أين حبيبي..إبداع متجدد للأديبة سميرة أرميا
»»
معين إبداعات أدباء ومواهب أرض الكنانة يبقي متجددا عذبا كالنبع الفياض ..
ومن بين إبداعات الأديبة سميرة أرميا أهدت بوابة الجمهورية والمساء غيضا من إبداعها القصصي المتميز من خلال قصتها ” أين حبيبي” ،التي تموج بأحداث واقعية وترصد محطات من المعاناة، والألم والأمل يجسدها بطل الحكاية “عطا”..
ننشرها عبر هذه السطور..
????
أين حبيبي ؟!
كان عطا يعيش في منطقة قليوب أول مدينة بعد مدينة الجيزة على الطريق الزراعي إلى الإسكندرية، لم يكن من أهلها لكنه اشترى قطعة أرض زراعية في عام 1961 حينما ترك مجال عمله الأساسي واتجه لتجارة السيارات، ثم بنى بها قصرا، وتزوج في عام 1965 وأنجب أربع بنات وولد (مختار)..
ولدت ابنته الأولى في عام 1966 ثم الثانية في عام 1967 ثم مختار في عام 1969 ثم الثالثة في عام 1971 والأخيرة في عام 1973 ومع ميلاد الأخيرة اكتشف مرض قصور شديد بالكليتين لزوجته …
ونظرا لمرض زوجته أم مختار اضطر أن يتخذ مسكن بوسط القاهرة لكي تكون قريبة من الأطباء والمشافي، ومع الأيام تحول القصور إلى فشل كلوي وتدهورت حالتها الصحية، وكان لها أمنية أن تحضر زفاف ابنتها الكبرى .
جاء عطا إلى القرية (إحدى قرى محافظة الشرقية) ليستشير أمه ( التي كانت في زيارة طويلة لأخته أم رأفت ) وكان في أحد أيام شهر يوليو 1978 أتم الزيارة واستشار أمه في موضوع زواج أبنته وفي طريق عودته وهو في سيارته أشار إليه أحد الرجال( يركب على حمار )
( فتوقف عطا.)
عطا: كيفك يا غنام..؟
غنام: ( نزل من على الحمار وجرى نحو السيارة وانحني ليكلم عطا عبر زجاج السيارة ): بخير نشكر الله، هلا أخذتني معك إلى مدينة الصالحية.
عطا: تفضل (على مضض)
ركب غنام بجوار عطا.
عطا: إلى أين يا غنام ؟
غنام: لا أعرف .. حيث يشاء الله.
( وساد الصمت وسط تعجب عطا.)
غنام : أريد شراء سيارة يا معلم عطا..
عطا: (باستهزاء) ومن أين لك بالنقود …؟!
غنام: النقود موجودة.
عطا: موجودة …أين…؟ وكم معك..؟!
غنام: لو أتيت معي أعطيك ثمن السيارة ويزيد
عطا: أين ..؟
غنام: القنطرة شرق ؟!
عطا: وما المانع أتي معك
غنام: متي ؟
عطا: اليوم
السيارة في حاجة للصيانة.. نتركها عند الأسطى عيسى الميكانيكي وصبيه كرم بالقنطرة غرب ونعبر للشرق ثم نعود آخذها و أعود لبيتي.
غنام: حقا يا معلم عطا ؟
عطا: حقا يا غنام.
وقاد المعلم عطا سيارته إلى القنطرة غرب.. وصلا المدينة.. وعلى الطريق العام وجدا ورشة الأسطى عيسى الميكانيكي، الذي فحص السيارة وقرر.. السيارة تحتاج إلى صيانة وسوف تأخذ يوما كاملا.
فترك عطا سيارته بالورشة واتجه للقنطرة شرق مع غنام. فغنام من هول الحرب أصبح يخاف كل شيء.
أخذا تصريح المخابرات للعبور للقنطرة شرق وعبرا قناة السويس في (اللنش) البحري المخصص لعبور المشاة…
وهما في الماء أشار غنام لعطا إلى خط بارليف وكان يرتعد من الفرحة للعودة إلى بلدته…
وصعد غنام على مقدمة (اللنش) الذي يتأرجح بشدة في المياه ويكاد يغوص أسفل المياه لكن غنام لم يكن يشعر باللنش.
كان بصره مركز على خط بارليف وقلبه يرتعش من الخوف والرهبة تارة والفرح تارة… يريد أن يصرخ من الهلع أو من الفرح… مشاعر متضاربة متداخله لا يعرف أي منها سيغلب على الآخر .
لخص كل هذه المشاعر في صرخة.. الله أكبر الله أكــبر الله أكــبر.
ودموعة تسيل على خديه بغزارة … وهو يقفر على مقدمة اللنش والناس تصرخ (حاذر .. حاذر)
لكنه لم يسمع أحد..
كان يسب الأعداء ويهلل الله أكبر … الله أكبر …. تحيا مصر …. وجيش مصر … وشهداء مصر … تسلم يا جيش مصر .. تعيش يا جيش مصر.
وحينما نزلا من اللنش البحري صار يسجد ويقبل الأرض الطاهرة وكلما مضي خطوتين ينحني ويسجد ويطلب من عطا السجود.
