آل نهيان: من القرصنة إلى الزندقة الجزء الثالث وطن
وطن تحدثنا في الجزء الأول عن تأسيس بنك الاعتماد والتجارة الدولي والذي جاء بعد اتفاق ما بين الشيخ زايد، وآغا حسن عابدي، لكن لا بد من العودة للوراء قليلا ولن نخرج عن موضوعنا، حتى تعرف الأمة أي مصاب ابتليت به على يد هذه الأسرة (آل نهيان)، ولتعلم أن القادم أعظم على يد هؤلاء بعد دخولهم هذا الحلف الشيطاني الخطير الذي لا مفك منه.
بعد هزيمة الفاطميين الإسماعيلية “المستعلية” على يد صلاح الدين الأيوبي، وهزيمة المنشقين عنهم الإسماعيلية النزارية (الحشاشين) على يد هولاكو في قلاع “آلموت” في بلاد فارس، تفرق هؤلاء وهم يحملون رايات الهزيمة، فكان لهم جماعات قليلة هنا وهناك في بلاد العرب ولكن كانوا في ضعف شديد فتادروا بالصمت من أجل السلامة.
أدوات الإنجليز.. من “الحشاشين” إلى “الخناقين”
لكن الأكثرية منهم ابتعدت عن بلاد العرب واتخذت سواحل الهند وما يعرف حاليا بباكستان مقرا لهم، وغيروا بعض طباعهم، ووضعوا خلافاتهم جانبا، واتخذوا التجارة بدلا من السياسة بالذات “البهرة” وهم الإسماعيلية المستعلية الذين هربوا من مصر، وحتى أيضا لا يستفزوا الحكام المسلمين الذين يحكمون بلاد الهند آنذاك.
وظلوا على هذا الحال حتى احتلت بريطانيا الهند بواسطة شركة الهند الشرقية، وكان الإنجليز يعون ماذا قدم هؤلاء من خدمات كبيرة للحملات الصليبية عندما غزت بلاد المسلمين، فتعاونوا مع بعضهم البعض وكانوا خير معين للإنجليز الغزاة، وكان من ضمن خدماتهم للإنجليز تأسيسهم لفرقة “الخناقين” على شاكلة أنشطتهم سابقا من خلال فرقة “الحشاشين”، والتي أحدثت الرعب في بلاد الهند حيث ضخم الإنجليز بشاعة جرائم هولاء.
وجعلت من الهنود يعتبرون خطر الإنجليز ثانويا بالنسبة لهم، كما دخل الإنجليز في حروب مسرحية مع هؤلاء “الخناقين” كي يظهر الإنجليز أمام الهنود في ثوب المنقذ من شرورهم، كما وجدت بريطانيا الفرصة في التخلص من المعارضين لوجوهم في الهند، وذلك باتهام هؤلاء أنهم من “الخناقين” أو من الذين يتعاونون معهم.
وعندما قامت بريطانيا بعزل باكستان عن الهند عام ١٩٤٧ لإضعاف نسبة المسلمين في الهند، لم تنس الجميل الذي قدمه هؤلاء لها حين سيطرت على الهند، فسلمت الباكستان عهدة في يدهم، وعينت الإسماعيلي محمد علي جناح رئيسا، كما مكنت شخصيات عديدة منهم من السيطرة على الجيش.
وعندما قطع البنك المركزي الهندي العلاقة مع دولة الباكستان الوليدة، قامت بريطانيا بنقل “بنك حبيب” من بومبي إلى كراتشي لإدارة شؤون الباكستان المالية، وهو بنك تمتلكه أسرة حبيب الإسماعيلية، كما أدخلت بريطانيا أسر إسماعيلية أخرى ثرية كأسرة “قوكل” وأسرة “سيكول” لتسيطر على شؤون الباكستان المالية كافة.
محمد الوليدي يكتب: “آل نهيان.. من القرصنة إلى الزندقة” (1)
وكان آغا حسن عابدي مديرا لـ”بنك حبيب” حين وكل له تمويل الرئيس الباكستاني محمد علي جناح، حين تبوأ سدة الحكم في باكستان.
بعد ذلك قام آغا حسن عابدي بتأسيس بنك جديد وبتمويل أساسي من هذه الأسر الإسماعيلية: حبيب وقوكل وسيكول، وهو “البنك المتحد المحدود” الذي سيطر على باكستان بالكامل، حيث أداره بخبث لا مثيل له، مستخدما كل الأساليب الرخيصة التي مكنته من السيطرة الشاملة، رشاوى لكبار القوم، حفلات شاذة، ونساء وحتى أطفال لمتعهم الجنسية شملت علية القوم في باكستان بأكملها، وكان يضطر أحيانا حتى لابتزازهم، وذهب الأمر أيضا للاغتيال.
كان وقتها يعمل مع المخابرات الأمريكية التي حملت الراية بعد الإنجليز في باكستان وفي كثير من بلاد العالم بعد أن هرمت إمبراطوريتهم.
في عام ١٩٧٢ “اتسعت” الفكرة لدى آغا حسن عابدي، خاصة بعد أن رأى مقدرته التي نجحت بالسيطرة المالية على الباكستان، حتى تشمل العالم كله ماليا، فكان الشعار “من العالم الثالث إلى العالم أجمع”، أو بالأحرى السيطرة على أموال النفط المنهوبة من حكام الخليج وبطاناتهم، وعلى رأسهم الشيخ زايد آل نهيان وأسرته، ومن ثم التحكم بها كما يريدون، فجاءت هذه الفكرة من أجل تأسيس بنك عالمي لأجل هذا الغرض.
فكان بنك الاعتماد والتجارة الدولي، ولم تكن فكرته وحده، بل إن المخابرات الأمريكية كانت شريكة فعليا في التخطيط وتأسيس البنك مع آغا حسن عابدي، فكانت المخابرات الأمريكية على معرفة ومتابعة لعلاقة آغا حسن عابدي مع الشيخ زايد حتى قبل الانقلاب على أخيه شخبوط، وذلك من خلال عمله على ترتيب رحلات صيد الصقور للشيخ زايد وحاشيته بكل ما تتطلبه حتى جلب داعرات له ولحاشيته، وسنأتي على تفصيل ذلك لاحقا.
في عام ١٩٩٢ وبعد انهيار بنك الاعتماد والتجارة بعام، استطاعت مجلة “النيوزويك” أن تتوصل إلى أحد المقربين من آغا حسن عابدي ومن الذين عملوا معه في “البنك المتحد المحدود” الباكستاني وبنك الإعتماد والتجارة العالمي، وقد أخبر المجلة شرط عدم ذكر اسمه من أن المخابرات الأمريكية هي من دفعت “عابدي” من أجل إنشاء بنك الاعتماد والتجارة ليكون ستارا لها في عملياتها في العالم العربي وآسيا، واستخدام أموال النفط لإتمام عملياتها، وأكد أن الباكستانيين كانوا واجهة فقط، كما أخبرهم أن مدير المخابرات الأمريكية ريتشارد هيلمز (١٩٦٦ ١٩٧٣) قد وضع مخطط بنك الإعتماد والتجارة مع آغا حسن عابدي وتعاون معه في تأسيسه. (النيوزويك ٦/ ١٢ / ١٩٩٢).
وحتى قبل أن يبدأ عمل البنك ويقدم خدماته للعامة عام ١٩٧٢، أرسل “بنك أمريكا” وهو أول بنك مساهم اجنبي و”مراقب” في بنك الإعتماد والتجارة الدولي الذي كان قيد التأسيس، أرسل بأحد موظفيه وهو “مارفين هانكوك” إلى أبو ظبي وهو في نفس الوقت عميل للمخابرات الأمريكية، ليضع مع آغا حسن عابدي القواعد التي سيسير عليها البنك.
حيث تقرر أن تكون إدارة العمليات الفعلية للبنك في أبو ظبي وأن يكون صوالح نجفي، المدير العام ويكون نائبه مارفين هانكوك. صوالح نجفي كان اليد اليمنى لحسن عابدي في البنك المتحد المحدود، وفي بنك الإعتماد والتجارة الدولي فيما بعد.
الشيخ زايد والمشروع “الإسماعيلي” القديم
وحتما ليس هؤلاء وحدهم من خططوا، فلا بد أنه المشروع القديم “الإسماعيلي” ماثلا في التخطيط لمشروع هذا البنك الإجرامي الخطير.
عندما كان آغا حسن عابدي يقنع الشيخ زايد بمشروع البنك قال له “إن البنك سيكون محميا إلى الأبد بقوة كونية خارقة وصدقه زايد!.
وعند التأسيس قال للذين اختارهم لهذا لمشروع “إذا كان محمد رسول الله فإن آغا حسن عابدي مصرفي الله” والعياذ بالله، تجديف لا مثيل له جاء من كائن سجله التاريخ فيما بعد بأنه أخطر لص عرفه العالم.
ثم ما الذي دفع الرئيس الباكستاني “ذو الفقار علي بوتو” لاعتقال آغا حسن عابدي منزليا وتأميم بنكه المتحد المحدود، بعد أن أخبره بالمشروع الجديد، بنك الإعتماد والتجارة؟، وهو الذي لم يكد يخرج من خسائر بنكه بعد انفصال بنغلاديش عن باكستان، بما في ذلك من عودة آلاف الموظفين إليه من بنغلاديش وهم يطالبون بحقوقهم.
