يُقدم الفيلم العراقي “الأسود على نهر دجلة” نظرة مؤثرة على الصراع الإنساني في الموصل بعد سنوات من الدمار الذي خلفه تنظيم داعش. يعود المخرج زرادشت أحمد إلى مدينته، مستكشفًا الذاكرة الجماعية والشخصية لسكانها، وموثقًا جهودهم للنهوض من جديد. الفيلم، الذي حصد جائزة التانيت الفضي في أيام قرطاج السينمائية، يسلط الضوء على قصة مدينة تحاول استعادة هويتها بعد صدمة الحرب.

بدأت فكرة الفيلم من البحث عن قطعة أثرية مفقودة، لكنها سرعان ما تحولت إلى رحلة أعمق في قلب الموصل، حيث التقى المخرج بشخصيات تركت بصمة لا تُمحى في عمله. يروي الفيلم قصصًا مؤثرة عن الصمود، والفقدان، والأمل في مدينة عانت طويلًا.

الموصل: ذاكرة مدينة تتحدى النسيان

عاد المخرج زرادشت أحمد إلى الموصل بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن صراعات العراق. فبعد نجاح فيلمه السابق، وجد نفسه مجبرًا على العودة لمواجهة واقع مدمر، وسؤال ملح: كيف سقطت مدينة بهذا التاريخ أمام قوة صغيرة؟ وكيف يمكن لسكانها أن يبدأوا من جديد؟

الفيلم لا يركز على الأحداث السياسية أو العسكرية بقدر ما يركز على حياة الناس العاديين. يُظهر الفيلم كيف يحاول سكان الموصل التمسك بهويتهم وثقافتهم في مواجهة الدمار واليأس. كما يسلط الضوء على جهودهم لإعادة بناء مدينتهم واستعادة حياتهم الطبيعية.

شخصيات الفيلم: أصوات من قلب الموصل

يلتقي أحمد ببشار، الصياد الذي يحرص على حراسة بوابة منزل عائلته المدمر، والتي تعلوها تماثيل أسدين. بالنسبة لبشار، هذان التمثالان ليسا مجرد حجارة، بل هما رمز لعائلته وذكرياته. يواجه بشار محاولات متكررة لسرقة التماثيل، ويشعر بأن الدولة تخلت عنه وعن مدينته.

في المقابل، يظهر فخري، الرجل الذي جمع آلاف القطع الأثرية من المدينة المدمرة، وحول منزله إلى متحف مفتوح. يسعى فخري إلى الحفاظ على تاريخ الموصل، لكنه يواجه صراعًا داخليًا حول كيفية تحقيق ذلك. يُثير الفيلم تساؤلات حول ملكية التاريخ، وأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية.

يُضيف الموسيقار فاضل بعدًا آخر للفيلم. بعد أن عاش ثلاث سنوات تحت حكم داعش، يعود فاضل إلى الشوارع ليعزف الموسيقى ويعلم الشباب. يمثل وجوده في الفيلم عودة للحياة المدنية، وانفتاحًا ثقافيًا مفاجئًا في مدينة كانت تخنقها التطرف.

تحديات التصوير في الموصل

لم يكن تصوير الفيلم مهمة سهلة. يصف المخرج الرحلة بأنها محفوفة بالمخاطر، حيث يواجه الكاميرا شكوكًا وريبة من السكان والسلطات. كما كان عليه أن يتعامل مع خطر الألغام وبقايا الحرب في الأحياء المدمرة. ومع ذلك، كان الإحساس بالإلحاح والضرورة يدفعه للاستمرار في توثيق قصة الموصل.

استغرق المخرج خمس سنوات في جمع المواد التصويرية، معتمدًا على تطور القصة من قلب الواقع. لم يعتمد على سيناريو ثابت، بل على اللحظات العفوية والجمل التي يقولها أبطال الفيلم. وهذا ما يجعل الفيلم يبدو حيًا وواقعيًا.

الآثار المترتبة على الفيلم ومستقبل الموصل

“الأسود على نهر دجلة” ليس مجرد فيلم وثائقي، بل هو شهادة على صمود شعب عراقي في وجه الشدائد. يسلط الفيلم الضوء على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية، وإعادة بناء الثقة والوعي في المجتمعات التي عانت من الحرب. كما يذكرنا بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، وأن هناك حاجة إلى جهود مستمرة لمواجهتها.

من المتوقع أن يثير الفيلم نقاشًا واسعًا حول مستقبل الموصل والعراق. كما أنه قد يلهم مبادرات لدعم إعادة بناء المدينة والحفاظ على تراثها الثقافي. في الوقت الحالي، لا تزال الموصل تواجه تحديات كبيرة، لكن الفيلم يقدم بصيص أمل في مستقبل أفضل.

يستمر العمل على دعم الموصل من قبل المنظمات الدولية والمحلية، مع التركيز على توفير الخدمات الأساسية، وإعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز المصالحة المجتمعية. من المقرر تقديم تقرير شامل حول التقدم المحرز في إعادة إعمار الموصل في الأشهر القادمة، وسيكون من المهم مراقبة التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، والتي قد تؤثر على مستقبل المدينة.

شاركها.