إصلاحات خير الدين باشا الماقه
اصلاحات خير الدين باشا يجهلها العديد من الأشخاص، فهو واحد من أبرز رجال الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر، والذي شغل الكثير من المناصب تمكن من خلالها من عمل إصلاحات عديدة كان لها أكبر الأثر في النهوض بالبلاد وتطورها، دعونا نستعرض سوياً من خلال هذا المقال نبذة عن اصلاحات خير الدين باشا عبر موقع الماقه
خير الدين باشا
عرف خير الدين بين الناس بأكثر من اسم منهم خير الدين التونسي وخير الدين باشا، وهو الوزير العثماني المصلح المستنير الذي أتي إلى تونس من اسطنبول في سن مبكر، وقد تميز بحبه وإيمانه بضرورة التجديد والإصلاح، الأمر الذي أهله أن يكون واحداً من أبرز رجال الإمبراطورية العثمانية في تونس، حتى أن البعض أطلق عليه أبي النهضة التونسية.
نشأة خير الدين باشا
كانت نشأة خير الدين باشا في قرية بجبال القوقاز عام 1820م، وقد ولد عبد مملوك ينتمى إلى إحدى قبائل بلاد الشركس وهى قبيلة أباظة الواقعة بالجنوب الغربي من جبال القوقاز.
توفى والد خير الدين في موقعة دارت بين العثمانين وروسيا، وبعدها تم أسره بغارة وبيع في سوق العبيد باسطنبول، ووقتها تربى في بيت تحسين بك الذي كان يشغل منصب نقيب الأشراف.
انتقل خير الدين بعدها من بيت إلى آخر إلى أن انتهى به المطاف إلى قصر باي تونس عندما اشتراه رجال الباي من سيده، فقد جئ به إلى تونس وكان عمره حينذاك 17 عام وأصبح مملوك لأحمد باشا باي، الذي والاه اهتماماً بالغاً وحرص على تربيته وتعليمه، مما مكنه من أن يصبح فطناً وذو ذكاء كبير غير أنه نشأ كعبد مملوك تحت سيده.
كان خير الدين يتسم بالذكاء مما دفعه على تعلم المهارات السياسية والعسكرية والتاريخية، إلى أن تم تعينه مشرفاً على مكتب العلوم الحربية، وقد أثبت جدارته بهذا المنصب وفاز بالمراتب العسكرية مما جعل أحمد باي يوليه أمير للواء الخيالة عام 1849م.
تدرجه في المناصب
سافر خير الدين إلى باريس عام 1853م، وكان ذلك بتكليف من أحمد الباي لمقاضاة ملتزم الضرائب السابق محمود بن عياد، الذي قام باختلاس وسرقة العديد من أموال الدولة وبعدها فر هارباً إلى فرنسا.
مكث خير الدين في فرنسا حوالي 4 سنوات وحصل هناك على الجنسية الفرنسية، وقد تمكن خلال هذه الفترة من استعادة 24 مليون برنك وردها إلى خزانة الدولة.
عاد خير الدين إلى تونس مرة أخرى ووقتها عين وزيراً للبحر لمحمد باي، الذي خلف ابن عمه الباي بعد وفاته وكان ذلك عام 1857م.
كان خير الدين من الشخصيات المحبة للإصلاح ومؤيداً له، مما جعله يؤيد محمد الباي عندما أصدر عهد الأمان، الذي كفل حق المساواة لجميع سكان تونس دون أي تفرقة فيما بينهم، كما أنه أيد الصادق باي وسانده حين أصدر الدستور في 29 يناير عام 1861م بعد أن خلف أخاه محمد الباي وبناءاً عليه أنشئ مجلس استشاري مكون من 60 عضو سُمى المجلس الأكبر وعين خير الدين رئيساً له.
استقالة خير الدين من منصبه
تقلد خير الدين مناصب عديدة إلا أنه تقدم باستقالته من جميع وظائفه عام 1862م، نتيجة سوء تصرف المسؤولين وسرقاتهم للبلاد، فقد نشب خلاف بينه وبين الوزير مصطفى الخزندار بسبب رفض خير الدين ممارسات وزير المالية حول أمر الاستندانة من الأوروبيين.
وعلى الرغم من استقالته من وظائفه إلا أنه قام بالسفر إلى أوروبا واسطنبول وكان يحضر اجتماعات المجلس الخاص، حيث أن الباي كان يستشيره في بعض الأمور الهامة المتعلقة بشؤون البلاد.
