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكل التحية للأردن ولأخي جلالة الملك عبد الله الثاني. 

الأولوية الرابعة: حماية القضية الفلسطينية كقضية شعب يسعى إلى تحرير أرض دولته المحتلة وممارسة حقوقه الوطنية في إطار الشرعية الدولية، وتنفيذ الحل السياسي القائم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، واعتراف العالم بهذه الدولة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. 

وفي سبيل تحقيق هذه الأولويات الوطنية الأربع، تحركنا كما قلت آنفاً في الميادين كافة، في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي محكمة العدل الدولية، ومع دول عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، هذا فضلاً عن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ولم نترك دولة أو مجموعة دولية أو منظمة دولية أو إقليمية إلا وتواصلنا معها، وكان همنا الأساس هو تحقيق هذه الأولويات التي تحمي شعبنا وتحمي قضيتنا الوطنية، وتضمن إنهاء العدوان والاحتلال، كما تضمن تحقيق سلام عادل وشامل للجميع بلا استثناء.

وللعلم فقد حصلنا على حوالي ألف قرار من الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، ومع الأسف لم ينفذ منها شيءٌ، لماذا؟؟ لأن هناك قوى عظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تستخف بالقانون الدولي، وتصر على استمرار سياسة الكيل بمكيالين تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، لكننا سنواصل هذا النضال، والعالم من واجبه أن يقف معنا حتى ننتزع حقوقنا المشروعة، شاء من شاء وأبى من أبى.

أيتها الأخوات.. أيها الإخوة،،

إن رؤيتنا لتحقيق السلام العادل والشامل، وضمان الأمن والاستقرار في فلسطين والمنطقة، التي قدمناها بالفعل لجميع الدول والجهات ذات الصلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والصين والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المجموعة العربية والإسلامية، تستند إلى وجوب خلق المناخ والظروف الملائمة، عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وفق قرارات الشرعية الدولية، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عاصمتنا الأبدية، 

وبما يشمل تحمل السلطة الوطنية الفلسطينية لمسؤولياتها كافة في قطاع غزة، كما في الضفة الغربية والقدس سواء بسواء، وبما يتضمن جميع المسؤوليات الأمنية والسياسية، على أساس وحدة القانون ووحدة المؤسسات ووحدة السلاح الشرعي ووحدة القرار السياسي، وهو ما يعني بالضرورة وجوب أن تُنهي حركة حماس سيطرتها على قطاع غزة، وأن تسلم القطاع بكل شؤونه، وأن تسلم الأسلحة كذلك إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وتتحول إلى حزب سياسي يعمل وفق قوانين الدولة الفلسطينية، ويلتزم بالشرعية الدولية وبالشرعية الوطنية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية. 

ومما لا شك فيه، أن تنفيذ هذه الرؤية الشاملة، التي أصبحت رؤية عربية إسلامية بقرار من القمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة مؤخراً، استناداً إلى الخطة المصرية الفلسطينية التي قُدمت إلى تلك القمة، يتطلب تحقيق الشروط التالية: 

أولاً: وجود أفق سياسي يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية مُستقلة ذات سيادة ومتصلة وقابلة للحياة ومُعترف بها، تكون عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.

ثانياً: انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة وضمان آليات واضحة ومستدامة لتدفق الاحتياجات الضرورية ومتطلبات إعادة الإعمار إلى قطاع غزة، والإفراج عن الأسرى والرهائن والمحتجزين. 

ثالثاً: وقف جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ووقف الاستيطان واعتداءات المستوطنين، والكف عن انتهاك حُرمة المقدسات في الضفة الغربية والقدس، وتحقيق تهدئة شاملة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، تتضمن خطوات لبناء الثقة، وتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية جدية تقود إلى تحقيق السلام العادل والشامل وفقَ مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها.

رابعاً: اعتماد خطة شاملة للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، أساسها عدم تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع، أي “التعمير دون تهجير”، وهو ما تم اعتماده بالفعل في القمة العربية الطارئة الأخيرة بالقاهرة، ويحتاج إلى تعاون وشراكة دولية من أجل تنفيذه.

وفي هذا الإطار، فإننا نعمل بالفعل مع الأشقاء في مصر، وكذلك مع الأمم المتحدة، من أجل عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة، تشارك فيه الدول الشقيقة والصديقة، جنباً إلى جنب مع المنظمات الدولية المختلفة.

