احتفلت قرية باغليارا دي مارسي الإيطالية بميلاد طفلة، لارا بوسي ترابوكو، في مارس الماضي، لتكون أول مولودة في القرية منذ حوالي ثلاثة عقود. هذا الحدث النادر سلط الضوء على التحديات الديموغرافية المتزايدة التي تواجهها إيطاليا، حيث يشهد معدل المواليد انخفاضًا حادًا. ووصل عدد سكان القرية الآن إلى 20 شخصًا فقط، مما يجعل لارا رمزًا للأمل وسط هذا التراجع.

أزمة انخفاض المواليد في إيطاليا وتأثيرها على القرى

يمثل ميلاد لارا في باغليارا دي مارسي لحظة استثنائية، لكنه يذكر أيضًا بالصورة الأكبر لأزمة انخفاض المواليد التي تعاني منها إيطاليا. فقد سجل عام 2024 أدنى مستوى تاريخي لعدد المواليد في البلاد، حيث بلغ حوالي 369 ألف مولود، وفقًا لأرقام المعهد الوطني للإحصاء. هذا الانخفاض المستمر، الذي دام لمدة 16 عامًا، يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل المجتمع الإيطالي.

وانخفض معدل الخصوبة أيضًا إلى مستوى قياسي، حيث بلغ متوسط عدد الأطفال المولودين للنساء في سن الإنجاب 1.18 طفل في عام 2024. هذا المعدل يعتبر من بين الأدنى في الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى أن إيطاليا تواجه تحديًا هيكليًا في تجديد سكانها.

أسباب تراجع معدل المواليد

تتعدد العوامل التي تساهم في هذا التراجع. من بينها انعدام الأمن الوظيفي، وارتفاع معدلات الهجرة الشبابية، وعدم كفاية الدعم المقدم للأمهات العاملات. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى زيادة في حالات العقم لدى الرجال، واختيار متزايد للأفراد لتأجيل الإنجاب أو عدم الإنجاب على الإطلاق.

وتشير البيانات الأولية للمعهد الوطني للإحصاء للأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى استمرار هذا الاتجاه الهبوطي. فقد شهدت منطقة أبروتسو، التي تتميز بكثافة سكانية منخفضة بالفعل، انخفاضًا بنسبة 10.2٪ في عدد المواليد مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

باغليارا دي مارسي: نموذج مصغر للتحديات الوطنية

تعتبر باغليارا دي مارسي مثالاً صارخًا على المشاكل التي تواجهها العديد من القرى الإيطالية. فمع انخفاض عدد السكان، يزداد عدد كبار السن، وتتراجع أعداد الطلاب في المدارس، مما يضع ضغوطًا هائلة على المالية العامة ويخلق تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. وقالت رئيسة البلدية، جوزيبينا بيروزي، إن القرية تعاني من انخفاض حاد في عدد السكان، تفاقم بسبب هجرة كبار السن دون تعويض من الأجيال الشابة.

أصبحت الطفلة لارا الآن نقطة جذب سياحي رئيسية للقرية، حيث يزورها الناس الفضوليون الذين سمعوا بقصتها. وقالت والدتها، سينزيا ترابوكو، إن أشخاصًا لم يكونوا يعرفون حتى بوجود باغليارا دي مارسي بدأوا في زيارتها بعد سماعهم عن لارا، مما يدل على تأثير هذا الحدث الإيجابي على القرية.

وقد استفاد والدا لارا من “منحة المولود” البالغة ألف يورو التي أقرّتها حكومة جورجيا ميلوني في يناير 2025، كجزء من جهودها لمعالجة ما وصفته بـ “الشتاء الديموغرافي” في إيطاليا. كما يتلقيان إعانة طفل شهرية تقدر بنحو 370 يورو.

تحديات مستقبلية تتجاوز الدعم المالي

على الرغم من الدعم المالي، يواجه والدا لارا تحديات عملية في التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل. فإن نظام دعم رعاية الأطفال في إيطاليا يعاني من نقص مزمن، ولم تفِ حكومة ميلوني حتى الآن بوعدها بزيادة عدد دور الحضانة. وهذا يجبر العديد من الأمهات على ترك العمل أو مواجهة صعوبات كبيرة في العودة إليه.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق بشأن مستقبل لارا التعليمي. فقد أُغلقت حضانة باغليارا دي مارسي منذ عقود، ولا يوجد ضمان بأن المدرسة الابتدائية القريبة في كاستيلافيوم ستظل قادرة على العمل في المستقبل بسبب انخفاض أعداد الطلاب.

ترى سينزيا ترابوكو أن الحوافز المالية وحدها ليست كافية لحل المشكلة، وأن هناك حاجة إلى “ثورة” في النظام بأكمله. وتضيف أن إيطاليا بلد ذو ضرائب مرتفعة، لكن هذا لا يترجم إلى جودة حياة جيدة أو خدمات اجتماعية كافية.

من المتوقع أن تستمر الحكومة الإيطالية في البحث عن حلول لمعالجة أزمة انخفاض المواليد، بما في ذلك زيادة الدعم المالي للأسر، وتحسين خدمات رعاية الأطفال، وتشجيع الهجرة المنظمة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الإجراءات لا تزال غير مؤكدة، وسيتطلب الأمر جهودًا متواصلة ومستدامة لتحقيق تغيير حقيقي في هذا الاتجاه المقلق. سيراقب المراقبون عن كثب البيانات الديموغرافية الجديدة التي سيصدرها المعهد الوطني للإحصاء في الأشهر المقبلة لتقييم تأثير السياسات الحكومية الحالية.

شاركها.