اخبار

الإسلاميون بعد قرن: حصادُ الصراع ومآلات المستقبل؟! د. أحمد يوسف

مرّت قرابة المائة عام على انطلاق الحركات الإسلامية في العالم العربي، منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، وحتى الحركات المعاصرة التي تتنوع بين الدعوي، السياسي، والجهادي. خلال هذا القرن، خاض الإسلاميون صراعًا مريرًا مع الأنظمة العربية، تخلله مراحلٌ من القمع والاحتواء،
 والصعود،
 والانكسار. والسؤال اليوم: ماذا تحقق من مشروعهم؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم؟
أولًا: ما الذي تحقق؟
• الحفاظ على الفكرة
رغم القمع والملاحقة، حافظ الإسلاميون على مشروعهم الفكري في الهوية الإسلامية، ورفض الهيمنة الغربية، والدعوة لإصلاح المجتمع وفق مرجعية الشريعة.
• الانتشار الشعبي والتنظيمي
امتلكت الحركات الإسلامية قدرة كبيرة على التنظيم، وبنت شبكات اجتماعية فاعلة، خاصة في التعليم، الإغاثة، والخدمات، مما أكسبها قاعدة شعبية واسعة، خاصة في الطبقات الوسطى والفقيرة.
• اختراق النظام السياسي (مرحليًا)
شهدت بعض الحركات الإسلامية لحظات صعود سياسي، أبرزها:
• فوز الإخوان في انتخابات برلمانية ورئاسية (مصر 2011–2012)
• مشاركة حركة النهضة في الحكم (تونس)
• صعود حماس في غزة بعد انتخابات 2006
إلا أن معظم هذه اللحظات انتهت بانقلابات أو ضغوط دولية وإقليمية أفشلت تجربتهم.
• تدويل القضية الإسلامية
أسهم الإسلاميون في نقل قضايا الأمة إلى المحافل الدولية، خاصة القضية الفلسطينية، والدفاع عن قضايا الهوية والديمقراطية.
ثانيًا: الإخفاقات والتحديات
• ضعف في إدارة الدولة
عانت التجارب الإسلامية في الحكم من قلة الكفاءة الإدارية، أو التردد بين الأيديولوجي والواقعي، أو الاصطدام مع مؤسسات الدولة العميقة.
• الانقسام الداخلي
شهدت الحركات الإسلامية انقسامات حادة بين من اختار طريق الدعوة، ومن حمل السلاح، ومن دخل المعترك السياسي. هذا الشتات أضعف صورتها ووحدتها.
• الارتباط باللحظة التقليدية
بعض الحركات أخفقت في تقديم خطاب متجدد يناسب متغيرات العصر، مما جعلها تبدو حركات ماضوية، غير قادرة على مخاطبة الشباب والنخب الحديثة.
• ردة فعل الأنظمة
بعد “الربيع العربي”، لجأت الأنظمة إلى موجة مضادة من القمع الشامل ضد الإسلاميين، وصلت إلى تصنيفهم كـ”إرهابيين”، ومحاصرتهم إقليميًا ودوليًا.
ثالثًا: مآلات المستقبل
• إعادة التفكير البنيوي
لا بد للحركات الإسلامية من مراجعة شاملة: في الخطاب، التنظيم، العلاقة مع الدولة، ومفهوم المشروع الإسلامي نفسه. هل هو دولة دينية؟ دولة مدنية بمرجعية إسلامية؟ مشروع مجتمعي لا سلطوي؟
• التحول نحو المجتمع المدني
قد يكون المستقبل للإسلاميين في الفضاء الاجتماعي والثقافي، عبر بناء وعي مجتمعي، ومؤسسات فاعلة، بدل التركيز فقط على السلطة السياسية.
• التحالفات العابرة للأيديولوجيا
لمواجهة الاستبداد، قد يتطلب الأمر التحالف مع القوى الليبرالية واليسارية، وفق ميثاق ديمقراطي يتجاوز الانتماءات العقائدية الضيقة.
• الصعود الجديد في لحظات الفراغ
مع الانهيارات الاقتصادية، وفساد الأنظمة، قد تعود الحركات الإسلامية –أو بعض أطيافها المتجددة– إلى الواجهة، إذا ما استطاعت تمثيل تطلعات الناس بلغة جديدة.
• احتمال التجذر السري أو الجهادي
في حال استمر الإغلاق السياسي، قد تتجه بعض الفصائل نحو العمل السري أو العنيف، خاصة في البيئات التي يغيب فيها الأفق الديمقراطي.
خاتمة
بعد قرن من الصراع، الإسلاميون ليسوا في ذروة صعودهم، لكنهم أيضًا لم يُهزموا بالكامل. لقد تغيّر العالم، وتغيرت الشعوب، ويبدو أن الحركات الإسلامية مطالبة اليوم ليس فقط بالصمود، بل بالتجديد العميق: في الفكر، في الوسائل، وفي الغايات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *