29 أكتوبر 2025Last Update :

– الكاتب: باسم برهوم – توقفت الحرب في قطاع غزة أقلها بشكلها البشع الذي أجمع العالم والقانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة على أن ما جرى هو حرب إبادة وحشية. صحيح أننا نعيش مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة جدا، ولا يعلم أحد كيف ستؤول الأمور في نهاية المطاف، ومع ذلك علينا أن نفكر بالطرق كي نُبقي حرب الابادة في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، والأهم في ذاكرة الشعوب، التي هبت للتضامن معنا في كل أنحاء العالم. الهدف ليس أن نواصل الغرق في دائرة الاحقاد والتطرف. وإنما أن نحاول، وتحاول معنا الإنسانية العمل لمنع تكرار جرائم الحرب بكل أشكالها. وفي طليعة ذلك حرب الإبادة الجماعية.

الصهاينة نجحوا في حفر المحرقة النازية في ذاكرة ووعي كل البشرية بهدف أن لا تتكرر لهم ولغيرهم، لكنهم فشلوا كما هو واضح في حفرها بالشكل المناسب في ذاكرتهم هم. ربما ولهذا السبب بحاجة إلى أن نصل لذاكرة اليهود أيضا لمنع تكرار ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي من فظائع في قطاع غزة. لهذا السبب ولغيره علينا أن نضع هدف أن نصل للذاكرة العالمية جمعاء عبروسائل مختلفة، وأن لا يكون عملا موسميا وإنما جهد متواصل، خصوصا إذا ربطنا إبادة قطاع غزة بنكبة العام 1948 وبنكبات الشعوب الأخرى، وما جرى بالتحديد خلال نكبتنا من جرائم،أهمها التطهير العرقي الذي قامت به العصابات الصهيونية لأكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في حينه.

ومن الواضح، ولتحقيق الهدف المشار اليه نحن بحاجة إلى تشكيل مؤسسة أو هيئة، من الافضل أن نشرك بها دوائر عالمية، وشخصيات عربية وعالمية إعتبارية من كافة المجالات، ولكن العمل الاساسي، في تطوير المادة الارشفية، المادة الخام الغنية، بالضرورة أن نقوم بها نحن، ونعمل على غربلتها، لنقدمها لكل المبدعين فلسطينيين وعربا وأصدقاء من العالم، لكي يحولوها إلى أعمال فنية وثقافية وسينمائية، مهمة المؤسسة نشرها في العالم، وأن نجمع القصص الفردية والجماعية،ونؤسس لأرشيف صور ضخم. نجمع كل فيديو انتشر خلال الحرب وبعدها،وكل فيديو صوّره أناس عاديون ولم يُنشر، وأن نقيم وبعد ان تهدأ الامور متحفا واقعيا عبر إبقاء جزء من الدمار، وأن نحول جزءًا من الركام إلى نصب تذكاري يشهد على حرب الإبادة.

هذا العمل بالضرورة البدءُ به الآن قبل أن تتغير معالمحرب الإبادة والدمار، والبؤس الذي خلفته في الناس الذين بقوا على قيد الحياة، وأن نجمع القصص التي لا تزال حية في الذاكرة قبل ان تأتي طبقات أخرى فوقها وتشوه الأصيل منها. لدينا مادة هائلة موجودة بين أيدينا، إلا اننا بحاحة لطرف معتمد رسميا لجمع هذا الارشيف المروي والمصور، والخوف أن يأتي طرف آخر، أو أطراف أخرى وتقوم بهذا العمل ولكن لمصلحة أجندات غير فلسطينية وغير إنسانية. والخوف ان يأتي زمن نعض فيه على أصابعنا ندما ونحن لا نلمس وجودا للإبادة الجماعية في الذاكرة، او ان يتم تشويه الحقيقة في ذاكرة البشرية، ونفقد ورقة مهمة من الرواية.

نتحدث كثيرا عن حرب الروايات والسرديات. قدمت حكومة نتنياهو الفاشية إلينا عبرارتكابها أبشع حرب إبادة في التاريخ المعاصر، قدمت مادة هائلة تدعم سرديتنا وروايتنا، علينا ألّا نهدر هذه الفرصة، خصوصا أننا تأخرنا كثيرا في إنتاج روايتنا الخاصة حول نكبة العام 1948، وما شملته من جرائم بشعة جدا قامت بها الصهيونية،أن تقدم بشأنها رواية محكمة للعالم.

بالتأكيد نحن اليوم نصارع من أجل البقاء، نصارع من أجل ألا يتم تصفية القضية الفلسطينية، ولكن لنجعلمن هذه المهمة جزءا من صراعنا من اجل البقاء، ففي النهاية الرواية هي الاقوى، والنجاح بإيصالها للعالم هو الأهم، لذلك لنكرس شيئا من جهدنا ومالنا مهما قل، من أجل حماية الرواية وان نبقى نحن ممسكين بها، تماما كما نتمسك بقرارنا الوطني الفلسطيني المستقل، وان ندرك أن السيطرة على الرواية، وقبل أن يخطفها آخرون ويشوهون ما بها من حقائق، تصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية وقرارها المستقل.

شاركها.