وكلما رأى عسكري يجري ويحتضنه ويقبله ويقبل يده وأحيانا ينحني ليقبل قدمه فيمنعه العسكري..
وصار يهلل ويرقص ويصيح ….
تحيا مصر ….
وأرض مصر ….
وشهداء مصر ….
إلى الجنة يا شهداء ….
إلى الجنة جميعا ….
يا محمد يا حنا ….
وصار يذكر كل الأسماء
يسجد … ويشكر … ويذكر الأسماء …. ثم قال لعطا: أتعرف يا معلم عطا الأرض نعمةالوطن كنز، لا تعرف ما قاسيناه هنا، سأحكي.. سأحكي لك كل ما دار…
( الرجل يهلل وعطا يتأمل
الشوارع والبيوت يظهر عليها آثار الحرب، ويظهر من أسقف معظمها أسياخ الحديد بسبب ضرب القنابل… وواجهة بعضها مكسوة بالصماد أثر النار… و(الخنادق والدشم ) بكل مكان.)
مشي غنام، وعطا وسط الشوارع …. الأسلاك الشائكة…. وكميات كبيرة من الحديد تملأ كل الأماكن… الحفر العميقة في الشوارع مكان للخنادق …. والأشجار شبه جافة والسكون والهدوء يسيطران على المدينة كأنها مدينة أشباح…
( وصلا إلى بيت غنام وسط حذر وتحذيرات من عدم وطأ أو لمس أي شيء من الحديد لعلها ألغام …)
رغم أن الحكومة المصرية طهرت المدينة من تلك الألغام قدر المستطاع …
دخلا الحديقة وإذ ببعض بالملابس، التي نشرتها أم غنام قبل الحرب مازالت على الحبال يظهر عليها آثار سنين الطل …
دخل غنام إلى البيت..
ودخل حجرة بالبيت وحفر في الأرض وأخرج نقود ومشغولات ذهبية وأعطاها لعطا …
وقال لعطا: عدد كبير من السكان فعل هذا والأرض هنا كنز من كل نوع.
خرج عطا يتأمل المدينة تجول حتي وجد مجموعة من الرجال تجلس على مقهى.
ألقى السلام فقاموا جميعهم للتحية وقال لهم أخوكم عطا تاجر سيارات من قليوب، رحبوا به ترحيبا شديدا ..
وتعرف عليهم، فريد فكري، سلامه مكاسي، فؤاد إبراهيم، حسني سليم، حنا جرجس،
وميلاد فكري.
وما أن جلس وجد أحد الرجال قادم من بعيد يقول: أهذا المعلم عطا غير معقول…
ويأخذه بالأحضان ويقبله مرحبا بك معلم عطا … لن ننسي جميل عائلتك، فتحتم لنا بيوتكم، واقتسمتم معنا اللقمة الواحدة، سترتم نساءنا، وجبرتم كسرنا وضمدتم جراحنا..) حينما ذهبنا إليكم في النكسة… ما وفرتم شيئا كل الشكر لكم.
عطا: لا شكر على واجب يا محمود كان هذا الواجب… وجرحكم جرحنا وكسركم كسرنا … والأرض عرضنا جميعا.
عشتم معنا نعم الناس وتزوجنا منكم وتزوجتم منا وأصبحنا أهل.
محمود: نعم … ونِعم الأهل. المبيت عندي الليلة.
عطا: من أخبرك بوجودي…؟
محمود: كرم الميكانيكي قابلته باللنش واعتذر لإصلاح سيارتي لأنه مشغول بإصلاح سيارتك هو يجهز ورشته الخاصة هنا وقريبا سوف يفتتحها…
عطا: وكيف للأسطى عيسى ترك سيارتي لصبيه..؟!
محمود: لأنه يحبك؛الأسطى كرم شاب عبقري وسيكون له مستقبل باهر بهذه الصنعة إن شاء الله.
جاء غنام وسلم على الجميع بحرارة وجلسوا جميعا على مقهي المثلث.
عطا: سمعت كثيرا عن ويلات الحرب لكن رؤي العين شيء آخر.
( وقضي عطا ليلته في ضيافة محمود هو وغنام.)
عاد لقليوب وحكي لزوجته وصرح لها برغبته بنقل نشاطه للقنطرة غرب والسكن بالقنطرة شرق …
( عطا مل من قليوب ويريد مكانا جديدا بعيد عن القاهرة.)
مل كفالة الشبان بسبب موقع قليوب وقربها من جامعة القاهرة. ولا يوجد جامعة بالقنطرة أو قربها..
ومدينة القنطرة غرب على وشك صدور قرار سياسي بأنها ستصبح حي تجاري.
فما المانع من فتح صالة تجارة سيارات كبيرة بالقنطرة غرب وبناء فيلا بالقنطرة شرق والأراضي هناك بوضع اليد.
ومنطقة سيناء عطشى لاقتناء السيارات، وتجارة الحديد الخردة رغم مخاطرها ستكون مربحة
وأيضا التجارة في مجال البناء والترميم، أو مجال الأغذية … ومقابر سيناء بخيرها. وثمة تجارة جديدة على الأبواب لا مدخل لها إلا حدود سيناء
سوق مفتوح مربح في كل الأحوال…
( أم مختار زوجته ظلت ترفض لمدة عام إلى أن وافقت شريطة أن ترى المدينة أولا وفي نفسها جاءت تستقصي عن أخيها الذي غاب في الحرب … لعل أحدهم يعرف عنه شيئا …)
وجاء بها إلى القنطرة شرق وكان شهر يوليو العام 1979 وعبرا إلى المدينة في اللنش البحري ومعهم جمع من الناس إحداهن لخصت مشاعرها المتضاربة ما بين خوف وفرح ولهفة للعودة إلى بلدتها بعدة زغاريد طويلة متكملة الأجراس وقصيرة مقطوعة الأنفاس.
وكان باللنش الأستاذ فريد فكري الذي رحب به.. وما أن علم بسبب زيارته أخذه إلى منزله .. لم يمضي على زواج فريد ثلاثة أشهر وعروسه بالبيت.
نزلوا من اللنش ومشوا على أقدامهم …. أم مختار مذهولة من هول منظر المدينة ..
مالت إلى عطا وهي تستند إليه: ما هذه المدينة التي تودنا سكناها أنها مدينة أشباح…؟!!
مال عليها وقال لها: لا تقرري شيئا قبل انتهاء الزيارة.
( قطعوا عدة شوارع ثم دخلوا شارع جانبي..)
طرق فريد الباب الرئيس للبيت ثم فتح باب حجرة الضيافة المطل على الشارع الذي لا يغلقه إلا ليلا … ادخلهما بكل ترحاب ونادى…..
نادية…. أنا حضرت ومعي ضيوف… وكما تعودت منه أجابت: حاضر..
وكانت توا قد انتهت من إعداد طعام الغداء ودخل فريد لها من الباب الداخلي لحجرة الضيافة.
قابلته ببشاشة حمد الله على السلامة..
هل وجدت كل المطلوب؟.
فريد: نعم تفضلي.
نادية: كم شخص بالخارج؟.
فريد: المعلم عطا وزوجته.
نادية: زوجته … !! ولماذا تتركها وسط الرجال …؟!
فريد: لا يوجد رجال فقط هي وزوجها تعالي رحبي بها.
دخلت نادية إلى حجرة الضيافة مرحبةً:
( ألف أهلا وسهلا … يا مرحبا… يا مرحبا حلت البركات حبيبتي..)
وسلمت على المعلم عطا..
و استأذنت وأخدت أم مختار بيدها ودخلتا لداخل البيت… ونادت …
فريد كم شخصا اليوم…؟!
فريد: حوالي عشرة.
نادية: حاضر.
أم مختار: عشرة من ماذا يا مدام نادية …؟!
نادية: ناديني نادية… عشرة رجال سيتناولون طعام الغداء اليوم من القادمين إلى القنطرة وليس لهم مبيت أو أهل.
أم مختار: أتخدمين كل هذا العدد كل يوم …؟!
نادية: نعم بركة كبيرة … الرب يقبل من يدنا.
أم مختار: وهل هذا العدد ثابت كل يوم…؟!
نادية: لا أحيانا يصل للعشرين وأحيانا ثلاثة … يأكلون ثم ينصرفون كل إلى مكانه ومن ليس له مكان يبيت في الحجرة للصباح والرب يدبر ويحصل على مكان ويرتبه ويأتي بأهله.
أم مختار: من أين أتيت عروس…؟
نادية: من مدينة الزقازيق.
أم مختار: وكيف تدبرت أمرك ووافقت للانتقال إلى هنا من المؤكد أنها قصة حب طويلة.
(ونظرت باستغراب إلى صورة السيدة العذراء على الحائط)
نادية: ( لاحظت النظرة) أختك نادية ميلاد بسطا أول عروس تدخل القنطرة شرق بعد التحرير… أنا من هنا أبا عن جد.
أم مختار: من هنا …؟!!
نادية: نعم ومع اغتصاب الأرض لا يوجد قصص حب. توجد قصة حب واحدة للأرض فقط.
أم مختار: إذن عاينتِ الحرب.
نادية: بالتفصيل …
أم مختار: احكي لي
حاضر أعطني وقت لتجهيز مائدة الرجال وإطعامهم فهم على جوع من الصباح؛ لأنهم موظفون في مجلس المدينة ولا توجد محلات لبيع الطعام وعند غسيل الأواني سأحكي لك …
جهزتا المائدة التي كانت لخمسة عشر رجل وجهزتا الشاي للرجال وبعد انتهاء الرجال من الغداء والشاي..
تناولتا الغداء والشاي وجلستا على ترومبة المياه بحديقة البيت… نادية تغسل الأواني وأم مختار تساعدها في جلب المياه بإدارة الترومبة …
نادية: (وهي تصبن الأواني ) كانت منطقة وسط لبلد في القنطرة شرق قبل عام 1967 منطقة راقية، البنايات كلها على الطراز اليوناني كما رأيتِ وكانت الوانها جديدة ولامعة …
وما بين الأرصفة أشجار الزينة شديدة الخضار… وأعمدة الإنارة العالية وبها الفوانيس الجميلة..
