تحقيق: دوافع تجارية وراء اعتماد “الساعة الإضافية”.. والخسائر أكبر من المكاسب

بعد مرور سبع سنوات على قرار الحكومة المغربية باعتماد التوقيت الصيفي (GMT+1) طيلة السنة، لا تزال تداعيات هذا الإجراء تثير جدلا واسعا بين المؤيدين والرافضين، في ظل غياب دراسات رسمية دقيقة ترصد آثاره الحقيقية على الاقتصاد والإنتاجية والمجتمع.
القرار، الذي خرج إلى العلن بشكل مفاجئ في أكتوبر 2018 خلال اجتماع استثنائي للمجلس الحكومي، تم تبريره حينها بغايات تتعلق بالاقتصاد في استهلاك الطاقة وتعزيز التوافق الزمني مع الشركاء الاقتصاديين الأوروبيين، وعلى رأسهم فرنسا وإسبانيا وألمانيا.
لكن بعد مرور كل هذه السنوات، لا تزال فاعلية هذا التوقيت محل تساؤل، خاصة مع غياب أي تقارير حكومية بالأرقام حول أثره على الاقتصاد الوطني، في مقابل استمرار “الصمت الرسمي” تجاه تقييم شامل للقرار.
في غياب أي موقف واضح من السلطة التنفيذية، خرجت أصوات من القطاع الخاص للدفاع عن الإبقاء على التوقيت الصيفي، وعلى رأسها الكونفدرالية المغربية للمصدرين (COMEX)، التي أكدت في تحقيق لجريدة “ليكونوميست” على لسان نائبتها سلوى كركري أن “الساعة الإضافية” تسهم في تحسين التوافق الزمني مع أوروبا وتسهيل المعاملات التجارية، خصوصاً في ما يتعلق بالاجتماعات عن بعد واحترام الآجال الزمنية.
آثار متباينة
من جهتها، أشارت الفدرالية المغربية للصناعات الميكانيكية والمعدنية والكهربائية (FIMME) إلى أن التوقيت الصيفي أفرز آثارا “متباينة” على الإنتاجية الصناعية.
ويقول رئيس الفدرالية، عبد الحميد الصويري، في حديثه مع الناطقة بالفرنسية إن من أبرز الإيجابيات، “التنسيق الأفضل مع التوقيت الأوروبي، ما يسمح بعقد الاجتماعات والتعامل مع الشركاء في الزمن الفعلي”، فضلا عن تحسين جداول التسليم والتزود اللوجستي.
لكن في المقابل، سجلت الفدرالية أيضا آثارا سلبية، أبرزها صعوبات التكيف لدى العمال، خاصة في فصلي الخريف والشتاء حيث يرغم الموظفون على بدء يومهم في الظلام، ما ينعكس سلبا على الراحة النفسية والبدنية.
كما أشار الصويري إلى التكاليف المرتبطة بإعادة هيكلة جداول العمل الداخلية، مؤكدا أن التأثير العام على الإنتاجية يبقى “محايدا إلى إيجابي طفيفا”، معتبرا أن “مكاسب الاندماج مع أوروبا تعوض هذه التحديات”.
وبحسب الفدرالية، فإن أحد أهم مكاسب الساعة الإضافية يتمثل في تقليص زمن الشحن والتسليم بفضل التزامن مع موانئ وشركات النقل الأوروبية، ما يعزز جاذبية المغرب كوجهة استثمارية متناغمة زمنيا مع السوق الأوروبية.
ويؤكد المتحدث ذاته، أن “الشركات المغربية باتت تتفاعل بشكل أسرع مع نظيراتها الأوروبية، سواء في تأكيد الطلبيات أو معالجة الطوارئ، ما يمنح المغرب أفضلية تنافسية”.
أكبر المستفيدين
وسجل تحقيق “ليكونوميست” الذي ترجمته “العمقّ أن القطاعات الأكثر استفادة من التوقيت الصيفي تشمل مراكز النداء، والخدمات الرقمية والأوفشور، وصناعة السيارات والطيران، إضافة إلى قطاع النقل والخدمات اللوجستيكية.
في المقابل، لم تشعر المقاولات الصغرى، والقطاعات ذات الطابع المحلي مثل الفلاحة والبناء، بنفس الفوائد، نظرا لضعف ارتباطها بالتوقيت الأوروبي.
في ما يخص الادعاءات المرتبطة بتقليص استهلاك الطاقة، تؤكد الفدرالية أن “الأرباح الطاقية المتوقعة تبقى ضئيلة وغير ملموسة”، داعية في المقابل إلى الاستثمار الفعلي في الطاقات المتجددة كخيار استراتيجي طويل المدى.
ورغم كل هذه المعطيات المتضاربة، لا تزال الحكومة تتفادى تقديم حصيلة مفصلة أو دراسة علمية ترصد حصيلة هذا القرار المثير للجدل، ما يعزز الشعور العام بأن القرار فرض بشكل فوقي ودون تشاور كاف.
وتفاعلا مع تأثيرات الساعة الإضافية، أكد الدكتور الطيب حمضي الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن “التوقيت الشتوي هو الأكثر ملائمة لجسم الإنسان وأن تغيير الساعة سواء نقصانا أو زيادة يؤثر على ساعتنا البيولوجية وله مخاطر صحية”.
وأبرز حمضي، في تصريح لجريدة ” العمق”، أن “تغيير الساعة، سواء بإضافة ساعة أو إنقاصها، فله تأثير على صحة الإنسان وعلى نومه وساعته البيولوجية وله أيضًا تأثيرات على السلامة الطرقية وحوادث السير وعلى حوادث الشغل وأمراض القلب والنوبات القلبية والجلطات الدماغية، مقرا بوجود تأثيرات، وإن كانت في حدود معينة، وقد بيّنت الدراسات ذلك، سواء تعلق الأمر بالزيادة أو بالنقصان، وفق تعبيره.
وشدد المتحدث ذاته على أن “التوقيت الصيفي يُعتبر الأكثر تأثيرًا من الناحية الصحية، فالخبراء يرون أنه إذا أرادت الدول اختيار توقيت واحد دائم، بين التوقيت الشتوي أو الصيفي، يُنصح باعتماد التوقيت الشتوي طوال السنة، لأنه الأقرب إلى الطبيعة البشرية فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لينشط في النهار ويخلد للنوم في الليل، وبالتالي، تلك الساعة الإضافية في الصيف تُخلّ بتوازن الساعة البيولوجية للإنسان، على حد قوله.
وذكر الباحث في السياسات والنظم الصحية أن تغيير التوقيت (إضافة أو إنقاص الساعة) تم اتخاذه خلال القرن الماضي لأسباب تتعلق باقتصاد الطاقة الكهربائية، بهدف تقليص استهلاك الكهرباء، غير أن الدراسات الدولية اليوم تقول إن الإنارة في المنازل لم تعد تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، خاصة مع استعمال المصابيح الحديثة والوسائل الموفرة للطاقة، وبالتالي لم يعد هناك ربح كبير من حيث اقتصاد الكهرباء، وفق تعبيره.
ولفت أن العديد من دول العالم تتجه نحو إلغاء تغيير التوقيت بين الصيف والشتاء، بحيث يصبح توقيت الدولة موحدًا طوال السنة، غير أن كل دولة تدرس هذا القرار بناءً على معطياتها الصحية والاقتصادية والتجارية، وكذلك علاقاتها الدولية.
اضطرابات صحية
حسب الطيب حمضي الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، فقد أظهرت الدراسات أن عدد الأزمات القلبية يزداد بنسبة 25% في أيام الاثنين التالية للانتقال إلى التوقيت الصيفي مقارنة بأيام الاثنين الآخرى، بينما الانتقال إلى التوقيت الشتوي لا يزيد من احتمال خطر الإصابة بنوبة قلبية، لأن التوقيت الشتوي هو الوقت الفسيولوجي الأقرب إلى التوقيت الشمسي، وفق تعبيره.
وأبرز حمضي أن الأخطاء المهنية تزداد بشكل عام في كل المهن بما فيها الأخطاء الطبية، مشيرا إلى أن دراسة أجريت عام 2018 أفادت عن زيادة بنسبة 22% في حالات دخول المستشفى في الولايات المتحدة بسبب الرجفان الأذيني وعدم انتظام ضربات القلب، بعد تغيير الساعة نحو التوقيت الصيفي بسبب فقدان ساعة من النوم، بينما لم تلاحظ أي زيادة كبيرة في حالات الاستشفاء على هامش تغيير الساعة نحو التوقيت الشتوي حيث يتم ربح سعة من النوم.
وشدد المتحدث ذاته على أن “تغيير الساعة سواء نقصانا أو زيادة يؤثر على ساعتنا البيولوجية وله مخاطر صحية، من بينها اضطرابات النوم واليقظة وقلة النوم مع خطر النعاس أثناء العمل أو القيادة اضطرابات الانتباه وانخفاض القدرة على التركيز ومن ثم حوادث العمل والسير، فضلا عن صعوبة في النوم وبالتالي الأرق ومشاكل الشهية الشعور بالجوع في ساعات مغايرة واضطرابات المزاج والعصبية واحتشاء عضلة القلب والجلطة الدماغية”.
التوقيت الشتوي أكثر سلامة
يرى الدكتور الطيب حمضي الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية أن “التوقيت الشتوي هو الأكثر ملائمة لجسم الإنسان”، مبرزا أن التعامل الإيجابي للمواطنين مع نقص ساعة والعودة للتوقيت المغربي العادي أي الشتوي هو تماهي طبيعي مع للمعطيات العلمية التي تؤكد ان تغيير التوقيت خلال السنة (او حتى خلال الرحلات الجوية من بلد لبلد) أمر يؤثر سلبا على صحة الانسان.
والأهم من ذلك، حسب المتحدث ذاته، أن “تغيير التوقيت بزيادة ساعة أي التحول نحو التوقيت الصيفي هو الأكثر تأثيرا على الصحة والحياة العامة مقارنة بالتوقيت الشتوي الدي يتناسب وفيسيولوجية جسم الإنسان”.
ووفق الخبير ذاته، فإن الجسم لا يتأقلم بسهولة مع الانتقال إلى التوقيت الصيفي حيث يتم فقدان ساعة واحدة من النوم كما يتم تقديم الساعة البيولوجية بساعة واحدة، حيث إن الجسم مهيأ للعمل، وفق تعبيره، في أوقات ضوء النهار والنوم والراحة في ظلمة الليل وهو ما يناسب التوقيت الشتوي حيث الجسم يستفيد من النوم ليلا والعمل بالنهار عكس التوقيت الصيفي ويعمل الإنسان في الصباح للعمل في وقت مبكر مظلم ويضطر للنوم باكرا في آخر النهار وبالتالي يكون من الصعب على الجسد الاستيقاظ في الشتاء وكذا النوم في الصيف.
كما أن التعرض للضوء في أوقات محددة للغاية لها آثار مفيدة على فسيولوجيا النوم والوظائف غير البصرية للجسم مثل إفراز الميلاتونين وهو هرمون تتحكم فيه الساعة البيولوجية ويساعد في تنظيم النوم، ونشاط الدماغ ، ودرجة الحرارة ونظام القلب والأوعية الدموية، حسب الخبير ذاته.
المصدر: العمق المغربي