استغرقت فترة انقاطعه عن العمل 7 سنوات من الفترة ما بين 1862م إلى 1869م، وخلال هذه الفترة عاش في شبه عزلة عن الجميع في الفترة ما بين 1865 إلى 1869م، فقد انعزل في بستانه لكي يتأمل ويكتب، وكان من أثر ذلك تأليفه كتابه الشهير “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك” وقد قام بطبعه بالمطبعة الرسمية بتونس عام 1868م.
عودة خير الدين إلى الوزارة
تدهورت أحوال تونس المالية نتيجة اتباعها سياسة متخبطة غير مدروسة، مما نتج عنه إفلاسها وتراكم الديون عليه، وقد قام الدائنون الأوربيون بفرض لجنة مراقبة مالية عام 1869م، وعين خير الدين رئيساً لها.
أسند إليه منصب الوزير المباشر عام 1871م، ومن ثم تولى منصب الوزير الأكبر بعد عامين من توليه منصب الوزير المباشر، ليكون خلفاً لمصطفى خزندار الذي ثبت عليه تهمة الاختلاس لأموال الدولة.
دامت فترة وزارة خير الدين ما يقرب من 4 سنوات، نهض خلالها بالبلاد وبعث فيها روحاً جديدة وأصلح كثيراً من شئونها.
اصلاحات خير الدين باشا
قام خير الدين بالكثير من الإصلاحات في تونس، وكان كانت رحلته إلى فرنسا بداية التحول في حياته فقد مكنته هذه الرحلة من اكتشاف العالم الغربي ومؤسساته عن كثب، والتي شملت ميادين الإدارة والتعليم والاقتصاد والتي من أهمها الآتي:
- قام بتحسين حلق الوادي وتنظيم إدارة الوزارة.
- قام بإنشاء مصنع بخاري للسفن، وقام بتعزيز شبكة الطرق للربط بين مختلف مناطق تونس.
- سن العديد من التشريعات التي تخدم الإصلاح والتطور.
- قام بإصلاح لباس الجيش البحري، وقام بعقد عدة اتفاقيات مع الأجانب بهدف حفظ الأراضي التونسية.
- قاوم الحكم الاستبدادي وحرص على تطبيق العدل.
- ساهم في وضع قوانين مجلس الشورى الذي أصبح رئيس له عام 1861م.
- ألغى الضرائب السابقة التي تراكمت على الناس، مما نتج عنه تراكم الديون عليهم وعدم تمكنهم من سدادها.
- حث الناس على زراعة الزيتون والنخيل، وقام بإلغاء الضرائب عن الأراضي الزراعية لمدة 20 عام.
- أعاد تنظيم الضرائب على الاستيراد والتصدير فحدد ضريبة الاستيراد 5% فقط، وخفف ضريبة التصدير ورفع الواردات، وأنشأ المخافر لمنع التهريب.
- قام بإلغاء الحملات العسكرية التي كانت تتولى جمع الضرائب من القبائل الرحل التي كانت تمتنع عن دفع الضرائب ولم تدفعها إلا عنوة، وكان سبب الإلغاء أنها كانت تتكلف أموال باهظة.
- نشر الوعي بين الناس والعمل على النهوض بالتعليم، فقام بإنشاء المدرسة الصادقية نسبة إلى الباي محمد الصادق الذي كان يحكم تونس وقتها، والتي تم إنشائها على الطراز الحديث تُدرس فيها العلوم العربية والشرعية والثقافة العصرية، كما تضمنت تعليم اللغات الفرنسية والإيطالية والتركية، وأيضاً الرياضيات والطبيعيات والاجتماعيات لشتى الصفوف.
- استعان بالعديد من العلماء لإعادة تنظيم الدراسة والتعليم بجامع الزيتونة، فأولى له عناية بالغة لتنظيم دروسه وتعديل برامجه.
- أنشأ مكتبة جديدة أطلق عليها المكتبة العبدلية، والتي تم إنشاؤها على نمط المكتبات الحديثة وقد ضم إليها الكثير من المخطوطات ونظمها تنظيماً عصرياً.
- شجع الطباعة واستقدم بعض المصريين واللبانيين لعمل فيها.
- طور الصحافة وأدخل فنون جديدة بها.
- أعاد للأوقاف دورها الديني والاجتماعي، ولهذا الغرض قام بإنشاء جمعية الأوقاف وأولى رئاستها إلى محمد بيرم الخامس.
ركائز الحركة الإصلاحية التي قام بها خير الدين باشا
ارتكزت الحركة الإصلاحية عند خير الدين على دعامتين أساسيتين هما كالتالي:
- الدعامة الأولى: ضرورة التجديد والاجمهاد في الشريعة الإسلامية، بما يتناسب مع ظروف العصر وأحوال المسلمين وما يتفق مع ثوابت الشريعة.
