الجالية المغربية المقيمة في أوروبا تحيط شهر رمضان بطقوس الوطن الأم

في الوقت الذي يقضي المغاربة شهر رمضان على الطريقة المتعارف عليها في المأكل والملبس، وفي غمرة أجواء شعبية تطغى عليها خصوصية هذا الشهر الدينية، تحاول الجالية المغربية بالخارج، وتحديدا بأوروبا، قضاء شهر رمضان بالإيقاع نفسه وفي الأجواء نفسها، على الرغم من كونها خارج التراب الوطني، من خلال حرصها على الالتزام بتقاليد مغربية خالصة وتعزيز أواخر القرابة بين بعضها البعض.
ويشكل رمضان مناسبة للجالية المغربية بعموم التراب الأوروبي لتعميق الروابط الوطنية فيما بينها عبر إقامة التجمعات وتنظيم موائد للإفطار الجماعي على الطريقة المغربية دائما، فضلا عن الانخراط في أداء الشعائر الدينية المرتبطة بهذا الشهر بشكل جماعي، والاستفادة من البعثات العلمية والتأطيرية التي تقوم المملكة بإيفادها إلى عدة دول أوروبية.
وأكد مغاربة بأوروبا، في تصريحات متطابقة لهسبريس، حرصهم المتجدد على قضائهم هذا الشهر الفريد في أجواء مغربية بالأساس، من خلال استحضار العادات والتقاليد المغربية الخاصة بهذا الشهر، لافتين إلى “أهمية المبادرات التي تقوم بها المملكة فيما يخص إيفاد بعثات دينية إلى الخارج”.
وعلاقة بشهر رمضان دائما، أوفدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قبل أيام، بعثة دينية مكونة من 24 واعظا و19 واعظة و321 من المشفعين إلى دول الخارج، ضمنها فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، كندا، هولندا، السويد، الدنمارك، ألمانيا وإيطاليا، بهدف تأطير الجالية المغربية دينيا وضمان أمنها الروحي.
تقاليد مغربية
ياسين بلقاسم، مغربي مقيم بإقليم سيينا الإيطالي، قال: “باعتبارنا جالية مغربية بأوروبا وبإيطاليا تحديدا، تعايشنا مع الثقافة المحلية هنا بعد أن هاجرنا من المغرب منذ سنوات واستقررنا بهذه البلاد، غير أن التقاليد والعادات المغربية تظل دائما حاضرة، خصوصا خلال هذا الشهر على مستوى منازلنا، بما في ذلك إعداد المأكولات على الطريقة المغربية، التي لا يمكننا تمضية شهر الصيام بدونها، والتي باتت كذلك متوفرة في محلات المغاربة هنا بإيطاليا”.
بلقاسم أكد، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الشهر يظل مناسبة لتوطيد العلاقة بين الجالية المغربية هنا بإيطاليا، حيث يظل القاسم المشترك المغربي حاضرا بيننا، وهو ما يتجسد في أداء صلاة التراويح جماعة بالمراكز الثقافية الإسلامية؛ الأمر الذي يظل باعثا على الافتخار، على اعتبار أنه يبقى دليلا على تمكن المغرب من تصدير تقاليده وقيمه إلى الخارج عبر جاليته”.
وتابع قائلا: “رمضان يظل مناسبة هامة لتوطيد العلاقات فيما بيننا كجالية، ففي هذا الشهر يلاحظ إقبال المغاربة على القراءة الجماعية للقرآن الكريم ببعض المساجد التي يسيرها مغاربة، فضلا عن وجود تنسيق جماعي من أجل تعزيز قيم تمغرابيت عبر الجمعيات والمراكز، بما في ذلك الإفطار الجماعي الذي يتم تنظيمه بمدينة ميلانو من قبل الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن”.
