تتصاعد الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، حيث انتقلت من الأسواق التجارية في طهران إلى الجامعات والمدن الأخرى، مما يعكس حالة من الغضب الشعبي المتزايد بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وتأتي هذه التحركات في ظل إجراءات أمنية مشددة وتحذيرات رسمية، بالإضافة إلى خطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل بعض المؤسسات العامة. وتُعد هذه الاحتجاجات تحدياً جديداً للحكومة الإيرانية، التي تواجه بالفعل ضغوطاً داخلية وخارجية كبيرة.
في حين دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الحوار والاستماع إلى مطالب المتظاهرين، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال هذه التطورات لزعزعة الاستقرار. وقد أثارت هذه الاحتجاجات ردود فعل متباينة داخل إيران وخارجها، مما يعكس حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد وأهمية التطورات الجارية.
توسع نطاق الاحتجاجات: من البازار إلى الجامعات
شهدت إيران توسعاً ملحوظاً في نطاق الاحتجاجات، حيث انضم طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بتنظيم مظاهرات طلابية في عدد من الجامعات في طهران، بما في ذلك جامعات بهشتي وخواجة نصير وشريف وأمير كبير والعلوم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى جامعة التكنولوجيا في أصفهان. وتأتي مشاركة الطلاب في هذه الاحتجاجات كرسالة قوية تعبر عن دعمهم لمطالب المحتجين وتنديدهم بالوضع الاقتصادي الراهن.
وتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات ضد الغلاء وارتفاع الأسعار. وفي بعض الجامعات، ردد المتظاهرون شعارات مناهضة للنظام، مما يعكس تصاعد حدة الغضب والإحباط. ومن بين الشعارات التي رددها المتظاهرون في شارع ملاصدرا بطهران: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران»، وهو ما يعبر عن تركيزهم على المشاكل الداخلية للبلاد.
الوضع الأمني في طهران والمدن الأخرى
على الرغم من استمرار الاحتجاجات، أفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد صباح الثلاثاء، على طول جادة ولي عصر. ومع ذلك، أشارت الوكالة إلى أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، دون الإبلاغ عن مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.
في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، مثل ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. كما أفادت التقارير بدخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم. بالإضافة إلى طهران وأصفهان، أفادت وسائل الإعلام بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، بما في ذلك كرمانشاه وشيراز ويزد وهمدان وأراك، بالإضافة إلى كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وشهدت مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن البلاد، وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب.
الأسباب الاقتصادية وراء الاحتجاجات
تعود الأسباب الرئيسية للاحتجاجات إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في إيران، بما في ذلك الغلاء المتزايد والتضخم المرتفع وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وقد سجل الريال الإيراني مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام. وقد أدت هذه التطورات إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها الشعب الإيراني.
وبحسب مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر نحو 52 في المائة على أساس سنوي. ومع ذلك، تشير وسائل الإعلام المحلية إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الحقيقي في أسعار السلع الأساسية. وقد عبر المتظاهرون عن استيائهم من هذه الأوضاع، مطالبين الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ردود فعل الحكومة والمسؤولين
بالتزامن مع الاحتجاجات، أعلنت السلطات الإيرانية عن إغلاق المدارس والمصارف والمؤسسات العامة في طهران و19 محافظة أخرى، يوم الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، وأن المراكز الطبية والإغاثية والوحدات الأمنية وفروع البنوك المناوبة ستستثنى من التعطيل.
ودعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين، مؤكداً أن الحكومة تعمل على إعداد «برنامج للظروف الطارئة» لإدارة الوضع الاقتصادي. كما اقترح بزشكيان عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية. وفي خطوة مفاجئة، تم استبدال حاكم البنك المركزي عبد الناصر همتي، في محاولة لمعالجة الأزمة النقدية.
من جهتها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، أن الحكومة «ستستمع بصبر» إلى مطالب المتظاهرين، وأنها تعترف بحق التجمعات السلمية. وقالت مهاجراني إن الحكومة تدرك أن الاحتجاجات نابعة من الضغوط المعيشية التي يعاني منها الناس.
في الوقت الحالي، لا يزال الوضع في إيران متفجراً، ومن المتوقع أن تستمر الاحتجاجات في الأيام المقبلة. وسيكون من المهم مراقبة رد فعل الحكومة الإيرانية تجاه هذه الاحتجاجات، وما إذا كانت ستتمكن من احتواء الأزمة وتلبية مطالب المتظاهرين. كما سيكون من المهم متابعة التطورات الاقتصادية في إيران، وخاصة سعر صرف الريال وتأثيره على الأسعار ومستوى المعيشة.