أيتها الأخوات.. أيها الإخوة،

إن نجاحنا في مواجهة كل هذه التحديات التي أسلفت الحديث عنها، يتطلب بلا أدنى شك ترتيب البيت الفلسطيني داخلياً على أسس وطنية جامعة: 

1)    الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا، والالتزام ببرنامجها السياسي والنضالي والتزاماتها الدولية.

2)    الالتزام بالشرعية الدولية وقراراتها.

3)    الالتزام بمبدأ النظام السياسي الفلسطيني الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد، والقرار الوطني السيادي الواحد، والمقاومة الشعبية السلمية.

ولكي أكون صريحاً معكم، ولكي نضع النقاط على الحروف في شأننا الوطني الداخلي، أجد لزاماً علي أن أقول أمامكم: إن حركة حماس، ومنذ انقلابها على الشرعية الوطنية الفلسطينية عام 2007، وعملها طوال هذه الفترة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس، مروراً بست حروب طاحنة تسببت بها على قطاع غزة، ودون إعفاء الاحتلال بالطبع من المسؤولية، قد ألحقت أضراراً بالغة بالقضية الفلسطينية، وقدمت للاحتلال خدمات مجانية خطيرة، سواء بقصد أو بغير قصد، ووفرت لهذا الاحتلال المجرم ذرائع مجانية لتنفيذ مؤامراته وجرائمه في قطاع غزة، وكان أبرز هذه الذرائع حجز الرهائن.

كما فعلت الشيء نفسه في الضفة الغربية وإن بطريقة مختلفة، وكانت مآلات كل هذه الأفعال التي قامت بها حماس ما نعايشه الآن من عدوان ودمار وانغلاق لآفاق المستقبل أمام شعبنا، ما يجعلها ملزمة أمامنا وأمام شعبنا بأن تُنهي استيلاءها على الحكم والسلطة في قطاع غزة تماماً، وأن تتركه لمنظمة التحرير وللسلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، حقناً لدماء أبناء شعبنا، وحماية لمصالحه ومستقبله. 

ليس أميناً على مستقبل شعبنا من يعتبر نفسه شيئاً ويعتبر شعبه شيئًا آخر، فيقول عن أهل غزة “نحن وهم”، وليس أمينًا على شعبنا ومصالحه من يرى كل هؤلاء الشهداء والجرحى مجرد خسائر تكتيكية، وليس أميناً على شعبنا من يقول “مال حماس لحماس وليس للشعب”، رغم أنهم يجمعون التبرعات باسم الشعب الفلسطيني ثم يودعونها في حساباتهم الخاصة.

ولقد وجهت أعضاء اللجنة التنفيذية بالشروع في حوار وطني شامل مع كل القوى والفصائل دون استثناء، من أجل حماية وحدتنا الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، على أرضية الالتزام بميثاق المنظمة وبرنامجها السياسي والتزاماتها كافة.

إخوتي .. أخواتي

منذ بدايات انطلاق ثورتنا المباركة، حرصنا على بناء علاقات متينة مع أشقائنا في الدول العربية والإسلامية، أساسها الاحترام المتبادل والثقة، وسياجها عدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، ولا نزال متمسكين بهذه المبادئ، حريصين عليها أشد الحرص، مع إيماننا الأكيد وثقتنا العالية بأن أشقاءنا العرب والمسلمين هم العمق الإستراتيجي لنا ولقضيتنا وكفاحنا الوطني، وهم الظهير والنصير الحقيقي لشعبنا.

وفي هذا المقام، فإنني أؤكد هنا على جملة من المبادئ والمحددات التي تضبط علاقاتنا مع أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية، وأهمها:

1)    تعزيز علاقاتنا مع أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية على أساس الاحترام المتبادل والثقة، وتقدير مواقفهم الداعمة لقضيتنا منذ عشرات السنين. 

2)    الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية وبهيئاتها المختلفة، وكذلك الالتزام بمنظمة التعاون الإسلامي، مُقدرين دور كل منهما في دعم كفاحنا الوطني من أجل الحرية والاستقلال والدولة المستقلة.

3)    العمل مع الدول الشقيقة، وبخاصة تلك الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، أو التي تضم تجمعات فلسطينية، من أجل تخفيف معاناتهم، وضمان حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكينهم من المشاركة في الانتخابات العامة الفلسطينية، وبخاصة انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، مع ضرورة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا لتقوم بواجباتها تجاه ملايين اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، ومواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى حلها أو عرقلة عملها.

وأُشير هنا، إلى أن السياسة الإسرائيلية ضد “الأونروا”، إنما ترمي إلى محاولة شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، كجزء من مخططها لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ما يجعل الوقوف مع الأونروا ودعمها جزءاً من حماية القضية الفلسطينية، وحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم اليوم على ثمانية ملايين، في مخيمات اللجوء داخل فلسطين وفي الشتات. 

أما على المستوى الدولي، فقد نجحت منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، في بناء شبكة واسعة من علاقات الصداقة والتعاون مع كثير من دول العالم، حيث تتمتع دولة فلسطين اليوم باعتراف مئة وتسع وأربعين دولة، بما في ذلك دول أوروبية وازنة، فضلًا عن دول عظمى كروسيا الاتحادية والصين الشعبية، كما نجحنا عام 2012 في رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة إلى مستوى دولة مراقب، ورفعنا علم دولة فلسطين على مبنى الأمم المتحدة أسوة بكل دول العالم، هذا العلم الذي يرمز إلى هويتنا الوطنية المستقلة، الذي وصفه بعض السفهاء بأنه مجرد “خرقة”، ولا نزال نعمل من أجل حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

لقد أتاح لنا رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة دخول عشرات المنظمات والمعاهدات الدولية كدولة كاملة العضوية فيها، كمنظمة اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، والإنتربول وغيرها، وهو ما وفر لنا مساحات عمل واسعة؛ أولاً في بناء علاقات تعاون وشراكة متينة على المستوى الدولي، كما كان عند رئاستنا لمجموعة 77 + الصين، وثانياً في ملاحقة ومحاكمة الاحتلال وقياداته السياسية والعسكرية على جرائم الحرب التي ارتكبوها ولا يزالون يرتكبونها بحق شعبنا.

ولقد تصدينا بكل قوة لمحاولة فرض ما سمي “صفقة القرن”، التي أرادت الالتفاف على ثوابتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة، وقلنا حينها ونقول الآن: واهمٌ من يظن أن بإمكانه أن يُحقق سلاماً أو أمناً أو استقراراً على حساب حقوقنا وقضيتنا الوطنية.. هناك طريق واحد للسلام؛ دولة فلسطينية كاملة السيادة وفق قرارات الشرعية الدولية، والقدس الشرقية عاصمة لها، وغير ذلك وهم لا يمكن أن يكون.

وانطلاقاً من كل هذا، فإن تحركنا الراهن على الصعيد الدولي، منفردين أو بالتنسيق والتعاون والشراكة مع المجموعة العربية والإسلامية، يستند إلى العناصر التالية:

1)    مطالبة المجتمع الدولي بإجبار إسرائيل دولة الاحتلال على وقف حربها ضدنا في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وسحب جيشها من هذه المناطق، ووقف مصادرة أراضي الدولة الفلسطينية، وتفكيك المستوطنات، تمهيداً للإنهاء الكامل والتام للاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، ووجوب اتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ ذلك، ودعم المبادرة التي أطلقها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبناء تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين.

2)    الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان وجنوب إفريقيا والبرازيل، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية والمبادرة العربية للسلام لعام 2002، والاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، من أجل التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم وإنهاء الصراع ووقف حالة العداء القائمة منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917. 

3)    إيجاد بيئة سياسية تؤدي إلى التعايش السلمي المشترك لشعوبنا في منطقة الشرق الأوسط تقوم على أسس احترام سيادة الدول وحسن الجوار وعدم الاعتداء من أي طرف والدخول في معاهدات إقليمية تقوم على أساس العمل المشترك بأشكاله كافة.

4)    الحفاظ على المصالح الخاصة والمشتركة في منطقتنا وحمايتها واحترام مصالح الدول ووقف مصادرة حقوق الشعوب أو استنزافها بضغوط استعمارية وعسكرية. 

