اخبار المغرب

في ليلة القدر.. إلـتف المغاربة حول أمير المؤمنين..

عُــرف المغاربة بإرتباطهم الشديد بملوكهم حتى في الأوقات التي كانت رُئيتهم نادرة أو متعسرة..و احتفظت ذاكرتهم الشعبية بقصص تحاكي الخيال و لقاءات الملوك لأفراد الشعب خارج أسوار القصر…كما تحتفظ الذاكرة الشعبية المغربية خاصة المحكية منها بحكايات لخرجات الملوك ليلا من أجل التعرف عن أحوال الشعب عن قرب ، وظهور الملوك في صورة الضيف أو العابر سبيل أو الصديق…التراث المحكي المغربي غني بأحاديث عن هدايا و كرامات الشُرْفـا لفائدة الفئات الهشة…و نسجت في المخيال الشعبي ملامح أسطورية لصورة الملوك و السلاطين المغاربة…

و تبقى الكلمة السحرية لهذا الارتباط هي البيعة و العروة الوثقى ، بكل ما تحمله من رمزيات دينية وروحية وسياسية واجتماعية…لكن كل الملوك والسلاطين المغاربة انفردوا بأسلوبهم الخاص في التعامل مع الشعب..ألم يـذكرنا الملك الحكيم الحسن الثاني رحمه الله اكثر من مرة بأن L’homme c’est le style…؟
لقد لعب المغرب عبر تاريخه الطويل دور الفاعل المؤثر في مجرى الأحداث..بكل ما يعني ذلك من محاكاة التجارب الأخرى و التنافس و تبادل السفارات و نقـل المعارف بما فيها بروتوكولات بلاطات الملوك الغربيين…و منها تدوين تاريخ الملوك و عاداتهم و بعض طقوسهم و خطبهم…

و مع تطور وسائل الطبع و النشر و انتشار الكتاب و وسائل الاتصال السمعي البصري من راديو و تلفزيون و سينما و شبكات التواصل الاجتماعي…فقــد تأثرت العديد من البروتوكولات الملكية وبعض جوانب الحياة الخاصة الملوك أو الرؤساء في الغرب…فلم يعد الحديث عن إحراج أو معاناة الملك لويس الرابع عشر مثلا مع المرض سرا كبيرا..أو ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية وشعارها ” Never complain ,never explain “.. إذ انفتح أفراد العائلة المالكة على الشعب الذي علم بمرض الملك شارل الثالث و كذا بإصابة Kate Maghrethe زوجة ولي عهد بريطانيا بالسرطان..و كذا مراحل التعافي و النقاهة..ولم تعد حالات المرض سرا يجب إخفاؤه على الشعب…أكثر من هذا فالرئيس الأمريكي روزفلت قــاد الحرب العالمية الثانية على كرسي متحرك..ولم يحبط هذا من عزمه أو من عزم الدولة الأمريكية…
تاريخ الملوك و السلاطين المغاربة حافـل بصفحات خالدة عن الوفاء و الالتـزام إذ لم تمنعهم قط حالات المرض أو العِـلة عن القيام بواجباتهم الشرعية تجاه البلاد و العباد…فالسلطان عبد المالك السعدي مثلا أصـر أن يقود الجيوش المغربية إلى انتصار تاريخي في معركة وادي المخازن رغم أنه كان على سـرير محمول..حيث تــم إخفاء خبر موته لتفـادي التأثير على معنويات الجيش المغربي…كما أن وفاة السلطان مولاي الحسن الأول يوم 9 يونيو 1894 قـرب مدينة تازة أثناء إحدى حملاته العسكرية..قـد اختلفت الروايات التاريخية بشأنها بين قائل بسبب مرض مفاجئ و آخر بسبب تسمم…و كيفما كان الحال فإن تلك الحالة المرضية لم تمنع السلطان مولاي الحسن الأول من التراجع أو تأجيل قيامه بواجباته…

و مناسبة هذا الحديث ، هو ترأس أمير المؤمنين محمد السادس حفظه لله لإحياء ليلة القدر المباركة يوم الخميس 26 رمضان و أداءه للصلاة و التراويح في وضعية الجلوس نظرًا لحالته الصحية بعد خضوعه لعملية جراحية على مستوى الكتف الأيسر…
و الحرص على تواصل القصر الملكي مع الشعب عبر بلاغات مضمونها الحالة الصحية لجلالة الملك ليس بالشيء الجديد…فمنذ تحمل الملك محمد السادس للأمانة العظمى في يوليوز من سنة 1999…تعهد بـبناء الوطن ورفاهية المواطن بمقاربة تشاركية..حيث قـاد ثورات هادئـة في جميع المجالات كالمفهوم الجديد للسلطة و مدونة الاسرة و مسلسل الإنصاف و المصالحة و التنمية المستدامة و الترتيبات الكبرى للمشروع الملكي الخاص بالدولة الاجتماعية…
ولعل من بين أقوى الثورات الهادئة التي قادها الملك محمد السادس هي الخاصة بحالته الصحية و ظهوره أول مرة بعكاز طبي في إحـدى التدشينات ثم بالمستشفى محاطا بأفراد العائلة الملكية و بلاغات اخرى بخصوص العملية الجراحية الدقيقة في زمن كورونا…ثم حادث كتفه الأيسر…

و لأننا عائلة مغربية كبيرة نتكاثف و نتعاضد في زمن المرض و الأزمات…و هـي مناسبة فريدة عبّـر فيها المغاربة في الداخل و مغاربة العالم عن تشبثهم بملكهم و بملكيتهم وسط كم هائل من الأخبار الزائفة التي روجها بسوء نية إعلام دولة العالم الآخـر..حيث تم الرد عليها بكل قـوة سواء في الصحافة الوطنية أو شبكات التواصل الاجتماعي وحتى بمدرجات ملاعب كرة القدم ..كان آخرها بملعب مدينة وجدة لكرة القدم…
لكن شغف الملك محمد السادس بخدمة المغرب و المغاربة و مصالح الوطن..كان أكبر من كل تلك الحالات المرضية و الوعكات الصحية العرضية و لم تمنعه من ممارسة مهامه الدستورية…كاستقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أو افتتاح الدورات التشريعية للبرلمان و إلقاء الخطب و التعيينات وغيرها…و أيضا كأمير المؤمنين و ترأسه لصلاة العيد و ليلة القـدر و غيرها من المناسبات الدينية و الوطنية…
و الواقع هو أن المغاربة تابعوا ليلة القدر المباركة حيث كان أميرالمؤمنين جالسًا متوسطا لجموع المصلين و كأنه بدرا أضاء قاعة الصلاة بالقصر الملكي بالرباط…وملايين المغاربة كانت تدعو له عند كل ركعة وسجدة بالشفـاء العاجل…فصلاته في وضعية الجلوس في ليلة مباركة حمل أكثر من معنى فهو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة و الدين ، وهو القدوة المؤمنة في إقامة فريضة الصلاة جلوسا تبعا لقوله تعالى ” الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم…”..وهو الملك الإنسان…في لحظة إنسانية تذكرنا بلحظات بكاء و تأثر الملك الحكيم الحسن الثاني فوق قبر أخيه الأمير مولاي عبد الله في دجنبر1983..و هي لحظات انسانية بكل شموخ لملوك مغاربة تـربعوا في قلوب المغاربة بالداخل أو مغاربة العـالم…

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *