اخبار

أميركا وإسرائيل بين تحالف والتزام تاريخي وتباين في المصالح ..سنية الحسيني

ليس هناك من لا يعرف طبيعة العلاقة البنيوية الراسخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فالدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل لا يخضع للسؤال أو المساءلة في مفاصل الدولة العميقة الأميركية.

شكلت تلك العلاقة الاستثنائية بين الحليفين باستمرار جدار ردع قوياً يحمي من تفاقم الخلافات ويحفظ جوهر تلك العلاقة الخاصة جداً بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية في حقب تباينت فيها المصالح أو الأهداف.

وكانت حقبة الرئيس باراك أوباما شاهداً على تلك الحالة، فرغم تصادم مواقفه مع مواقف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في قضايا عديدة على رأسها الاتفاق النووي مع إيران، بقيت العلاقات الجوهرية والأساسية بين البلدين قائمة دون أدنى تعطيل أو تخلخل. وحتى خلال حرب غزة، اختلفت رؤية إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة نتنياهو لتطورات وتصاعد تلك الحرب، لكن دون أن يبرز ذلك إلى السطح بشكل دراماتيكي لافت.

اليوم تبدو الأمور أشد تعقيداً في ظل حقبة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي يمتلك شخصية ذات طبيعة خاصة، تتميز بأنها ذات طبيعة تلقائية أي لا تبني توجهاتها على أسس استراتيجية محكمة، ما يفسر مرونة التعامل مع أدوات تحقيقها وقابليتها لتبديل تلك الأدوات بسهولة، وكذلك ذات طبيعة علنية أو ظاهرية، أي تظهر أهدافها ومصالحها وتوجهاتها أكثر مما تبطنه، بالإضافة إلى وجود نزعة الاستعلاء والتحدي الواضحة في شخصيته، والتي لا تجعل تصرفاته مكبلة بالأساليب بالدبلوماسية وفنون اللياقة السياسية في التعامل مع الآخرين.

خلال المائة يوم الأولى من حقبة ترامب اختار أن يتبنى الرئيس الجديد سياسة بايدن في الشرق الأوسط، لكن على طريقته التي تتميز بالمبالغة والتصعيد، لم يراعِ الاعتبارات الإنسانية في مواقفه تجاه حرب إسرائيل على غزة، كما فعل سلفه، ومد إسرائيل بما حجبته إدارة بايدن من أسلحة شديدة التدمير، وصعد الهجمات على الحوثيين، متراجعاً عن اعتبارات الحرص وعدم المبالغة، التي راعاها بايدن، ومع إيران بلغ التصعيد مرحلة باتت تلوح باقتراب حرب لا يريدها الجميع باستثناء نتنياهو.

كما اختار التصعيد مع دول العالم في حرب اقتصادية شنها على الصديق وغير الصديق. جاءت نتائج تلك السياسات سلبية، وباتت وعوده التي أطلقها في حملته الانتخابية بعيدة المنال أكثر، فلا سلام بين روسيا وأوكرانيا بعد، ولم تقف حرب غزة، ولم يسترجع المحتجزين منها، وباتت أحلام التطبيع بين السعودية وإسرائيل بعيدة المنال، ما يهدد مستقبل المشاريع الاقتصادية مع دول الخليج، خصوصاً أن سياسة الحرب الاقتصادية مع العالم، على أساس شعاره «أميركا أولاً» قد واجهت تمرداً دولياً واسعاً، وبدت وكأن أميركا ستكون أول ضحاياها. فبدأت الأصوات في الولايات المتحدة تتصاعد لدق أجراس الخطر.

حذر الصحافي الأميركي المخضرم توماس فريدمان ترامب من تبعات تحالفه مع حكومة نتنياهو على مستقبل البلاد، ناصحاً بالبحث عن تلك المصالح بعيداً عن سياسة تلك الحكومة.

لا يعتبر فريدمان الأول الذي نصح الإدارة الأميركية بعدم التبعية لأهداف وطموحات إسرائيل، وداعميها في الولايات المتحدة، لما لذلك من آثار سلبية على مستقبل وسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم، وعلى رأس ذلك علماء مخضرمون في مجال علم العلاقات الدولية.