صيانة العادات
من إيطاليا إلى بلجيكا، قال محمد شرادي، وهو من الجالية المغربية المقيمة بالعاصمة بروكسيل، إن “هنالك حرصا من الجالية المغربية على استقبال شهر رمضان على الطريقة المغربية من خلال الحفاظ على مجموعة من التقاليد والعادات التي تربينا عليها بالمملكة، وهو ما من شأنه أن يجعلنا نحس بعدم بعدنا عن الوطن، على الرغم من كوننا نعيش داخل مجتمع آخر”.
وأضاف شرادي، في تصريح لهسبريس، أن “الجالية المغربية ببلجيكا تظل حريصة على الاستفادة قدر الإمكان من البعثة الدينية المغربية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتعاون مع مؤسسة الحسن الثاني للجالية المغربية المقيمة بالخارج، الأمر الذي بإمكانه أن يساهم في حفاظها على أمنها الروحي وتشبثها بالمذهب المالكي السني الذي يظل المذهب المشهود بتفرده وأشعريته”.
وأورد المتحدث القاطن ببروكسيل منذ سنة 2011 أن “الدولة البلجيكية ما فتئت تحرص على توفير الجو المناسب لجميع الكتل الدينية، بما فيها الإسلامية، من أجل أداء شعارها الدينية بكل حرية، ولذلك لا نجد مشكلا في هذا الصدد، كما هو الحال بدول أخرى ربما، والتي تعرف نوعا من ارتفاع المد اليميني، غير أن هذا لا يعني عدم وجود اختلاف في إحياء رمضان بالمقارنة مع المغرب، فهنا الآذان لا يرفع”، لافتا إلى “وجود حرص على مغربة الشهر داخل التراب البلجيكي والالتزام بالعادات فيما يخص اللباس والأكل”.
قلة المساجد
أفادت فاطمة بلعربي، وهي من الجالية المغربية المقيمة بباريس، أن “أداء الطقوس الدينية لدى الجالية المغربية يبقى نسبيا متفاوتا بالجمهورية، على الرغم من كون هذه الطقوس هي التي تميز أساسا رمضان عن الأشهر الأخرى، ذلك أننا نعاني هنا من قلة المساجد، وحتى وإن وجدت فإنها تبقى بعيدة، وهو ما يؤثر سلبا على الأمن الروحي للمسلمين هنا عموما”.
وأضافت بلعربي، في تصريح لهسبريس، أنه “على الرغم من ذلك فإن المغاربة يحرصون على استقبال رمضان في أحسن حلة هنا بفرنسا، من خلال الأخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد المغربية، خصوصا في المأكل والملبس، على اعتبار أن المأكولات، في صنفها المغربي، باتت متوفرة هنا ويُعدها مهنيون مغاربة، الأمر الذي يجعلنا أمام تقريب الأجواء المغربية، على الرغم من استحالة استحضارها كما هي في الأصل”.
المتحدثة ذاتها أبرزت أن “هذا الشهر يظل مناسبة لالتقاء الأسر فيما بينها على مائدة الإفطار، بخلاف الأشهر الأخرى التي لا تجتمع فيها الأسر إلا في بعض الأوقات. الصعوبة البارزة كذلك لدينا هي عدم ملاءمة التوقيت مع خصوصية الشهر”، لافتة إلى عدم وجود “إحساس بتمضية الشهر الفضيل كما يجب، على الرغم من استمرار إشادة معتنقي ديانات أخرى بالتزامنا بديننا الحنيف”.
ودعت المغربية، التي قضت أزيد من 30 سنة بالديار الفرنسية، مختلف القائمين على المراكز الإسلامية والمساجد بالجمهورية إلى “محاولة تنويع العرض الذي يستهدف المستفيدين من الجاليات المسلمة، بما فيها المغربية، بدلا من الاقتصار على صلاة التراويح”، مشيرة إلى أن “الجالية هنا تظل بحاجة إلى مزيد من الدروس الدينية والإرشادية التي يمكن برمجتها في أوقات تلائم مختلف المرتفقين”.
المصدر: هسبريس