أما منطقة السكة الحديد فكانت مباني فخمة (فلل) على الطراز الفرنسي في منطقة الغطوس وكانت مخصصة لكبار موظفي السكة الحديد …
(تشير لأم مختار بتشغيل الترمبة)
كان كل بيت خلفه أو أمامه حديقة فيها مكان للجلوس وحولها سور مصنوع من خشب البغدادية … ويغطي خشب البغدادية أشجار اللبلاب أو العنب أو اللوف …
والحديقة بها جميع أنواع الفاكهة مثل هذه الحديقة، وفي كل حديقة بئر خاص مثل البئر هناك (وأشارت إلي بئر ماء في مرحلة التجديد ).
وفي الحديقة أيضا حظيرة صغيرة بها جميع أنواع الطيور الداجنة كتلك التي هناك .
والجاليات الأجنبية تعيش هنا معنا معظمهم من الجالية اليونانية والجالية الفرنسية…
في عيد الميلاد المجيد كانت تتزين القنطرة شرق كلها بالزينة الجميع يخرج ليزين الشوارع …
وفي عيد الأضحى المبارك يخرج جميع الرجال لذبح الأضاحي وجميع النساء تتولى الأضاحي بعد الذبح من تقطيع وتنظيف وطبيخ وتوزيع … والكل يحتفل بالعيد … أي عيد …
كانت القنطرة شرق منطقة حرة يأتي القطار بجميع البضائع من غزة مثل الياميش وكافة أنواع التسالي وزيت الزيتون وأنواع الصابون الفاخرة والملابس وكافة البضائع…
لذا جذبت القنطرة شرق من جميع أنحاء جمهورية مصر العربية البسطاء ممن يسعون للرزق… فتكونت منطقة عزبة الصفيح وعزبة الصحة وعزبة العربجية فكانت للنازحين من ربوع أرض مصر من البسطاء. البيوت والأثاث والنفوس بسيطة وقانعة بما لديها في هذه العزب.
(يأتي الليل … تتزين المدينة بالأنوار..)
كنت أشعر بهذه المدينة وكأنها التاج يزين أرض مصر كلها وكأن مصر ملكة الكون. أنها ملكة الكون.
وفي الليل أيضا تجتمع فتيات كل طبقة لتتعلمن فنون الحياكة و(كانت ماكينة الحياكة جزء من كل بيت) والتطريز والتريكو والكروشيه وتتبادل الخبرات في فنون الطبخ وعمل الحلويات…
لم يكن يوجد منطقة بها محبة وترابط على سطح الكرة الأرضية مثل القنطرة شرق .
كانت دكاكين حوانيت البقالة منتشرة مثل التركي وجورج بسطا وعم نصيف وعم وهبة.
ومحل المثلجات محل عشم، والحلاق عم إبراهيم، والإسكندر، والجزارين مثل عم سليمان الفحام.
أما عن السمك فجميع الرجال تخرج للصيد من قناة السويس جميع أنواع السمك بحسب ما يرزقهم الله ومن لم يرزقه الله يشتري السمك من القنطرة غرب …. وكانت السينما باسم سينما ثابت.
مجتمع الجاليات كان قطعة من مجتمع الإسكندرية، ومجتمع المصريين البسطاء كأي مكان آخر في ريف مصر
كان بها عدد سكان لا بأس به، (وأشارت بتشغيل الترومبة.)
الناس كلها تعرف بعضها.. حدث الهجوم على سيناء في أول يونيو وأي منا لم يكن يتوقع وقوع هذه الكارثة مرة أخرى في القرن العشرين ….
بدأت الحرب فأعادت إلى الأذهان العدوان الثلاثي الذي حدث عام 1956 حضر الصهاينة إلى حدود البلدة هنا وأصبح الناس في حالة هلع.. هرب من هرب من الناس إلى الضفة الغربية وسرعان ما عادوا بعد انتصار مصر حفظها الرب وحفظ جيشها العظيم..
حينما بدأت الحرب الأخيرة في الأول من يونيو 1967 حفر الناس في بيوتهم، وواصلوا الليل بالنهار لدفن النقود والمصوغات الذهبية والأواني وأطقم الصيني وتركوا البلدة قبل الخامس من يونيو وبقي فقط حوالي مئتين أسرة
أم مختار: ولماذا دفن الناس مقتنياتهم؟
نادية: لأنهم يثقون في جيشهم أنه حتما سينتصر.
كان يأتي علينا الجنود والضابط المصريين مجروحين وأرجلهم بها تورم عائدين من ويلات الحرب …
كان أبي يخرج الشظايا من أجسامهم، و يطببهم وننقع أرجلهم في الماء بالملح ….. وبعد وصول الأعداء هنا … كنا نلبسهم من ملابسنا ونهربهم من منطقة الليدو في مركب صغير وكان الفدائيين يأخذون عناوين كل من يهربوه…
في عصر يوم الخميس الثامن من يونيو فوجئنا نحن بالصهاينة في الشوارع. خرجنا جميعا رافعين أيدينا في حالة الاستسلام، والذهول يسيطر علينا… فتشوا بيوتنا وعرضوا علينا مغادرة القنطرة في سلام فرفضنا وعودنا إلى بيوتنا..