إلا أن مقال فريدمان جاء في فترة باتت فيها الولايات المتحدة تتحمل تبعات سياسة حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة معلنه ومكشوفة، أظهرت أقبح وجه لإسرائيل أمام أنظار دول العالم أجمع، فهل ستتحمل الولايات المتحدة تكلفة دعم سياسات حكومة نتنياهو، التي يرفضها جميع دول العالم عموماً ودول الشرق الأوسط خصوصاً، على حساب المصالح الأميركية خلال فترة حكم ترامب، التي تمتلك أهدافاً وطموحات اقتصادية مهمه في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

خفض ترامب مؤخراً من وهج الحرب الاقتصادية على دول العالم، وأعاد دراسة قراراته باتجاه عقلنتها.

ولم يخفِ ترامب تحول توجهاته عن دعم مواقف نتنياهو وسياساته، مع إيران واليمن والسعودية وحتى في غزة، ورد نتنياهو بإيماءات تعكس عدم الرضا.

استدعى ترامب قبل أسابيع نتنياهو إلى البيت الأبيض على عجل، ليطلعه على بدء جولات التفاوض مع إيران حول الملف النووي، وفي رد فعل لم يستطع نتنياهو إخفاءه عن عدسة الكاميرات، بدا محبطاً.

لحق ذلك بحجب تفاصيل التفاوض عن إسرائيل، ما يعكس تماماً فهمه للدور الخبيث الذي يلعبه نتنياهو لإحباط التوصل لاتفاق.

ولم يأتِ تخلص ترامب من مستشاريه الذين يدعمون تشديد الهجوم على اليمن وينسقون مع إسرائيل ملامح الضربة العسكرية مع إيران من فراغ، فقد كان ذلك مقدمة لقرار ترامب وقف القتال في اليمن، دون مراعاة الهدف الذي بدأت الولايات المتحدة ذلك القتال من أجله، وهو حماية إسرائيل، وهو الذي لم يطرح في اتفاق وقف القتال.

كما قررت الولايات المتحدة التوجه للسعودية وقطر والإمارات لترتيب الصفقات التجارية والعسكرية دون مواءمة ذلك مع تطبيع السعودية وإسرائيل، فأخرجت إسرائيل من تلك الصفقة.

ولا ترغب الولايات المتحدة بالانخراط في حرب مع إيران، لذلك يبدو أننا أقرب لتوقيع اتفاق مع إيران، شبيه بذلك الذي وقع العام ٢٠١٥، والذي انسحب منه ترامب بعد ذلك.

أخرج ترامب المحتجز الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية كما وعد من غزة، عبر مفاوضات أميركية مع حركة حماس، في مؤشر آخر على تحرر إدارة ترامب من قيود سياسة حكومة نتنياهو.

إلا أن تصريحات ترامب في القمة الثنائية مع السعودية والخليجية في اليوم التالي، والتي تجاهلت عمداً التطرق إلى حرب غزة وفق رؤية استراتيجية، وحملت المقاومة الفلسطينية في غزة وحدها مسؤولية معاناة المدنيين، دون توجيه انتقاد واحد لإسرائيل، وتعمدت تحميل إيران المسؤولية عن اضطراب المنطقة، يجعلنا نذكر أن قضايا الشرق الأوسط مترابطة، لا مجال للتلاعب فيها. فالمشاريع الاقتصادية والازدهار يحتاج لسلام وأمن، وذلك يتحقق وفق الطريقة التي تبنتها دول الخليج وعلى رأسها السعودية، والتي ترفض صراحة الحرب مع إيران، وبنت تفاهمات وعلاقات مع الند الإيراني خلال الأعوام الماضية، وأمن المنطقة وسلامتها لن تقوم لهما قائمة إلا بوقف الحرب في غزة، ووصول الفلسطينيين لحلول مقبولة تعترف بحقوقهم.

فهل تعي واشنطن أن السياسات المرحلية والجزئية والمنفصلة عن سياقها العام لن تؤتي أكلها، في منطقة تترابط قضاياها بشكل أصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *