تترقب الساحة السياسية العراقية بحذر حسم ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وتحديد شاغلي المناصب الثلاثة الرئيسية، وسط تعقيدات سياسية متزايدة وتحديات اقتصادية ملحة. وتتصاعد الجهود الدبلوماسية والاجتماعات بين القوى السياسية المختلفة بهدف التوصل إلى توافق قبل نهاية العام، فيما يحذر القضاء من التقيد بالمدد الدستورية. يمثل تشكيل الحكومة تحديًا كبيرًا للعراق في ظل الظروف الراهنة.
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه العراق أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة، بالإضافة إلى ضغوط إقليمية ودولية. وتتركز الخلافات الرئيسية حول منصب رئيس الوزراء، حيث تتنافس عدة شخصيات على المنصب، بما في ذلك رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الذي أعلن استعداده لتولي المنصب في حال التوافق عليه.
العبادي يعلن استعداده وتحديات تشكيل الحكومة
أكد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في تصريحات للصحافيين، أنه يرى وجود “نقاشات جادة” بين القوى السياسية حول تشكيل الحكومة. وأشار إلى أهمية الالتزام بالجداول الدستورية في عملية تشكيل الحكومة، معربًا عن استعداده النفسي والواقعي لتولي المنصب إذا ما تم التوافق عليه. واستذكر العبادي تجربته في تولي رئاسة الحكومة عام 2014 في ظل ظروف صعبة، مؤكدًا على أهمية التوحد العراقي في مواجهة التحديات.
إلا أن المشهد السياسي لا يزال معقدًا، حيث تشهد الساحة الشيعية خلافات حول هوية المرشح لرئاسة الحكومة. يتنافس ائتلاف رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على ترشيح مرشحيهما، مما يعمق حالة الجمود السياسي.
الخلافات السياسية وتأثيرها على الاستقرار
وفقًا لمصادر قيادية في الكتل الشيعية، تسعى القوى الشيعية إلى حث الشركاء الكرد والسني على حسم مواقفهم في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، فإن تعدد المرشحين وعدم وضوح الرؤية يعيقان عملية التوافق.
بالتزامن مع ذلك، يزداد القلق بشأن العجز المالي في البلاد، حيث يحذر خبراء اقتصاديون من صعوبات محتملة في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين. يعتمد أكثر من ستة ملايين شخص في العراق على الإنفاق الحكومي، مما يجعل تأمين الرواتب أولوية قصوى.
الخلاف السني على رئاسة البرلمان
لا يقتصر الخلاف على منصب رئيس الوزراء، بل يمتد ليشمل منصب رئيس مجلس النواب، حيث يشهد المكون السني خلافات داخلية حول هوية المرشح. أعلن وزير الدفاع ورئيس تحالف الحسم الوطني، ثابت العباسي، أن “المجلس الوطني السياسي” سيعلن مساء الأحد المقبل اسم مرشحه لرئاسة البرلمان، مشيرًا إلى استمرار الحوارات مع الأطراف السنية والشيعية والكردية.
ويرى مراقبون أن الخلاف السني على رئاسة البرلمان يمثل اختبارًا لقدرة المكون على التوافق الداخلي. ويحذرون من أن انتخاب الرئيس بأغلبية برلمانية عامة، دون توافق المكون، قد يحد من صلاحياته في المستقبل.
في سياق متصل، شدد رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، على ضرورة احترام المدد الدستورية وعدم تجاوزها، في إشارة إلى أزمات سياسية سابقة شهدت تأخيرًا في تشكيل السلطات.
الوضع الاقتصادي يمثل تحديًا إضافيًا، حيث يواجه العراق أزمة مالية حادة تتطلب حلولاً عاجلة. الاستقرار السياسي ضروري لجذب الاستثمارات وتحسين الوضع الاقتصادي. التحديات الإقليمية تؤثر أيضًا على الوضع في العراق، مما يتطلب إدارة حكيمة وعلاقات جيدة مع الدول المجاورة.
على الرغم من كثافة المشاورات، لا تزال مؤشرات حسم الرئاسات الثلاث قبل نهاية العام غير واضحة. ومن المتوقع أن يعقد مجلس النواب جلسة خلال الأسبوع المقبل لانتخاب رئيسه ونائبيه، ثم رئيس الجمهورية، قبل أن تسمي الكتلة البرلمانية الأكبر مرشحها لرئاسة الوزراء. يبقى الوضع السياسي معلقًا، ويتطلب متابعة دقيقة لتطورات الأحداث في الأيام القادمة.
