اخبار

إنهم يموتون جوعاً.. سما الإخبارية

لم أكن أتخيل أن يصل الحال بأهل غزة إلى هذا الحد، ولم أكن أعرف المعنى الحرفي لكلة الموت جوعاً إلا حين رأيت ذلك فعلاً من خلال صور الأطفال الذين يموتون في غزة تباعاً بسبب سوء التغذية، أما مقولة ان لا أحد يموت جوعاً فهذه كانت في زمن غابر ربما نسيناه وعندما كان الخير وفيراً في غزة خصوصاً، وحيث كان الطحين وزيت الزيتون قوام وعماد كل بيت، وان لم يكن رب الأسرة يمتلك خمسة أكياس من الطحين زنة كل كيس خمسين كيلوجراما فهو يشكو انه لا يملك مؤونة بيته، ويدب القلق في قلبه، وإذا لم يكن يمتلك اكثر من «تنكة» زيت زيتون فهو لا يأمن على أهل بيته من الحاجة، وأن يأتي الوقت الذي تحمل ابنته او زوجته كوباً صغيراً لكي تطلب القليل من زيت الزيتون من بيت الجيران، لكن الغريب انه على ثقة ان بيت الجيران سيكون عامراً بالخير، وان جارتهم الطيبة وعشرة العمر سوف تملأ قنينة بدلاً من الكوب وتمنحه بكل حب وود لابنته او زوجته.

اليوم أنت أمام حقائق موجعة أو كابوس وخيالات مرعبة،  وهي أن الجوع قد نخر بكل عظمة من عظام أهل غزة، وهم يأنون ويتألمون بعد سنة ونصف وأكثر من الحرب التي لا نهاية لها، وحيث فقدوا كل شيء من البيوت إلى مصدر الرزق إلى السيارات والعربات وحتى المدخرات، واصبحوا على قارعة الطريق يتنقلون من مكان لآخر بناء على توجيهات من الجيش، وحيث يصدر بياناً وخريطة توجههم للنزوح والمعاناة اكثر وأكثر، وتلعب بهم وبأعصابهم وبأرواحهم وتفقدهم الأعزة والأحبة في كل مرة، ويتناقصون في كل مرة يضطرون فيها للانتقال والهرب من موجات جديدة من القصف والاجتياح البري أو الجوي، حتى اذا ما جاء الجوع فيمكنك ان تقول إنك قد كتبت فصلاً أخيراً من المعاناة، لأن لا سبيل لمواجهة الجوع في قفص مغلق، وحيث أحكم إغلاق المعابر والمنافذ والممرات الإنسانية على أهل القطاع منذ قرابة الشهرين، حيث لم تدخل لو شربة ماء أو كسرة خبز، وفيما يتناقص المخزون يوما بعد يوم حتى وصل إلى نقطة الصفر، وأصبح تناول الخبز المصنوع من الطحين المنتهي الصلاحية أو الخبز المصنوع من مطحون الحمص والأرز والمكرونة هو الخيار الأخير، فيما يقترب حتى هذا الخيار من النفاد ويتناقص يوماً بعد يوم.

لم يترك الغزي البائس المستنفذ لكل الحيل أي طريقة لكي يحصل على لقمة يومه، وأصبح خيار إعداد الخبز من مكونات لا تشبه الطحين الذي اعتاده هو الخيار الوحيد، لكنه غير متوافر دائماً، فأغلبية الناس في غزة لا تملك المال لكي تشتري الأرز ولا الحمص أو حتى أكياس المكرونة، والتي تضاعف سعرها أضعافاً وأضعافاً، لأن الإقبال قد أصبح كبيراً عليها، وفكرة سلق المكرونة حتى تذوب وتتحول إلى عجين بعد ان تفقد هيئتها ثم تكويرها وخبزها هي فكرة مستحدثة لم يستخدمها أحد قبل ذلك، وربما سرقها أحد الطهاة العالميين الذين يطلون من خلال الشاشات بكل لزوجة ليقدموا للنساء وربات البيوت المتنعمات طرقاً مستحدثة في الطبخ، وهن لا يعرفن ان هذا خيار الأمهات الغزيات الأخير لكي لا يموت أطفالهن جوعاً.

المجاعة الضاربة في أنحاء غزة موجعة حين ترى أشكال الأطفال البارزة عظامهم، وحيث يمكنك ان تحصي عظام اقفاصهم الصدرية ويمكنك ان ترى على وجوههم علامات سوء التغذية، حتى باتوا يشبهون بعضهم البعض لأن الجوع ونقص البروتينات التي تصل إلى خلايا الجسم يؤدي لأن يتغير شكل الرأس عند الإنسان، فتصبح الجبهة بارزة والعينان غائرتين، والفك يبدو مخيفاً ببروزه، والأكثر رعباً من هذا ان الجميع يصبح متشابهاً حتى يصعب عليك ان تتعرف على طفلك الملقى على حشبة قذرة متهالكة بين جموع من الأطفال نخر الجوع وسوء التغذية أوصالهم، حتى كل ومل وانزاح جانباً بعد ان ترك هذه الأجساد منهكةً ومتعبة ولا تنتظر إلا الموت أمام صمت العالم الذي تجرد من إنسانيته وقرر أن ينام، فيما لا ينام الجوعى من صوت بطونهم الفارغة، وفيما يرسلون شكواهم إلى سماء لا ولن تتوقف عن إرساء العدالة  والاقتصاص من الظالمين في الأرض مهما طال الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *