تتوالى الصور والموسيقى والضحكات بشكل سريع على الشاشة الصغيرة، مما لا يتيح لك فرصة لالتقاط أنفاسك. إصبع واحد يتحرك للأعلى، وقلب يتوق إلى المزيد، حتى يتلاشى الإحساس بالزمن، فتتحول الدقائق إلى ساعات، بينما يصبح الأصدقاء مجرد أيقونات في حاشية الصورة. هذا العالم الحقيقي يتلاشى لصالح بحر من مقاطع الفيديو القصيرة التي لا تتجاوز 60 ثانية.
تأثير «تيك توك» على عقولنا
يتكرر هذا المشهد في المدارس والمقاهي وغرف النوم، حيث تبقى العيون مركززة على الشاشة، والعقول تبحث عن جرعة جديدة من الإثارة الفورية. ولكن خلف هذا الوميض يتساءل الكثيرون: كيف يؤثر «تيك توك» على عقولنا، سواء كنا كبارًا أم صغارًا، وقدرتنا على الاستمتاع بلحظات الحياة الحقيقية؟
مخاوف استشاري الصحة النفسية
أشار الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إلى أن هذه الظاهرة تُعد “وباء اجتماعي وتلوث سمعي وبصري”. وأكد أنه يؤدي إلى تأثيرات سلبية على تفكير الشباب والمراهقين، مما يجعلنا نشعر بالحزن على جيل يبدو أنه فقد الاتصال بعالمه الواقعي.
وقال هندي أن “تيك توك” يكشف عن العديد من العورات الاجتماعية مثل انعدام القيم وغياب التعليم الأسري، بالإضافة إلى افتقار الآباء إلى متابعة أبنائهم. كما أضاف: “يستخدم بعض الفنانين المنصة بشكل سيء، مما يضر بالقيم والأخلاق”.
بالنسبة للإحصائيات، يُعتبر “تيك توك” أحد أكثر التطبيقات تحميلًا، حيث يوجد حوالي 1.5 مليار مستخدم عالميًا. وتأتي الهند في الصدارة بعدد يصل إلى 190 مليون مستخدم، في حين يبلغ عدد مستخدميه في مصر نحو 7.2 مليون مستخدم شهريًا، ويمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا النسبة الأكبر.
الفراغ النفسي والهشاشة الاجتماعية
وفقًا لهندي، يمثل “تيك توك” صورة لفراغ عاطفي لدى الشباب، إلى جانب انعدام الدفء الأسري. وأفاد أن المنصة تسهم في انعدام الخصوصية وامتهان الكرامة، مما أدى إلى استخدام بعض الأشخاص لأقاربهم لإنشاء محتوى يعرض حياتهم الخاصة للآخرين.
وشدد على ضرورة أن يتواصل الآباء مع أبنائهم للحديث عن “الغزو المعرفي” الذي يتعرضون له، وتوعيتهم بسلبيات “تيك توك” وما ينتج عنه من نبذ اجتماعي قد يؤثر على مستقبلهم. حيث ينبغي توعية الشباب بآثار سوء استخدام المحتوى.
المحتوى السريع وأثره على القدرات العقلية
في ذات السياق، أشار الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إلى خطورة المحتوى القصير وتأثيره على القدرات العقلية. وبحسب المؤتمر الذي عُقد بجامعة أكسفورد، يُحدث “تيك توك” تحفيزًا مفرطًا للمخ، مما يؤدي إلى تراجع القدرة على التركيز وأداء المهام الدراسية.
وأضاف فرويز أن التوسع في استخدام هذه المنصات قد يؤدي إلى زيادة الاكتئاب واضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه. وأشار إلى أن عدم الوعي من قبل الأسر يشكل خطرًا، حيث يُترك الأبناء أمام الشاشات لساعات دون رقابة.
تأثير الفيديوهات القصيرة على الصحة العقلية
تشير الدراسات أن مقاطع الفيديو القصيرة أصبحت من أكثر أشكال المحتوى استهلاكًا على الإنترنت، حيث يقضي المستخدم العادي ما يقارب 80 دقيقة يوميًا في مشاهدتها. والعناية بحيوية الشباب تعني معرفة الآثار الكبيرة لهذا النوع من المحتوى، خاصةً في التأثير على مستوى الانتباه والعلاقات الاجتماعية.
لذا، يجب أن ندرك أهمية هذه المشكلات والتعامل معها كمسؤولية مشتركة بين الأسر والدولة. هناك حاجة ملحة لتطوير تشريعات تتماشى مع التطور التكنولوجي، لضمان صحة الأجيال القادمة في عالم مليء بالتحديات.