عندما اعتقل “عابدي” منزليا وتم تأميم بنكه “المتحد المحدود” من قبل “ذو الفقار علي بوتو”، قال لساعده الأيمن، صوالح نجفي أثناء التخطيط لمشروع بنك الاعتماد والتجارة الدولي ولكن “لن أسمح لهم بفعل هذا بنا مرة أخرى لا أنا ولا أنت وإلى الأبد!، بعضهم ذهب لتفسير هذا الكلام بقرار إعدام ذو الفقار علي بوتو فيما بعد.
وقد تبين فيما بعد أن آغا حسن عابدي قد قدم للجنرال ضياء الحق تفصيلا عن المدفوعات التي دفعها ل(حزب بي بي بي) حزب بوتو، ولبوتو شخصيا وهي التي سجلت في الكتاب الأبيض كتمويل غير قانوني، الذي شمل تجاوزات مالية عديدة والتي اعدم بوتو على أساسها.
كما نبه موظف “بنك أمريكا” مارفين هانكوك حكومته الأمريكية سرا بعدم أخبار السلطات الباكستانية بمخطط البنك، “حرصا على سلامة الموظفين الباكستانيين من قبل الحكومة الباكستانية” والذين كانوا بانتظارهم في أبو ظبي.
فما المريب الغامض في هذا المخطط؟
يقول أحد المقربين من آغا حسن عابدي وهو “مسيح الرحمن”، بأن عابدي بعد الانتهاء من اجتماعهم الأول من أجل الإعداد لتأسيس البنك، قد قدم نسخة من أحد الكتب لكل واحد ممن حضروا الاجتماع، وطلب منهم أن يقرأوه بالكامل، وهو كتاب “النورس جوناثان ليفنكستون” رواية حديثة الحادية على لسان طائر النورس، يدعو للخروج عن الطبيعة والمألوف ولو بمساعدة الشيطان، لا يبتعد كثيرا عن فلسفة كتاب “اخوان الصفا” الباطني الإسماعيلي، وكلاهما اتخذ من منطق الحيوانات ما يريدون إرساله للعامة.
آغا حسن عابدي.. الشيطان بعينه
وبعض ممن عملوا مع آغا حسن عابدي وصفوه بأنه “الشيطان بعينه”، ومنهم من قال إن طريقته في إدارة البنك أشبه ما تكون بطقوس دينية غريبة.
وعندما تأخر مرة عن اجتماع يتعلق بالبنك، اعتذر للحاضرين بقوله: “سبب تأخري هو أنني قابلت الله في الممر وكان علي التحدث معه، وكان علي أن أنقل مشاعره إليكم”، تنزه الله عما يقوله هذا المأفون، والذي كان يظهر نفسه بمظهر العابد الزاهد، مع أن من عرفه عن قرب رأى أي فجور ولهو يعيشه، كان يستمتع بطائرة خاصة وأسطول من السيارات الفاخرة، وعندما أصيب بالسكتة القلبية عام ١٩٨٨ كان لا يتنقل إلا بطائرة الشيخ زايد الخاصة والتي كانت أشبه بمستشفى طائر حيث منحها إياه بعد مرضه.
وفي إحدى المرات أرسل “عابدي” بتعميم لموظفي بنك الإعتماد والتجارة يقول فيه:” لقد أمر الله بإنشاء بنك يكون قوة جبارة لدفع الخير للعالم الثالث، وقد اختار بنك الإعتماد والتجارة لتنفيذ مشيئته”، افتراء عجيب على الله عز وجل لا يمكن أن يخرج إلا من هذا الباطني الخبيث.
في عام ١٩٧٨ قال لصحفي بريطاني: “إن بنوك الغرب تركز في رسملتها على المرئي، نحن هنا في بنك الإعتماد والتجارة نبحث عن غير المرئي وهذا لا يتم إلا بإرادة قوية خالصة”!.
وفي إحدى الاجتماعات، سأل آغا حسن عابدي، أحد كبار مساعديه وهو أمجد عوان: هل تشعر بقوة غريبة في داخلك تدفعك للعمل؟ فرد عليه: نعم يا سيدي أشعر بها ولكنها “بتروح وبتيجي”.
لقد فوجىء المحققون في جرائم بنك الإعتماد والتجارة بنظام هيكلة غريب وضعه “عابدي” للبنك يصعب من خلاله اكتشاف السرقات والتحويلات أو حتى السيطرة عليه، ووصفوه بأغرب مؤسسة مالية في العالم.
