بعد ان عرض المبعوث الأمريكي ويتكوف مقترح التهدئة على رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتلقى تعديلاته وفق الرؤية الإسرائيلية،أرسل ويتكوف المقترح إلى حركة حماس التي تعتقد أنها أصبحت ذات قيمة ووزن سياسي بعد تسليم عيدان الجندي في جيش الاحتلال صاحب الجنسية المزدوجة الإسرائيلية والأمريكية وبعد جلسات ودية مع المسؤولين الأمريكيين.. للأسف أثبت سذاجة الحركة وبما أن الطماع ضحية النصاب، فقد راهنت الحركة على “الود الأمريكي” بتشجيع من بعض أصحاب “دور التوريط” من الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة عسكريا وسياسيا وامنيا”.

في النهاية وجدت الحركة نفسها في أزمة ما بين عصا نتنياهو الغليظة التي تقتل وتهدم وتحتل، وترفض الالتزام بوقف الحرب أو الخروج من غزة، ووعود أمريكية شكلية بلا ضمانات حقيقية، وبين الضغط الشعبي الذي يرى النجاة في المساعدات الأمريكي وفك الارتباط بما تبقى من عناصر الحركة الذين لا يوجد معهم سوى الرصاص لإرغام الجائعين على الصمود الناس بعد عامين من حرب إبادة وتطهير عرقي.

لم تفهم الحركة طبيعة العلاقة بين النظام القديم – الجديد في تل أبيب وبين الإدارة الأمريكي الجديدة التي تسمح لتحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف باستكمال ما بدأ في فلسطين فقط، واستمرار الضغط على حزب الله حتى الوصول الى تفاهمات مع إيران تشمل وضع الطائفة الشيعية في الدولة الجديدة والنظام الإقليمي المعتدل على طريق التطبيع الشامل.

فيما يحتفظ ترامب وفريقه الرئيسي برؤية أمريكية خاصة لإدارة العلاقة مع النظام السوري الجديد بالشراكة مع تركيا والسعودية اللتان لا تفضلان التدخل الإسرائيلي في الملف السوري، خاصة وأن تل أبيب حصلت على خط ساخن مع تركيا في أذريبجان للحد من التوتر وتحقيق ضمانات بعدم المساس بالأمن الإسرائيلي بعدما دمرت كل المقدرات العسكرية لسوريا.

كذلك يرى البيت الأبيض انه صاحب الحق الكامل في إدارة المفاوضات مع النظام الإيراني وفق المصالح الامريكية أولا، ودون إغفال المخاوف الإسرائيلية في حجمها الطبيعي، وفي كل الأحوال يرى البيت الأبيض أن مصالح إسرائيل لا تتطابق بشكل تام مع رؤية نتنياهو لمصالح إسرائيل.

الرئيس ترامب الذي كال المديح لقادة السعودية وقطر والامارات وحقق معهم شركات كبرى ليس بحاجة لإزعاج نتنياهو في الإقليم بعد فشله في إغلاق الملفات المفتوحة، ورغبته في استمرار توريط الولايات المتحدة ضمن حساباته الشخصية والائتلافية فقط، فيما يرى الكثيرون داخل إسرائيل وفي اللوبياتالمؤيدة لإسرائيل في واشنطن أن مصلحة إسرائيل لا تتطابق تمام مع رؤية نتنياهو الذي يخوض حرب بلا سقف زمني، أو أهداف سياسية وعسكرية واضحة، حرب تواجه رفض عالمي واسع في ظل عدم وجود أسباب مقنعة لاستمرار القتل والتجويع.

للأسف بعد 17 عام من الحكم والعلاقات الإقليمية أثبت حركة حماس رؤية قاصرة في قراءة التطورات والمتغيرات وطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية، وأظهرت جشع أعمى في المفاوضات بحثا عن وهم الاعتراف الأمريكي أو الحصول على حضور غير مباشر في إدارة غزة ما بعد الحرب. 

الأخطر الذي لا تعلمه الحركة أنها ستواجه ملاحقة إسرائيلية أمريكية خارج فلسطين، بالاعتماد على الوثائق والاعترافات والمعلومات التي حصلت عليها أجهزة الامن الإسرائيلية خلال الحرب، مما وفر لدولة الاحتلال معلومات ووثائق تمكنها من مخاطبة جميع الأطراف ذات الصلة بنشاط حماس المالي والاجتماعي في الخارج.

الباب بات ضيقا أمام الحركة للمراوغة ولن يبقى مفتوحا في ظل عجز الحركة الميداني وتراجع حجم ورقة الأسرى في تشكيل ضغط من 240 أسير الى 10 أسرى أحياء اذا ما قبلت بالورقة الأمريكية التي لا تحمل حلول نهائية لأي ملف وتبقي يد نتنياهو حرة طليقة لاستكمال حرب التطهير العرقي.

الباب المفتوح للحركة على المدى الزمني القصير هو الوصول السريع لتفاهمات مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تحظى باعتراف عربي وأوربي وفق الأوراق الموقعة في التفاهمات السابقة، والخروج التام من أي تعويل على إيران،والتعاون مع الرؤية العربية الدولية التي يعبر عنها التحالف الدولي للحفاظ على حل الدولتين، ضمن السقف السياسي لوثيقة الأسرى باعتبارها المرجعية السياسية محل التوافق الوطني

ما عدا ذلك ستفقد حماس المزيد من عناصرها وتأثيرها الشعبي وسيخسر الشعب الفلسطيني المزيد من الأطفال والأرض في أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية بمجملها.

شاركها.