في البداية كانت الحرب شديدة والضرب من كل اتجاه… جاءنا رجل من العريش يحمل أمه مشيا على الأقدام فأويناه، وحدثت غارة فحملها إلى المخبأ معنا وإذ بشظية تصيبها فتموت… دفناها معه ونحن نبكي.
(تشير لها بتشغيل الترمبة)
(سمع غنام بقدوم عطا فجاء ليرحب به وسمعت نادية صوته وهو بالخارج)
ذات مرة وأثناء الضرب جري غنام (الذي تسمعين صوته بالخارج) ليختبئ من شدة الحرب فنزل في حفرة وغطي رأسه بيديه فترة طويلة وعند انتهاء الغارة أحس بأنفاس كثيرة ودفيئة بجانبه، ونظر وإذا بأكثر من عشرة كلاب برية بجواره … مسكين أصابته الدهشة من هول الموقف وليس غنام وحده الذي أصيب بالدهشة …
( أم مختار مازالت مذهولة ).
نادية: صبي الماء يا أختي كدنا أن ننتهي من أواني الغداء وبعدها نعد العشاء …
أم مختار: وماذا حدث بعد هذا….؟!
نادية: في بداية الاحتلال نفذ الطعام ففتحنا البيوت المجاورة لنا نحن وجنود الاحتلال وأخذنا الزيوت والبقول والدقيق وغيرها وبعد ورود المؤن أغلقنا البيوت بالأقفال وكتبنا علي كل بيت اسم صاحبه ولم نسمح لأحد بوضع يده علي بيت أحد. ظللنا هنا عامين كاملين والحرب دائرة..
نتقوت من قوت الاحتلال فلا نجد فيه أي طعم إلا طعم المر والذل والعار .
بعد العامين أمر الحاكم العسكري أن نرحل إلى الضفة الغربية فرفضنا.
أم مختار: لماذا؟
نادية: كنا نساعد الجيش المصري باستقبال الفدائيين من الجيش وتنفيذ عمليات انتقامية من العدو ونتستر عليهم ونهربهم مرة أخرى للضفة الغربية. فأحتار الحاكم العسكري فينا ..
إذا انتقم منا ستلاحقه جمعيات حقوق الإنسان.. ولما لم نوافق على المغادرة أخذونا إلى مدينة العريش.. أعطوا لكل أسرة فيلا وحولها حديقة… ووفروا عملا للرجال… وظللنا هناك لمدة عامين آخرين…
أم مختار: وهل كانوا يوفرون لكم الطعام؟
نادية: الطعام والملابس وكافة شيء.
أم مختار: والأدوية..؟!
نادية كانوا يعتنون بنا عناية فائقة..
حدث يوما في العامين الأولين أن الصغار اجتمعوا للعب في المكان المسموح لهم باللعب فيه وهو استراحة أحد مهندسين السكة الحديد بجوار الكنيسة.. كانت كل حديقة لهذه الاستراحات بها عدد من المراجيح و وسائل الترفيه.
اجتمع الصغار ووجد طفل منهم قنبلة كانت على هيئة معلبات.. فظن الصغير أنها علبة (بولوبيف) أو شيئا من هذا القبيل… أخذها منه أحد الأطفال الأكبر منه وقال له ضعها جانبا الآن ومتي عدنا خذها…
انتشر الأطفال علي المراجيح المختلفة ومنهم من يجري خلف الآخر ومنهم من تسلق شجرة المانجو ومن تسلق شجرة والتين و من نام تحت تكعيبة العنب وصاروا يلعبون ويمرحون …
الطفل الذي وجد القنبلة خشي أن يأخذها آخر فاحتضنها وهم بالرجوع للبيت … قابله أحد الكبار وسأله عما في حضنه فأخبره … فقال له هذه خطر لعلها منتهية الصلاحية وتسبب لك ولأسرتك المرض فما كان من الطفل إلا أن أعطاها للرجل الذي قذفها بعيدا.. فانفجرت انفجارا كبيرا هز القنطرتين…
فجاء الجنود وأخذو المصابين وعالجوهم ومن احتاج لعمليات جراحية سافر إلى تل أبيب .
أم مختار: هل كانوا يتعرضون أو يغتصبون النساء00؟
نادية: أبدا لم يحدث. و أذا صادف أحدهم إحدانا في الطريق دار بسيارته حتي لا يتقابل معها لم يتعرضوا للنساء قط أو يغتصبوهن… لكنهم اغتصبوا الأرض، والأرض عرض.
كان عدوهم الفدائي واللص … غير ذلك كان يعامل باحترام… خوفا من منظمات حقوق الأنسان.
أم مختار: ولماذا غادرتم..؟!
