الحمد لله أنني فلسطيني
31 مارس 2024آخر تحديث :
_ الكاتب: رمزي عودة – لقد وقع علينا نحن الشعب الفلسطيني ظلم تاريخي منذ أكثر من 100 عام خلت، وما زلنا نقبع تحت هذا الظلم.
أراضينا سلبت، واستشهد وجرح مئات الآلاف من أبنائنا ونسائنا وأطفالنا، سرقت أموالنا، ودمرت بيوتنا، أسر مئات الآلاف من شبابنا، شرد الملايين منا وعاشوا في الشتات، وغيرها الكثير الكثير من الجرائم المستمرة بحقنا كفلسطينيين، وخير مثال على هذه الجرائم ما يقع علينا في هذه اللحظات من ظلم وقهر وجوع في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
ومع كل هذا الظلم الكبير الذي نستشعره ونعيشه يومياً، فما زلنا شعبا حيا عظيما، نبني ونتزوج، وندرس بالجامعات، ونكتب الكتب والمقالات، ونرسم ونعزف الموسيقى،ليعرف العالم أجمع: نحن الشعب الذي يستحق الحياة ويعيش الأمل ويسعى للوصول الى أحلامه التي لا تموت. نحن الشعب الذي يحمد لله ألف مرة يومياً على انه فلسطيني ومتمدن ومتسامح.
بالمقابل، تصوروا لو كنت إسرائيلياً، كيف يمكنني أن أربي أطفالي على القيم والأخلاق بينما أعود من خدمتي في جيش قتل طفلاً أو أسر شاباً أو دمر بيتاً وربما أكون أحد الذين قاموا بهذه الجرائم؟.
كيف يمكنني أن أعلم طلبتي في الجامعة جمهورية أفلاطون الفاضلة ونظرية هيجل عن المثل واشتراكية ماركس عن العدالة الاجتماعية بينما أنا جزء من دولة تسرق وتقتل وتأسر بعيداً كل البعد عن كل هذه القيم والأخلاق.
كيف يمكن أن أعيش قصص الحب والشعر والموسيقى بينما تملأ حياتي يومياً قصص الكراهية والدم؟ كيف يمكنني أن أعاقب طالباً غش في الامتحان بينما دولتي التي أفتخر أني مواطن فيها زورت التاريخ وسرقت تراث وتاريخ وأرض شعب آخر؟ كيف يمكن لي أن أعلم أولادي الصلاة بينما دولتي تعتدي على أماكن العبادة للآخرين وكأن إلاههم غير إلاهنا؟ كيف يمكنني أن أغني للسلام والتسامح بينما دولتي تعتاش على الحروب وتقتات من دماء الأطفال؟ كيف يمكنني أن أحترم مجتمعي وأنتمي إليه بينما يشارك هذا المجتمع يومياً بحصار المدن والقرى ووضع الحواجز العسكرية على مداخلها؟ كيف يمكنني أن أدعو إلى العدالة والمساواة بينما أشارك شخصياً في فرض نظام فصل عنصري على شعب آخر؟ كيف يمكنني أن أهدي طفلي في عيد ميلاده صورتي وأنا أفجر منزلاً للآخرين؟
الحمد لله أنني فلسطيني، والا لفقدت احترامي وحبي لذاتي ولمجتمعي ولكتبي وأبحاثي ولزوجتي وأطفالي وطلبتي، والا لما استطعت النوم ومناظر الأطفال الذين قتلتهم تلاحقني في منامي.
الحمد لله، والا لما استطعت أن أعشق وطني وأن أنتمي إليه بينما سرقت أرض الآخرين وطردتهم من بيوتهم وأنا أدرك جيداً أن موطني الحقيقي ليس هنا.
الحمد لله، وإلا لن أسامح نفسي على المشاركة في الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة الآن.
في الحقيقة، الحمد لله أنني ولدت فلسطينياً، فحتى مع الظلم الذي يقع علي فأنا ما زلت إنساناً، وما زلت عاشقا، وما زلت كاتباً وأباً ومعلماً وباحثاً.