شهدت العاصمة الليبية طرابلس، ليلة السبت، تصاعدًا في الاحتجاجات الشعبية الغاضبة ضد حكومة “الوحدة” المؤقتة، مع قطع الطرق وإشعال الإطارات. وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية واقتصادية متفاقمة، حيث تطالب القوى المحتجة بتغيير شامل في السلطة، بما في ذلك إسقاط جميع الأجسام السياسية الحاكمة، في محاولة لإنهاء حالة الانقسام التي تعاني منها البلاد منذ سنوات. وتعتبر احتجاجات طرابلس تعبيرًا عن الإحباط المتزايد تجاه الأوضاع المعيشية المتدهورة وغياب الخدمات الأساسية.
وقد بدأت الاحتجاجات في طرابلس يوم الجمعة، وتجددت مساء السبت بشكل أكثر حدة، حيث أغلق المحتجون الطريق السريع وطريق الشط، مما تسبب في شلل مروري واصطدام عدد من السيارات، وفقًا لشهود عيان. وتزامنت هذه المظاهرات مع احتجاجات مماثلة في مدينتي مصراتة والزاوية، حيث عبر المتظاهرون عن رفضهم لاستمرار الوضع الراهن والمطالبة بإنهاء المرحلة الانتقالية.
توسع دائرة الاحتجاجات ودعم كتائب مصراتة
شهدت الاحتجاجات تطورًا لافتًا مع إعلان قادة “كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة” دعمهم الكامل لما وصفوه بـ”انتفاضة شعبية”. ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع والمطالبة بـ”إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن”، في إشارة إلى مجلسي النواب والأعلى للدولة، بالإضافة إلى حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي. هذا الدعم يمثل تصعيدًا كبيرًا في الاحتجاجات، نظرًا للنفوذ العسكري والسياسي الكبير الذي تتمتع به هذه الكتائب في غرب ليبيا.
إضافة إلى ذلك، برأت الكتائب نفسها من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، واتهمته بعدم تمثيلهم وعدم اتخاذ أي خطوات ملموسة للدفاع عن حقوق الثوار أو التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد. هذا الموقف يعكس حالة الاستياء والانقسام داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الليبية.
الأسباب الجذرية للاحتجاجات
تعود الأسباب الرئيسية للاحتجاجات إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا، وارتفاع الأسعار ونقص السيولة، وغياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة. بالإضافة إلى ذلك، يرى الكثير من الليبيين أن الفساد المستشري يعيق التنمية ويؤدي إلى هدر الموارد العامة. وتفاقمت هذه الأوضاع بسبب الانقسام السياسي المستمر بين مختلف الأطراف المتناحرة، وعدم وجود حكومة قوية قادرة على فرض سلطة القانون وتحقيق الاستقرار.
وتشكل قضية الأزمة السياسية في ليبيا، بما في ذلك الخلافات حول صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية، أحد العوامل الرئيسية التي تغذي الاحتجاجات. فغياب توافق وطني حول مستقبل البلاد يعيق أي جهود لإجراء إصلاحات حقيقية وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
حرائق غامضة في الأصابعة وتصعيد أمني
في سياق متصل، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد، حيث اندلعت ثلاثة حرائق متزامنة، مما أثار مخاوف السكان وأعاد إلى الأذهان سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في فبراير الماضي. وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية بتوفير دعم إضافي لفرق الإطفاء والإسعاف، نظرًا لمحدودية الإمكانات المتاحة.
وفي شرق البلاد، يسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي، والتي من المتوقع أن تناقش قضايا رئيسية مثل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات وتعديل جدول مرتبات الجيش الوطني. هذا التكتم يثير تساؤلات حول مدى التوافق بين أعضاء المجلس حول هذه القضايا، واحتمال حدوث خلافات قد تؤدي إلى تأجيل الجلسة أو تعطيلها.
وتشهد ليبيا أيضًا تحركات أمنية مكثفة في محاولة لاحتواء الاحتجاجات ومنع أي تصعيد قد يهدد الأمن والاستقرار. وقامت القوات الأمنية بنشر تعزيزات في طرابلس ومصراتة والزاوية، وفرضت قيودًا على حركة المرور في بعض المناطق. إلا أن هذه الإجراءات لم تنجح حتى الآن في تهدئة الوضع، بل يبدو أنها قد ساهمت في زيادة حدة التوتر.
المرحلة الانتقالية في ليبيا لا تزال غير واضحة المعالم، وتعتمد على حوار سياسي شامل يجمع بين جميع الأطراف الليبية. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من التطورات والمفاوضات، في محاولة لإيجاد حل للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وسيبقى الوضع الأمني هشًا وغير مستقر، ما لم يتم تحقيق توافق وطني حول مستقبل ليبيا.
في الختام، من المقرر أن يعقد مجلس النواب الليبي جلسته في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وقد تشكل هذه الجلسة نقطة تحول في الأزمة السياسية الليبية. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المجلس سيتمكن من التوصل إلى توافق حول القضايا المطروحة، أو ما إذا كانت الاحتجاجات ستستمر في التصاعد. يبقى الوضع في ليبيا معلقًا على نتائج هذه التطورات، ويتطلب مراقبة دقيقة ومتابعة مستمرة.