نادية: غادرنا لمحبة الوطن..!! الحياة ليس لها أي طعم وأنتِ بين الأعداء. كنا هنا كي نحافظ على مدينة القنطرة شرق تاج مصر المسلوب واضطررنا للهجرة منه عنوة. وهناك في العريش كنا نسكن في غير ممتلكاتنا …
الأعداء قالوا لنا لا تغادروا… لن تجدوا الفول (الحاف) في مصر… مصر بها مجاعة …
لكننا عدنا فضلنا المجاعة على طعامهم وعند عودتنا وجدنا مصر بخير وستظل دائما بخير.. و كنا نعي تماما ما سوف نعامل به.
أم مختار: وكيف كانت المقابلة من الجانب المصري؟
نادية: احتجزتنا المخابرات المصرية و اتهمتنا بالخيانة والعمالة وطبعا هذا منطقي كنا نعيش مع العدو لمدة أربع سنوات … وكان علينا أن نثبت أننا وطنيون. ولم نخن الوطن أبدا.
أم مختار: وكيف أثبتم الأمر ؟
نادية: أخبرنا المخابرات المصرية بما كنا نفعل للجنود والضابط المصريين، وكيف كنا نخبئهم تحت الأسرة وأخبرناهم بعناوين الجنود والضباط، اللذين ساعدناهم في الهروب …
فأتوا بهم وأقروا أننا ساعدناهم وأقروا أيضا أننا وطنيون .
وأيضا أخبرناهم بأسماء الجواسيس التي ضعفت أنفسهم وانضمت للأعداء وأننا نحن الذين ساعدناهم في جلب هؤلاء في أجوله لهم على شط القناة حتي يعبروا بهم للضفة الغربية …
وعند التأكد من وطنيتنا أكرمونا وأعادوا الموظفين منا لوظائفهم بعد أربع سنوات من الانقطاع عن العمل .
ووفروا لنا أماكن في المدن التي أخترناها … حضن الوطن لا يوجد أحن منه …
أم مختار: الخراب قبيح و أرجوا أن يعمر الله بكم … المدينة منظرها كئيب …. الشوارع بها حفر ضخمة والبيوت بها هدد وآثار الحرب واضحة.
نادية: ربنا يدبر …. الذي أرسل النصر بالجيش المصري يرسل العمار بيد الشعب.
أم مختار: يبدو أنه هناك ضيوف من النساء ….
نادية: أنهما أمي وأختي وديعة.. تعالي يا أمي أنا هنا.
(سلمت أم مختار عليهما و اتجهت الأم إلى الدار..).
أم مختار: وهل أمك وأختك كانتا معك ؟!
نادية: نعم
أختي وديعة ميلاد هذه حملت قنبلة هي وأمي ..
وسارتا بها مسافة كبيرة؛ لأن القنبلة وقعت في خندق وبه أكثر من ثلاثين نفس ولم تنفجر .
فحملتاها إلى منطقة تسمي وراء الجبل وخاطرتا بحياتهما
لتنقذا الأرواح.
أم مختار: ألم تخافا أن تنفجر؟!
نادية: صعيديات لا تخشين شيئا ( وهي تتفاخر وتضحك).
(هيا يا وديعة لنعد العشاء …)
وديعة: حاضر … هاتي لأقشر البطاطس وأنقي لكِ الأرز مثل كل يوم
نادية: لا يا وديعة وصلي أم مختار إلى أمك وأعطيهما الأرز والبطاطس وتعالي أنتِ لملء الأواني بالماء … الماء على وصول…
وديعة: حاضر
أم مختار: أي ماء..؟!
نادية : الماء النقي لا يأتي إلا ساعتين صباحا وساعتين مساء. نملأ أوعية للشرب والطبخ والباقي من الترومبة
أم مختار: سأساعد في ملء الماء..
نادية: لا مانع … اخبري فريد يا وديعة أننا نريد عدد أكبر من أواني الماء (جراكن )؛ لأن عدد الضيوف يزيد يوم عن يوم والأسر بدأت في الزيادة ومنهم من يأتي لطلب الماء للشرب.
(ذهبت وديعة إلى فريد وبعد حوالي نصف الساعة جاء فريد بالمطلوب من أفراد الجيش المصري.)
وبينما كانت نادية تحكي لأم مختار … كان غنام يحكي هو الآخر لعطا للمرة الثانية في حجرة الضيافة..
غنام: حدثت الحرب و ظللت هنا خمسة وعشرين يوما وكان الصهاينة يضربون الجنود بعنف وبحكم بدويتي كنت أركب الجمل وأشد إلي الصحراء لأجد جثث الجنود المصريين أعداد أعداد منتشرين فكنت أقضي اليوم بطوله أدفن فيهم في الصحراء… ومن أجده حي البسه من ملابسي البدوية وآتي به إلى عمي ميلاد وهو يتولى الباقي مع باقي الفدائيين..
ثم هربت عبر منطقة الليدو إلى القنطرة غرب … وذهبت لمنطقة أبوخليفة واتجهت إلى مزرعة لرجل يهودي مصري كنت أعمل بها من قبل …. فكانت تأتي القنابل تفتك بالناس فتكا … فكنا نجمع أشلاء الأهل والأحباء وندفنهم جماعة
في خلال شهر رحل جميع الناس من على طول خط القناة بالجهة الغربية … ومنهم صاحب المزرعة لم يتحمل ما كان يحدث لأهله فهاجر خارج مصر لا أعرف إلى أين ذهب .
ويوم قرارنا الهجرة أنا ومن معي لم نجد مواصلات فمشينا من القنطرة غرب حتي مدينة الصالحية على الأقدام واسترحنا قليلا ثم واصلنا حتي قريتكم يا معلم عطا.
استُقبلونا هناك بكل ترحاب وطببوا أقدامنا لمدة أسبوع كامل حتي شفيت أقدامنا وقمنا للعمل.
وقام يهلل: تحيا مصر…. وجيش مصر….. وشباب مصر….. وشعب مصر
قوموا…. قوموا….. واسجدوا… اشكروا الله …
صلوا في الجوامع.. والكنائس.. اشكروا الله.
فريد: اجلس يا غنام تناول العشاء معنا
غنام: أشكرك يا فريد ليس كل يوم…
فريد: إنه رزق من الله لا نعلم رزق مَنْ ؟!
غنام: جهزت بيتي تعال يا معلم عطا للمبيت عندي
عطا: أعتذر فمعي زوجتي..
غنام : أهلا بها أختي … فوق رأسي … بعد إذنك يا فريد.
فريد: إذا استطعت أخذها من نادية لا مانع.
غنام: لا استطيع أختي نادية البركة كلها.
فريد: يا نادية غنام يريد أخذ المعلم عطا وأم مختار للمبيت عنده.
نادية: ( من الداخل ) واحد يا غنام اليوم عندنا وغدا عندك.
غنام: تسلمين من كل شر يا نادية.
(استأذن غنام وجلس فريد وعطا.)
فريد: هل تظن يا معلم عطا أن القنطرة ستعود كسابق عهدها.
عطا: احتمال تعود لأفضل مما كانت و احتمال ألا تعود… وأظن الدولة ستولي اهتمام خاص بها؛ لأنها منطقة استراتيجية
فريد: الرب يدبر الصالح.
عطا: أمين.
(ثم أذن المغرب والرجال يصلون في الجامع الكبير بعد ترميمه جزئيا.)
فريد: الجامع الكبير قريب نعبر الشارع فقط.
عطا: ضحك وقال لن أصلي في الجامع.
فريد: إذا كنت تريد الصلاة هنا آتي بسجادة صلاة.
( فصمت عطا.)
هنا أتي محمود لأنه سمع بقدوم عطا فجاء لأخذه
فمال عليه فريد كي يخبره أن يأخذ عطا للجامع لعله محرج.
ضحك محمود ومال على فريد وهمس عطا “مسيحي”
فريد: (هامسا) ما قصة تزوجنا منكم وتزوجتم منا هذه ؟
محمود: يقصد أن هؤلاء تزوجوا من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء.
فريد: لا أفهم شيئا…
محمود: اصمت الأن ولاحقا سوف أشرح لك.
(اجتمع الرجال وتناولوا العشاء ومنهم من نام مكانه من التعب ومنهم من غادر لمقره ومنهم من ذهب إلى قهوة المثلث ومنهم إلى قهوة أبوصلاح…).
وجلس عطا ومحمود على القهوة وبات عطا عند محمود بينما نامت أم مختار عند نادية وأحست منها حنان الأهل والأخوات وفي الصباح أخرجت أم مختار صورة لجندي وأرتها لنادية..
أم مختار: هل رأيت هذا الجندي من قبل حيا أو ميتا ..؟!
نادية: أنا لم أرى الجميع.. أبي وأخوتي هم اللذين يعرفون… وأبي علي سفر وسوف يعود غداً أتركي معي الصورة وسوف أريها له.
( كانت أم نادية قد وصلت مبكرا اليوم وتسمع الحوار.)
الأم: يا ابنتي خذي الصورة معكِ هو الأن بمكان أفضل من هنا بكثير. مؤكد أن الله اصطفاه وهو الأن بجواره.
أم مختار: يجوز أنه مازال حي في سجون العدو.
الأم: لو كان حيا لكانت الحكومة المصرية أبلغتكم وكان قد عاد في اتفاقية تبادل الأسرى أطمئني يا ابنتي هو وصل بسلام.
(فبكت أم مختار …)
الأم: لا تبكي عليه يا ابنتي هؤلاء نزغرد لهم.
ولا يوجد بيت في مصر إلا وله حبيب هنا ومازالت الأمهات الثكلى والزوجات الأرامل تسألن… أين حبيبي!!!
( كفكفت أم مختار دمعها وقررت الموافقة على الانتقال للعيش في القنطرة شرق.)
وانتقت مكان للفيلا … بعد استشارة نادية واشترى عطا الأرض رغم أن البلدة كلها كانت مفتوحة لوضع اليد وبني فيلا على مساحة ثلاثة أفدنة في منطقة متطرفة. واشترى قطعة أرض بالقنطرة غرب، وأخذ التصاريح وأعدها لتكون صالة كبيرة لبيع لسيارات.
وعند تمام الحول عادت أم مختار وزارت الفيلا وأشارت عليه ببناء عمارتين وسط المدينة واحدة للبنات والأخرى للاستثمار…
وأرادت زيارة نادية فاخبروها بأنها وضعت طفلها الأول. فذهبت علي الفور كي تخدم نادية في وضعها.