- الدعامة الثانية: ضرورة الأخذ بأسباب العمران الموجودة في أوروبا لأنها الطريق للنهوض بالبلاد.
خير الدين الصدر الأعظم
على الرغم من الإصلاحات العديدة التي قام بها خير الدين، إلا أنه لم يمكث كثيراً في منصبه الأخي،ر حيث أنه الباي انقلب عليه بتأثير بعض المقربين له مما دفع خير الدين إلى تقديم استقالته، وكان ذلك في 21 يوليو عام 1877م.
عقب تقديم الاستقالة عاش خير الدين بعيداً عن الحياة العامة في قصره إلى أن طلبه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لكي يستفيد من جهوده في الإصلاح.
وهنا انتقل خير الدين إلى اسطنبول في 1878م وهناك أسندت إليه رئاسة لجنة مهمتها مراجعة الوضع المالي للدولة العثمانية، وفي 4 ديسمبر عام 1878م عينه السلطان عبد الحميد الثاني صدراً أعظم.
وخلال هذه الأوقات تكالب الأعداء على الدولة العثمانية، وهزمت أمام روسيا إلا أن خير الدين تمكن بفضل مجهوداته وحنكته من إجلاء الجيوش الروسية، كما أنه ساهم في خلع الخديوي إسماعيل من ولاية مصر، لأن سياسته كانت تضعف ارتباط مصر بالدولة العثمانية مما يجعلها عرضة للأطماع الأوروبية.
كانت سياسة خير الدين قائمة على توطيد الروابط بين الدولة العثمانية وولايتها، وعندما فشل في إقناع السلطان عبد الحميد بإصلاح نظام الحكم، تقدم باستقالته من منصبه وكان ذلك في28 يوليو من عام 1879م، إلا أنه ظل على اتصال ببلاط السلطان وأصبح عضو في مجلس الأعيان حتى وفاته في 8 جمادى الآخرة 1307 هجرياً، الموافق 30 يناير عام 1890م.
مؤلفات خير الدين باشا
كان خير الدين مفكراً إصلاحياً بجانب حنكته السياسية والحربية، فقد قام بتدوين أفكاره في كتاب أطلق عليه “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك” الذي وصفه المستشرق الألماني والرحالة المعروف هاينريش فون مالتزان أثناء زيارته لتونس، أنه أهم ما ألف في الشرق في عصرنا هذا.
وقد أشار خير الدين في هذا الكتاب إلى أنه “لا ضير على البلدان العربية الإسلامية من الاقتباس من الغرب ودخول عالم الحداثة مع التمسك بمقومات الدين الإسلامي الحنيف، ذلك أن التقدم وحب الخير للمجموعة والاحتكام إلى العقل، هى من المبادئ الأولية للإسلام فلا تتناقض معه ولأن الإسلام في نظره يتأسس على العقيدة والعقل معاً”.
وقد تم تقسيم الكتاب إلى جزئين هما كالتالي:
1 الجزء الأول
يشتمل هذا الجزء على 20 باب تم تخصيص كل باب منهم لبلد من البلاد الأوروبية، وتحتوي الأبواب على عدة فصول تسرد تاريخ البلد، جغرافيته، موقعه، مساحته، أهم ملوكه، وتنظيماته الإدارية والعسكرية والسياسية.
2 الجزء الثاني
يشتمل على 6 أبواب خمس أبواب منها خصص لجغرافية القارات الخمس، أما الباب السادس فقد خصص للبحار.
وأهم ما يميز هذا الكتاب مقدمته الطويلة التي تجوز الاهتمام بها، والتي تضمنت ملخص تجربة خير الدين التي كانت ترتكز على مقاومة أوروبا، والتمسك بالجامعة الإسلامية ومحاولة إصلاح الولايات الإسلامية المختلفة للنهوض بها، ولأهمية هذه المقدمة تم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية بعد صدور الكتاب بوقت قصير.
وفاة خير الدين باشا
توفى خير الدين باشا في اسطنبول عام 1890م، وتم دفنه في جامع أيوب وفي عام 1968م تم نقل رفاته إلى تونس ودفن في مقبرة الجلاز.
وقد طبعت صورة خير الدين باشا على ورقة نقدية من فئة العشرين دينار، كما أصدر البريد التونسي عدة طوابع موشحة بصورته.
من هنا نكون نكون قد توصلنا إلى نهاية المقال بعد أن استعرضنا أهم المعلومات عن خير الدين باشا التونسي وأهم اصلاحات خير الدين باشا ونتمنى أن يحقق المقال الاستفادة المرجوة منه ونوصيكم بمشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، لكي تعم الفائدة على الجميع.