حتى أشهر خبراء البنوك في العالم “بريان سمها” والذي عمل مع البنك الدولي، ومع بنك إنجلترا كما كان من أشهر مصفيي البنوك في العالم، قال:
“إن أعقد عملية تصفية قمت بها في حياتي، كانت تصفية بنك الإعتماد والتجارة لقد سئلت عما إذا كان مؤسس بنك الإعتماد والتجارة، آغا حسن عابدي قد تعمد أن يحتال عندما شرع في تأسيس البنك عام ١٩٧٢، الغريب في الأمر أنني لا أعتقد أنه فعل ذلك في الواقع، ربما لم يكن يهمه إذا كذب أو خدع أو سرق أو كيف أدار شؤونه، لقد كان رجلا ذكيا جدا وصاحب مكيدة وغير أمين”.
واضاف بريان سمها: “لقد كانت عمليات الاحتيال ضرورية لإبقاء البنك على قيد الحياة أنا لست محللا نفسيا، كما لا أعرف بالنحل الباطنية، ولكنني على قناعة بأنه كان هناك العديد من جوانب وسلوكيات بنك الإعتماد والتجارة من شأنها أن تتطابق مع سلوك يشبه سلوك الطوائف الباطنية، أعلم أن عابدي كان “زعيما صوفيا غامضا” وكان جمهوره من الموظفين يستمعون لخطبه أحيانا لمدة أربع أو خمس ساعات والتي كان أكثرها خاصة، لقد سمعت شريطا أو شريطين من تلك الخطب، لم تكن منطقية ولا علاقة لها بالعلوم المصرفية”.
ومع كل هذا، فإن “بريان سمها” لم يستطع إتمام تصفية البنك على أكمل وجه، وإن تمت التسوية بين الشيخ زايد آل نهيان ومصفيي البنك الإنجليز على أساسها، إلا أن محكمة لوكسمبورغ ( التي تم تسجيل البنك فيها) رفضت الاعتراف بهذه التسوية.
ثم لم يكن عابدي صوفيا غامضا وهو الوصف الذي أجمع عليه كثيرون، لكنه كان مشعوذا خطيرا، لا يبتعد عن شعوذة كبار طائفته الباطنية، الشهيرة بهذا العرف الموروث.
آل نهيان.. أي كارثة وضعوا الأمة بها؟
يقول روبن لي بيمبرتون، محافظ بنك إنجلترا، عندما اطلع على كافة التقارير عن البنك والتي أدت لإغلاقه عام ١٩٩١، إن “ثقافة البنك إجرامية” وأرجعها لثقافة المسلمين الذين الذين انفصلوا عن باكستان بعد مذابح دموية بعد خروج بريطانيا عنهم!، وهنا قام المحافظ بتزييف الحقيقة، فبريطانيا هي من عزلت باكستان عن الهند وهي التي جندت أصحاب “الثقافة الاجرامية” التي يتحدث عنها لتدير أمور الباكستان المالية. وهم من غير المسلمين وبإقرارهم هم بين أنفسهم، فما ذنب المسلمين؟
المسلمون كانوا أكثر الضحايا نتيجة هذا المخطط الإجرامي، كما أن عابدي نفسه كان يعمل مع المخابرات البريطانية ومن ثم الأمريكية، وبريطانيا وأمريكا من وفقتا بين آغا حسن عابدي، والشيخ زايد من أجل هذه العلاقة الحرام، وهو الآخر (زايد) كان صنيعة بريطانيا أيضا وربيب أمريكا، وتعاونتا فعليا معه من أجل الانقلاب على شقيقه الشيخ شخبوط.
ثم ألم يكن يعلم بنك إنجلترا وبنك أمريكا بطبيعة البنك منذ البداية، ألم تتم المشاركة في وضع خططه على الأقل من قبل بنك أمريكا. ثم من الذي كان يحمي حفلات شيوخ النفط ومنهم الشيخ زايد وأولاده وأصحاب حسابات البنك الثقيلة في نوادي بريطانيا، حين كانوا ينهشون اللحم الأبيض من الرأس حتى القدمين، ومن الثامنة مساء وحتى الفجر تحت حماية الشرطة البريطانية، والتي حتى بلغ بها التستر على جرائم قتل من قبل هؤلاء، وسنأتي لتفصيل ذلك لاحقا.
ثم ألم تكن أجهزة المخابرات البريطانية “أم اي ٥ وأم اي٦” تمتلكا حسابات في بنك الإعتماد والتجارة، بل وكانتا على اطلاع على ما يجري من إجرام داخل البنك حسبما أثبتت التحقيقات فيما بعد، ولكن يبدو أن محافظ بنك إنجلترا تعجل في اتهاماته.
ومرة أخرى: ما ذنب المسلمين في كل هذا؟. وهل وعى آل نهيان أي كارثة وضعوا الأمة بها؟
يتبع الجزء الرابع..