تستمر روسيا في إثارة الأحداث على الساحة الدولية بأسلوب فريد يجمع بين الدبلوماسية والطاقة والمال، مما يجعل الناس يبحثون عن اخر اخبار روسيا. من زيادة إنتاج النفط إلى إدارة الغاز الأوروبي، ومن تحويل الأموال الروسية المجمدة إلى قروض لدعم أوكرانيا، تُظهر موسكو قدرة عالية على المناورة السياسية والاقتصادية. ومن بين الأحداث الأخيرة، كان من المقرر عقد القمة الروسية العربية، لكنها تأجلت بسبب الانشغالات السياسية المرتبطة بتنفيذ اتفاق وقف حرب غزة المبني على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
الدب الروسي و”الحبل النفطي”
شهد إنتاج النفط الروسي ارتفاعًا كبيرًا ضمن تحالف “أوبك+”، لتصبح روسيا واحدة من كبار اللاعبين إلى جانب السعودية والإمارات، حيث بلغ مجموع زيادة الدول الثلاث 1.77 مليون برميل يومياً. وقد ساعدت هذه الزيادة على رفع الإنتاج الشهري ضمن “أوبك+” بمقدار 630 ألف برميل في سبتمبر، مسجلة أكبر زيادة منذ أربع سنوات، مع الحفاظ على تدفق النقد وفتح المجال أمام صفقات بأسعار مخفضة تجذب المستهلكين الباحثين عن فرصة رابحة.
ورغم العقوبات الدولية، يبرع الدب الروسي في لعبة الحبل، فلا يستطيع القط اللحاق بالحبل أو الإمساك به. وتتجه أغلب صادراته نحو آسيا، وخاصة الصين، ليواصل روسيا لعبتها الذكية في الأسواق العالمية، محافظةً بذلك على موقعها القوي بين كبار منتجي النفط.
الاتحاد الأوروبي و”شد الحبل الأوروبي”
فيما يخص الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هناك نوعًا آخر من لعبة الحبل. يحاول وزراء الطاقة الأوروبيون بكل طاقتهم الحفاظ على توازن الطاقة في بلادهم، بهدف إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي بحلول نهاية 2027، مع بعض الاستثناءات للدول غير الساحلية مثل المجر وسلوفاكيا التي تحاول “التملص” من اللعبة قليلًا.
وتأتي الضغوط الأمريكية لتقترح استخدام الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، معتبرةً أنه “بسعر مناسب”، في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي للموازنة بين “لا نريد الغاز الروسي” و”نحتاج القليل من الغاز الأمريكي أيضًا”. وقد تم توقيع اتفاق تجاري بقيمة 750 مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة.
وتستمر المفاوضات في لوكسمبورغ لمناقشة تفاصيل مثل:
- منح الضوء الأخضر للواردات.
- ضمان وصول الكهرباء إلى جميع الدول.
وفي الخلفية، يراقب البرلمان الأوروبي الوضع عن كثب مطالبًا بسرعة التخلص من الغاز الروسي والنفط بحلول السنة القادمة. أما روسيا فتضحك من الجانب الآخر، قائلةً: “جرّبوا ما شئتم، لكن لا تنسوا أن فاتورة الغاز الشهرية تتراوح بين 500 و700 مليون يورو”.
لاغارد والأموال الروسية “المجمدة تتحول إلى قروض”
دخلت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد لعبة الأموال المجمدة، لكنها حولتها إلى فرصة لدعم أوكرانيا. يدرس الاتحاد الأوروبي استخدام 200 مليار يورو من الأموال الروسية المجمدة على شكل قروض تشغيلية مضمونة بالأرصدة النقدية.
وستحصل أوكرانيا على 140 مليار يورو (حوالي 163 مليار دولار) أولًا، على أن تُسدَّد لاحقًا من التعويضات الروسية إذا التزمت موسكو بذلك. وتقول لاغارد: “إذا تحركت كل الدول بنفس الطريقة، سيكون هذا خطوة كبيرة لإقناع روسيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات”.
يهدف الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز دور اليورو عالميًا في ظل تراجع جاذبية الدولار، مع الضغط على الولايات المتحدة بسبب السياسات التجارية والرسوم الجمركية. وأضافت: “لكي تكون العملة جديرة بالثقة، نحتاج مصداقية جيوسياسية، وسيادة القانون، مؤسسات قوية، وحتى بعض القوة العسكرية. الولايات المتحدة ما زالت قوية، لكنها بحاجة للحذر لأن مكانتها بدأت تتآكل”.
بوتين يؤجل القمة العربية الروسية: “مشغولون قليلًا”
كان من المقرر عقد القمة الروسية العربية الأولى في 15 أكتوبر بموسكو، لكنها تأجلت بسبب الانشغالات المرتبطة باتفاق وقف حرب غزة المبني على خطة ترامب. واتصل الرئيس الروسي برئيس الوزراء العراقي، واتفقا على أن حضور بعض القادة سيكون صعبًا، وصرح الكرملين: “نرى أنه من المناسب تأجيل القمة إلى موعد لاحق يُتفق عليه”
كانت القمة فرصة لموسكو لتقوية علاقاتها مع العالم العربي ووضع خطة عمل للتعاون 2026–2028، إلا أن معظم القادة العرب مشغولون بخطة ترامب، مما جعل الحضور غير مضمون. باختصار، موسكو كانت مستعدة لحفلة دبلوماسية كبيرة، لكن كل شيء توقف عند عبارة: “آسفون، مشغولون بخطة ترامب”.
الخاتمة
بين الحبال النفطية الروسية، الغاز الأوروبي، الأموال المجمدة والقروض، وتأجيل القمم الدبلوماسية، تتضح مهارة روسيا في إدارة مصالحها الاستراتيجية على الساحة الدولية. كل طرف يسعى لضمان موقعه، وكل خطوة تحتاج لحذر وذكاء، وفي النهاية، يبدو أن الدب الروسي يلعب بدهاء في هذه اللعبة المتشابكة.