5)    مطالبة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والتي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، بالاعتراف بدولة فلسطين أسوة بمئة وتسع وأربعين دولة اعترفت بدولة فلسطين حتى الآن، حيث أصبح لدولتنا مقعد بين الأمم بحسب الترتيب الأبجدي، وسبق أن تقدمنا إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة ولكن اصطدمنا بالفيتو الأمريكي، ومع ذلك سنتقدم مرة أخرى، ولن نهدأ حتى لو تقدمنا أكثر من مرة، وصولاً إلى نيل الاعتراف من مجلس الأمن الدولي لتصبح دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.

6)    تحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام القائم على مبدأ حل الدولتين، دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967 تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من دولة فلسطين. 

7)    الإعلان عن إنهاء حالة العداء والكراهية ونبذ الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئها، واحترام حرية الدين والمعتقد والعبادة وحرية الوصول إلى جميع أماكن العبادة لكل الديانات دون استثناء، والكف عن انتهاك الأماكن الدينية المقدسة.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة يوم 4 آذار/ مارس الماضي، تطرقت في كلمتي إلى قضية استحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين، ثم أحلت الأمر بعد ذلك إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وطلبت من رئيسه اتخاذ الإجراءات القانونية لإدخال التعديلات اللازمة على النظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل هذه الغاية، التي ظلت تراودني لأكثر من عشرين عاماً، وأردت من ورائها ولا أزال تطوير وتعزيز عمل منظمة التحرير ودولة فلسطين، كما تطرقت في كلمتي أمام القمة إلى مسألة العفو عن المفصولين من حركة فتح وعودتهم إلى الحركة ووظائفهم شريطةَ أن يتقدموا بطلباتٍ فردية تُقرها القيادة الفلسطينية. 

أيتها الأخوات أيها الإخوة، 

لا يفوتني في ختام كلمتي أن أشكر الأشقاء العرب على مواقفهم الداعمة لنضال شعبنا، فالشكر لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية على مواقفه الشجاعة وخاصة منعه تهجير شعبنا من قطاع غزة. 

والشكر لجلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية على دعم شعبنا وموقفه الرافض لتهجير شعبنا إلى الأردن ورعايته للأماكن المقدسة في فلسطين.

وكل الشكر إلى جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية وولي العهد ورئيس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان على مواقفهم الشجاعة والرافضة للتطبيع مع إسرائيل واشتراط ذلك بقيام الدولة الفلسطينية.

كما أشكر الاشقاء في الجزائر وفخامة الرئيس عبد المجيد تبون على دعمه المتواصل لنضال شعبنا العادل ورفضها كل محاولات طمس القضية الفلسطينية وبخاصة في مجلس الأمن والمحافل الدولية كافة، والعمل على وحدة الصف الفلسطيني. 

ولا يفوتني أن أشكر جميع قادة دولنا العربية الشقيقة من ملوك وأمراء ورؤساء دون استثناء على وقوفهم الداعم لنضال شعبنا من أجل نيل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.   

وأخيراً أقول لأبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان من هذا العالم الواسع، إن قضيتنا الوطنية، وحقنا في تقرير المصير والدولة والقدس العاصمة الأبدية والعودة، هي أمانة في أعناقنا جميعًا، وسنبذل من أجلها الغالي والنفيس، وإن من يتوهم أن بإمكانه أن يقفز عن قضية شعبنا وعن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سوف يفشل لا محالة في طمس الحقيقة أو شطب مشروعنا الوطني الذي رويناه بأنهر من الدماء الزكية لشهدائنا وجرحانا.

التحية كل التحية لأهلنا في غزة الباسلة الجريحة، وفي الضفة الصامدة، وفي القدس درة التاج الوطني، ولأبناء شعبنا في كل مكان على صمودهم وثباتهم والتفافهم حول حقوق وطنهم.

وكل التحية لأنصار الحق الفلسطيني من أصحاب الضمائر الحية الذين يناضلون ويقفون معنا من أجل تحقيق العدالة والحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني.

المجد للشهداء .. الشفاء للجرحى .. الحرية للأسرى

وفلسطين لنا .. والقدس لنا .. وسننتصر بإذن الله، ولو بعد حين.

باقون على أرضنا ولن نرحل

والذي يجب أن يرحل وسيرحل هو الاحتلال

والسلام عليكم ورحمة الله بركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *