في مشهد متنامٍ يعكس تحولاً في صناعة السينما السعودية، تسعى الشراكات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل المشهد السينمائي، وذلك من خلال الاستثمار في المواهب المحلية والتقنيات المتقدمة. وقد شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي حضوراً لافتاً للبعثة الأميركية، تسعى إلى تعزيز التعاون في مجال الإنتاج السينمائي ودعم الاقتصاد الإبداعي السعودي.
يهدف هذا التعاون إلى تطوير قطاع سينمائي سعودي مستدام، قادر على المنافسة عالمياً، مع الحفاظ على الأصالة الثقافية والقصص المحلية. وتأتي هذه الجهود في ظل رؤية المملكة 2030 التي تولي اهتماماً كبيراً بتنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات غير النفطية، ومنها قطاع الترفيه والإعلام.
الشراكات الأميركية السعودية: ركيزة لتطوير صناعة السينما
أكدت القنصلية العامة الأميركية في جدة التزام الولايات المتحدة بدعم الاقتصاد الإبداعي في المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال برامج متخصصة تهدف إلى تطوير مهارات صناع الأفلام والمنتجين والكتاب السعوديين. وتركز هذه البرامج على جوانب متعددة من صناعة الأفلام، بدءاً من كتابة السيناريو وصولاً إلى التوزيع العالمي.
وتشمل هذه المبادرات تعاوناً مع منظمات دولية مرموقة مثل “غلوبال ميديا ميكرز” و “كرييتيف أفريكان تليفيجين”، بالإضافة إلى “مبادرة الشرق الأوسط للإعلام (MEMI)” التي تنفذها “فيلم إندبندنت” بالتعاون مع “مدرسة الفنون السينمائية بجامعة جنوب كاليفورنيا (USC)”. تهدف هذه الشراكات إلى تسهيل تبادل الخبرات والمعرفة بين صناع الأفلام السعوديين والأمريكيين.
صرح ستيفن إيبيلي، رئيس قسم الشؤون الثقافية والإعلامية بالقنصلية الأميركية في جدة، بأن هذه المبادرات “تعكس التزامنا المشترك بدعم الطموحات الإبداعية للمملكة، وضمان استمرار حضور الابتكار والموهبة الأميركية في هذه الشراكة الديناميكية والمتنامية”.
تأثير الشراكات على المحتوى السينمائي
يتجاوز أثر هذه الشراكات مجرد تقديم ورشات العمل التدريبية. وفقاً لإيبيلي، فإن مبادرات مثل MEMI لا تقتصر على الجانب النظري، بل توفر نماذج عملية لكتابة السيناريو، وتقديم المشاريع، وبناء الحزم الإنتاجية، وهي الأدوات التي يستفيد منها الخريجون مباشرة في أعمالهم السينمائية والتلفزيونية.
وأشارت ريتشل غاندين مارك، المؤسسة المشاركة لمبادرة MEMI، إلى أن هذه البرامج تعزز فرص الإنتاج المشترك والتجاري، وتساعد المبدعين على الانتقال من مرحلة التطوير إلى التوزيع العالمي، مع الحفاظ على الأصالة والقصص المحلية. وهذا التحول في اللغة السينمائية يجمع بين الحكايات السعودية وأدوات الإنتاج الحديثة.
الأرقام تشير إلى تعاون مستدام
منذ عام 2018، وصلت البرامج المدعومة من وزارة الخارجية الأميركية إلى آلاف المبدعين السعوديين في مجالات السينما والتلفزيون والإعلام. وقد قدم برنامج “The American Film Showcase” سبع ورشات عمل ودورات تدريبية متقدمة في المملكة، واستفاد منها أكثر من ألفي مشارك سعودي. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت مبادرة MEMI في تدريب 84 كاتباً ومنتجاً سعودياً من خلال برامج وورش عمل إقليمية متخصصة.
هذه المبادرات لم تقتصر على مدينة واحدة أو تخصص واحد، بل امتدت عبر مناطق سعودية مختلفة، مما يعكس التزاماً مؤسسياً طويل الأمد بدعم وتطوير صناعة السينما في المملكة، ويدعم قطاع المحتوى بشكل عام.
مستقبل صناعة السينما السعودية: إنتاج مشترك واقتصاد قائم على المحتوى
مع النمو المتسارع للاقتصاد الإبداعي في المملكة، تتجه الشراكات الأميركية السعودية نحو آفاق أوسع، تشمل الإنتاج المشترك للأفلام والمسلسلات، وتطوير منصات البث الرقمي، وصناعة الألعاب، وتبني أحدث تقنيات إنتاج الأفلام. هذا التوجه يهدف إلى خلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تغطي الشراكات الحالية جوانب مهمة مثل تطوير كتابة السيناريو، والتصميم الفني، والتصوير السينمائي، والتحرير، والوسائط التفاعلية. هذه الجهود تساهم في بناء منظومة متكاملة لصناعة السينما في المملكة، وتهيئة الظروف المناسبة للتعاون التجاري الأعمق.
تأتي مشاركة الهيئة العامة للسينما السعودية في الأسواق الأميركية للأفلام في إطار هذا التوجه، بهدف توسيع فرص الإنتاج المشترك، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز الروابط التجارية والإبداعية بين البلدين.
يشير الخبراء إلى أن نجاح هذه الشراكات يتطلب تنسيقاً مستمراً بين الجهات الحكومية والخاصة، وتوفير الدعم المالي والإداري اللازم للمشاريع السينمائية السعودية. كما يشددون على أهمية تطوير البنية التحتية لصناعة السينما، بما في ذلك استوديوهات التصوير، ومعامل المونتاج، ومراكز التدريب.
من المتوقع أن يشهد قطاع السينما في المملكة العربية السعودية نمواً كبيراً في السنوات القادمة، وأن يصبح مركزاً إقليمياً هاماً للإنتاج السينمائي والتلفزيوني. وسيكون لهذه الصناعة دور كبير في تعزيز التنوع الثقافي والاقتصادي في المملكة.
ومع استمرار هذه الشراكات، من المرجح أن نشهد المزيد من الإنتاجات السينمائية السعودية المشتركة، التي تجمع بين الإبداع المحلي والخبرة العالمية. وتعتبر استضافة المزيد من المهرجانات السينمائية الدولية في المملكة خطوة مهمة في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى تطوير برامج تدريبية متخصصة تلبي احتياجات سوق العمل.
