في ظل تساؤلات سنوية حول مدى مشروعية الاحتفال بـ”رأس السنة الميلادية” في الثقافة الدينية المصرية، يبدو أن الشارع المصري قد حسم أمره، متجاوزًا الجدل العقائدي. ففي كل عام، تشهد المدن المصرية، وعلى رأسها القاهرة، انتشارًا ملحوظًا لزينة الكريسماس وأجواء الاحتفال بالعام الجديد، ما يعكس رغبة واسعة في مشاركة هذه المناسبة كحدث اجتماعي وثقافي، بغض النظر عن الانتماءات الدينية.

هذا العام، لم يختلف المشهد كثيرًا، حيث ازدانت الشوارع والمحلات التجارية والمراكز التجارية بأضواء الكريسماس وأشجار الزينة ومجسمات بابا نويل، في مشهد يعكس حالة من البهجة والتفاؤل بمستقبل أفضل. وتتراوح ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، لكن الإقبال الجماهيري على مظاهر الاحتفال يزداد بشكل ملحوظ كل عام.

الاحتفال برأس السنة الميلادية: بين الجدل الديني والممارسة الاجتماعية

تتجدد المناقشات حول حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية في مصر مع اقتراب كل عام. يرى البعض أن الاحتفال يمثل تقليدًا غربيًا يتعارض مع القيم الإسلامية، بينما يرى آخرون أنه مجرد تعبير عن الفرح والتجديد، ولا يوجد مانع شرعي من المشاركة فيه. وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى قبل أيام تؤكد جواز التهنئة بهذه المناسبة، معتبرة إياها مناسبة اجتماعية وإنسانية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وأوضحت دار الإفتاء أن الاحتفال بالعام الجديد يمثل فرصة للتعبير عن التفاؤل والأمل بمستقبل أفضل، وأن هذه المشاعر تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية. وأشارت إلى أن التهنئة لا تعني المشاركة في الطقوس الدينية، بل هي مجرد تبادل للتحايا الطيبة.

مشاركة واسعة من مختلف الطوائف

على الرغم من الجدل الديني، تشهد الاحتفالات برأس السنة الميلادية مشاركة واسعة من مختلف الطوائف في مصر. ففي حي شبرا بالقاهرة، المعروف بتنوعه الديني، يشارك المسلمون والمسيحيون في شراء الزينة والاحتفال بالمناسبة. ويقول نادر جرجس، بائع في أحد متاجر الزينة بشبرا: “الطلب على الزينة لا يقتصر على المسيحيين، بل هناك إقبال كبير من المسلمين أيضًا، الذين يرون فيها فرصة لنشر البهجة في المنازل والمكاتب”.

وتؤكد سارة محمود، طالبة جامعية، أن شراء الزينة والاحتفال بالمناسبة لا يعني تبني توجه ديني معين، بل هو مجرد تعبير عن الفرح. وتضيف: “نحن نشارك أصدقاءنا المسيحيين في أعيادهم، وهم يهنئوننا في رمضان والعيد. هذا هو التعايش الحقيقي”.

أجواء احتفالية في مختلف أنحاء القاهرة

لم تقتصر مظاهر الاحتفال على حي شبرا، بل امتدت إلى مختلف أنحاء القاهرة. ففي شارع قصر العيني، تزينت واجهات المحلات التجارية بأضواء الكريسماس، بينما وضعت بعض المقاهي أشجار الزينة أمام مداخلها. وفي منطقة الكوربة، تحولت الشوارع إلى ساحة احتفالية، حيث ازدانت المباني بزينة العام الجديد.

وتقول علا علوي، موظفة تسويق، أثناء تصويرها أمام شجرة كريسماس في دار الأوبرا المصرية: “أشعر بالسعادة عندما أرى هذه الديكورات، التي أصبحت جزءًا من ثقافتنا الاحتفالية. إنها تعبير عن مصر الحقيقية، التي تحتفل بكل شيء وتفتح قلبها للجميع”.

وتشير الملاحظات إلى أن الاحتفال بـ”رأس السنة” في مصر أصبح ظاهرة اجتماعية وثقافية متجذرة، تتجاوز الانتماءات الدينية والجدل العقائدي. وتشهد هذه الاحتفالات إقبالاً متزايدًا من مختلف فئات المجتمع، ما يعكس رغبة في مشاركة الفرح والتفاؤل بمستقبل أفضل. كما أن زيادة الإعلانات والفعاليات التجارية المرتبطة بهذه المناسبة تساهم في تعزيز هذه الظاهرة.

من المتوقع أن تستمر الاحتفالات برأس السنة الميلادية في مصر حتى نهاية شهر يناير، مع التركيز على فعاليات رأس السنة في الفنادق والمطاعم والمراكز التجارية. وسيظل الجدل الديني حول مشروعية الاحتفال قائمًا، لكن من الواضح أن الشارع المصري قد اتخذ قراره بالمشاركة في هذه المناسبة كحدث اجتماعي وثقافي. وينبغي متابعة ردود الأفعال الرسمية تجاه هذه الاحتفالات، ومدى تأثيرها على السياحة والاقتصاد المصري.

شاركها.