في قلب محافظة الأقصر، عُقد “المهرجان القومي للتحطيب” في دورته الخامسة عشرة، ليؤكد على استمرار هذا الفن الشعبي العريق كجزء حيوي من الهوية الثقافية المصرية. استقبل المهرجان، الذي اختتم فعالياته مؤخرًا، جمهورًا غفيرًا من الأهالي والسائحين، مما يعكس الاهتمام المتزايد بهذا التراث الذي أدرجته منظمة اليونسكو على قائمة التراث الثقافي غير المادي. وتنوعت فعاليات المهرجان لتشمل عروضًا فنية وموسيقية تعكس تقاليد لعبت دورًا هامًا في تاريخ الصعيد.
انطلقت فعاليات المهرجان في 22 ديسمبر الحالي واستمرت حتى 24 ديسمبر، حيث شهدت ساحات الأقصر استعراضات مهارية في لعبة العصا، المصحوبة بإيقاعات المزمار البلدي والناي. شاركت فرق من عدة محافظات صعيدية، مثل قنا وسوهاج وأسيوط، في المهرجان، إضافةً إلى فرق المنيا وبني سويف، لتقديم نماذج متنوعة لأساليب التحطيب المختلفة.
أهمية الحفاظ على التحطيب كجزء من التراث المصري
يأتي تنظيم هذا المهرجان في سياق الجهود المستمرة التي تبذلها وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، للحفاظ على هذا الفن وإحيائه. وأكد الفنان أحمد الشافعي، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية ومخرج حفل الافتتاح، على الحرص الشديد في تنظيم الدورة الحالية بما يليق بمكانة الأقصر التاريخية والثقافية.
وبحسب الدكتورة الشيماء الصعيدي، المديرة العامة لأطلس المأثورات الشعبية المصرية، فإن التحطيب هو أكثر من مجرد لعبة؛ إنه تعبير عن الفروسية والشجاعة والتحدي بين الرجال، وقد توارثه المصريون منذ العصور الفرعونية وحتى اليوم. وأضافت أن هذه اللعبة تحمل طقوسًا شعبية خاصة تعكس عادات وتقاليد المجتمع الصعيدي.
عروض فنية تعكس أصالة التراث
تضمنت فعاليات المهرجان عروضًا فنية متنوعة قدمتها الفرق المشاركة، حيث تجسدت لعبة العصا في صورها التقليدية، مع استخدام إيقاعات المزمار وأغاني التراث الصعيدي. قدمت فرقة سوهاج عرضًا بعنوان “السوهاجية – الربابة”، بينما قدمت فرقة قنا استعراضًا صعيديًا أصيلًا. كما شاركت فرق ملوي وبني سويف وعروض مميزة من بينها لعبة العصا والشعبية.
ولم يقتصر المهرجان على عروض التحطيب التقليدية، بل شمل أيضًا فقرات موسيقية وغنائية قدمتها فرقة النيل للموسيقى والغناء بقيادة منال إبراهيم. تضمنت هذه الفقرات باقة من الأغاني التراثية والفلكلورية التي أضفت جوًا من البهجة والتفاعل على الحضور.
التحطيب: من اللعب الشعبي إلى التراث العالمي
يعتبر إدراج لعبة التحطيب في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو عام 2016 بمثابة اعتراف دولي بأهمية هذا الفن. وعلى الرغم من التحديات التي واجهت عملية الإدراج، إلا أن الجهود الدبلوماسية والثقافية، بقيادة شخصيات مثل الدكتور أحمد مرسي والدكتورة نهلة إمام، أثمرت عن هذا الإنجاز. وتكمن أهمية هذا الإدراج في تعزيز فرص الحفاظ على اللعبة وتشجيع ممارستها من قبل الأجيال الشابة.
ويرى الباحث في الأدب والفنون الشعبية، عبد الكريم الحجراوي، أن إقامة المهرجان في الأقصر يبرز مكانة هذه المحافظة كمركز رئيسي للتحطيب في مصر. وأشار إلى أن اللعبة ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أيضًا جزء من الحياة اليومية في الصعيد، حيث تُمارس بانتظام في المناسبات والأفراح.
يهدف المهرجان إلى ترسيخ مكانة التحطيب كأحد أهم عناصر التراث الثقافي المصري، وتشجيع ممارسته من قبل الأجيال الجديدة. ويتجه القائمون على المهرجان الآن نحو تقييم فعاليات الدورة الحالية ووضع خطط لتطوير المهرجان في السنوات القادمة، بما يضمن استمراره كمنصة لإحياء هذا الفن العريق. وقد يشمل ذلك البحث عن فرص لتدويل المهرجان وجذب المزيد من السياح والمهتمين بالتراث الثقافي المصري، بالإضافة إلى استكشاف إمكانية تحويل اللعبة إلى رياضة رسمية معتمدة.