ومنذ دخولها الشارع فوجئت بعدد هائل من الناس. وأنوار الزينة تملأ الشارع كله، وفرقة المزمار البلدي تعزف والرجال ترقص علي ألحانها والنساء تصفق وتزغرد والأطفال يمرحون والفرح يملأ كل ركن في كل بيت وكل نفس.
وأكياس من السكر وكراتين من الشربات تدخل الشارع دفقات دفقات إلى بيت فريد، وصواني الشربات توزع على الجميع..
(الجميع يسقي الجميع..)
أول مولود بمدينة القنطرة شرق بعد التحرير.. وأسماه أباه …. ديفيد …. تيمنا باتفاقية السلام كامب ديفيد. ديفيد فريد فكري.
دخلت أم مختار وسط ترحيب من الموجودين ودخلت لنادية تقبلها وتهنئها علي سلامتها… وطلبت المولود لتقبله …
لم تجده كان ينتقل من حضن إلى حضن والجميع يقبله ويضع في يده مبلغا من المال..
كانت المبالغ بسيطة لكنها كانت تحمل قيمة عظيمة وأخيرا وصل الطفل ديفيد إلى أم مختار.
أم مختار: اسم الصليب ربنا يخلي يشبه الملائكة (وجهه مستديرا أبيض اللون أسود العنين )
ولما وجدت مجموع المبالغ ضئيلة. وضعت في يد نادية مبلغا من المال يوازي ما جمع من الجميع واعتذرت لعدم إحضار هدية لعدم معرفتها بالمولود إلا وهي على باب المدينة….
نظرت أم مختار إلى تلك السيدة التي خدمت الجميع بمحبة تُرد لها المحبة من الجميع.
وفي الصباح جالت في المدينة وضواحيها وكأنها تسال الشوارع والبيوت والأشجار وحبات الرمل في الصحراء
ترى أين حبيبي!!.
تحت أي ربوة مدفون!!! وتحت أي حبات رمال يكون!!.
ومرت الأيام و بني عطا عمارة من أربعة طوابق وحاول عبثا أخذ تصريح بالطابق الخامس لكن السلطات رفضت برغم مكانته وقربه من رجال السلطة بالقاهرة.
وكان قد خطب لابنته مبكرا حتي يحقق لزوجته أمنيتها بحضور زواج ابنتها الكبرى وقبل الزفاف بعدة أيام ماتت أم مختار ..
ففسخ الخطبة وحول نشاطه من موانئ الاستيراد من الإسكندرية إلى موانئ بورسعيد ودمياط.
وتزوج من جديدة تراعي أبناءه … فتاة يتيمة من ملجأ ليس لها من يسأل عنها..
فتش في الملاجئ فوجد صبية جميلة هادئة تحب الصوم والصلاة. تزوجها على غير رغبة أهله.
وافتتح معرض السيارات بالقنطرة غرب، وأتي بأبنائه وزوجته الجديدة إلى القنطرة شرق في يوليو عام 1981 كان قد تكفل بأكثر من عشرين شابا.
جاء معه منهم عشرة شبان. أسكنهم في العمارة ووزع عليهم العمل… من يأتي بطلبات البيت، ومن يسافر بورسعيد أو دمياط لاستخلاص البضائع من الجمارك، ومن يفحص البضاعة الآتية ويقرر هل تطابق المواصفات أم مخالفة فتعود من حيث أتت، أو من يعدل مسار صفقة من بلدة لأخرى، فسيارات تأتي من ألمانيا،
فيعدل مسارها لجنوب أفريقيا، ومن من الشبان يسافر للتعاقد على هذه الصفات، وقد اصطفي عطا ثلاث شبان لبناته.
وعند استقراره في القنطرة شرق زوج ابنته بعد زواجه بعام من مهندس من الذين كفلهم
وجاءت أخته أم رأفت لحضور الزفاف مع مختارة ابنتها وفوجئت أن الزفاف بالقاهرة في أرقى الفنادق … ولم تتمكن أم رأفت من حضور الزفاف كما كانت تتمني.
وعند عودة ابنته من شهر العسل أعطي لها شقة مجهزة بكافة شيء بعمارته واشترط على زوجها دفع الإيجار بموجب عقد …
وبالطبع لم يدفع الزوج فطرده من الشقة ثم طلب الزوج الصلح فسمح له بالعودة
وجاءت مختارة ابنة أخته مع أمها أم رأفت للمرة الأولي للقنطرة شرق في يوليو عام 1982 لحضور زفاف ابنة خالها …
أعجبت بالمدينة وتمنت أن تعيش بها حتي الممات
أعجبت بشوارعها الواسعة وكنيستها الكبيرة وشاطئ مياه قناة السويس وأغرمت بالسباحة فيه.
( لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. )
عادت إلى القرية ولم تكن تزور خالها إلا إذا وضعت زوجته أو ابنته.
وكلما زارت القنطرة شرق كانت ذكرى زوجة خالها تطل إليها على كل حائط قديم كأنما مكتوب عليه أين حبيبي!!.
إخلاء مسؤولية إن موقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”